الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القطيع.. يسمع ويطيع!

26 يوليو 2016 23:15
في زمن المسخ وطغيان النقل وغياب وضمور وتآكل العقل سقط الإجماع كمصدر من مصادر الفكر والتشريع.. لأن الإجماع على الباطل أصبح ميسوراً جداً في ظل تحولنا جميعاً إلى نسخ متعددة من كتاب واحد.. فنحن جميعاً نتعرض لنفس مصادر الفكر والمعلومات.. وننقل عنها أو عن بعضنا ما سمعنا وما قرأنا.. وبالتالي أصبح الإجماع على الخطايا وعلى الباطل وعلى الغثاء والغث وارداً في كل وقت.. وهذه هي الكثرة التي هي كغثاء السيل الواردة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث الضمور العقلي والإيدز القلبي والفكري وانهيار المناعة العقلية والقلبية والفكرية.. وأزعم ولعلي على خطأ أن الوهن الذي ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو الوهن الفكري والعقلي وليس الجسدي.. بدليل أن الله عز وجل قذفه في قلوبنا وليس في أجسامنا.. أي قذفه في عقولنا، وكثيراً ما ورد القلب في القرآن الكريم بمعنى العقل (قلوب يفقهون بها).. (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَ?كِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).. والمعنى هنا عمى البصائر والعقول.. فالقلب هو العقل.. أو القلب هو مركز العقل.. ربما ويجوز ولكن المؤكد أن الوهن هو انهيار المناعة الفكرية وتحول عقولنا وقلوبنا إلى مقلب أو مكب لنفايات وقمامة الأفكار والآراء. وضمور العقل هو الذي أصاب الأمة بالوهن وجعلها أمة الإمعات والببغاوات والتقليد الأعمى والغبي ورذيلة السمع والطاعة التي حولت الناس إلى مسخ مشوه وإلى قرود تتقافز في كل مكان بلا إرادة ولا وعي ولا هدي ولا كتاب منير.. وبلا مقاومة.. والوهن هو انهيار المقاومة لكل شارد ووارد من قمامة الأفكار والآراء والفتاوى والهلاوس والضلالات التي يروجها مجانين الأمة باسم الله وتحت عنوان الدين. والحل أو ربما بداية الحل هو أن يقيض الله لهذه الأمة أناساً نجوا من الوهن والإيدز العقلي ليسبحوا فكرياً ضد تيار غثاء السيل ويضربوا بمعاولهم العقلية ثوابت مزيفة قامت على غير أساس وعلى شفا جرف هار.. وأن يعيدوا بعث فضيلة إعادة النظر، وأن يقتلوا رذيلة الثوابت والتابوهات الفكرية.. فالأمم لا تموت بموت الأجساد ولكنها تموت بموت القلوب والعقول وانهيار المناعة الفكرية وشيوع وباء الوهن ورذيلة السمع والطاعة.. والسمع والطاعة قسمان.. أحدهما انقضى وتم بدخولنا الإسلام.. فقد سمعنا الكتاب والسنة، أي وصلت إلينا الدعوة.. وأطعنا أي دخلنا الإسلام والحمد لله.. والقسم الآخر الذي ما زال مستمراً هو السمع والطاعة لولي الأمر سواء كانت ولايته أو سلطانه بيعة أو غلبة.. وولي الأمر ليس أبداً «مرشداً عاماً» أو «مرشداً أعلى» أو «أمير جماعة»، فهؤلاء أصنام صنعها الغباء وعبدها الأغبياء، ولكن ولي الأمر هو الحاكم للوطن أياً كان لقبه.. رئيساً أو والياً أو سلطاناً أو ملكاً أو أميراً.. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الإمام الجائر خير من الفتنة.. وكلٌ لا خير فيه وفي بعض الشر خيار».. وأكرر دوماً أن الفتنة هي التي نسميها الآن الثورة.. وفي قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) تأكيد لأن الفتنة هي الثورة كما نسميها الآن.. وفتنة عثمان رضي الله عنه أي الثورة على عثمان.. ومعنى ذلك أن الثورة اسم سيئ السمعة.. وأنها فتنة تصيب المظلوم قبل الظالم كما حدث تماماً في تسونامي الخريف العربي حيث كان عذاباً من فوقنا ومن تحت أرجلنا وفرّقنا شيعاً وأذاق بعضنا بأس بعض.. وأسقط الأوطان ولم يسقط أنظمة.. وكسر ما لا يمكن جبره وأفسد ما يستعصي إصلاحه وهدم ما لا يمكن بناؤه. ثقافة النقل وغيبوبة وموت العقل مسؤولة تماماً عن تحول البشر إلى قطيع يسمع ويطيع لمن لا سمع ولا طاعة له.. قطيع تسهل قيادته وسوقه حتى إلى حتفه بهلاوس وضلالات وآراء وفتاوى ظاهرها فيه الدين وباطنها من قبله العذاب والنفاق والماسونية وما يسميه المصريون في عاميتهم (الهبالة والشيطنة).. والذين غابت عقولهم وانهارت مناعتهم من الناس أسوأ كثيراً من الشياطين لأنهم يجمعون بين الجنون والشيطنة.. وشياطين الإنس أسوأ من إبليس وجنوده مئات المرات، خصوصاً هؤلاء الذين يفسدون بأدوات الإصلاح ويمارسون النفاق والكفر بتحريف معاني الآيات والأحاديث! ويمارسون الدكتاتورية بأدوات الديموقراطية ويرتكبون المنكر بأدوات المعروف.. ويملؤون الأرض ظلماً وجوراً بأدوات العدل. وكل هذا سببه الأول والأخير هو ذلك القطيع الذي يساق إلى الهاوية برذيلة السمع والطاعة في المنشط والمكره، وبسبب القطعان التي تتحرك بلا رؤوس وجعلت عقولها بدلاً من نعالها. مئات الثوابت والمفاهيم المزيفة والمغلوطة تدير حياتنا وتحكم حركتنا لأننا لا نتأمل ولا نعيد النظر، وقلنا من قبل إن من هذه الثوابت المزيفة فكرة الحاكمية وحكم الله.. فقد نقل شياطين الإنس حكم الله ورسوله من المعنى الفكري والفقهي إلى المعنى السياسي.. وقلنا إن كلمة الحاكمية ليس لها أصل في الشريعة من الناحية السياسية.. وإنما هو معنى منقول تعسفياً.. والأصل الفقهي له هو الَحكَم بفتح الحاء والكاف.. والمعنى الدقيق هو الحكم بين الناس وليس حكم الناس والتحكم فيهم (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ) أي يحكم بين الناس فقهياً وقضائياً وليس الحكم السياسي.. فمن يهز هذه الثوابت المزيفة ويدمرها؟ لا أجد أحداً.. لأن من نسميهم علماء الأمة هم سبب رذيلة النقل وغياب العقل.. وهم جزء من القطيع.. وهم مجرد حكائين ومرددين وحفاظ ومروجين لمفاهيم جعلوها مسلَّمات وجزءاً من المعلوم من الدين بالضرورة! ومن المفاهيم التي يتبناها القطيع وكانت أهم أسباب تداعي أركان هذه الأمة أن المعارضة والرفض شجاعة وبطولة، وأن التأييد والموالاة نفاق وجبن! هكذا بلا استثناء.. حيث علا صوت المعارضين والرافضين بالباطل وخفت صوت المؤيدين والموالين بالحق.. القطيع أشاع في هذه الأمة الخجل من التأييد وأشاع الوقاحة (والبجاحة) فيما يسمى المعارضة.. ولبس الحق ثوب الباطل ولبس الباطل ثوب الحق.. وارتبطت المعارضة بالسباحة ضد تيار الأوطان مع السمع والطاعة والولاء لأعداء هذه الأوطان.. فصار العملاء والخونة معارضة وطنية وصار الموالون والمؤيدون خونة وعملاء.. ولا أحد يمكنه أن يتعرض لهذه الثوابت المزيفة لأنه سيواجه الذين غابت عقولهم وانهارت مناعتهم.. وما لم يعد الوعي والعقل، ويختفي ويضمر النقل، فستبقى هذه الأمة أسيرة القطيع الذي يسمع ويطيع! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©