الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليونان... بوابة الصين إلى أوروبا!

اليونان... بوابة الصين إلى أوروبا!
9 يونيو 2010 21:20
بعدما أوشكت على الإفلاس التام، وتلطخت سمعتها في أعين المستثمرين الأجانب، بدأت اليونان تتحرك بقوة لإعادة بناء اقتصادها بالحفر عميقاً في جيوب حضارة أخرى عريقة هي الصين. وهذه الأخيرة مدفوعة بمجموعة من الحوافز الحكومية والأسعار التنافسية شرعت في ضخ مئات الملايين، وربما مليارات من اليورو في الاقتصاد اليوناني في الوقت الذي يهرب باقي المستثمرين من السوق اليونانية. وهذه الخطط الصينية ترتكز أساساً على تحويل ميناء "بيراويس" المتوسطي إلى ما يشبه ميناء "روتردام" آخر في الجنوب الأوروبي، ما سيفتح الأبواب أمام المصانع الصينية لإيصال بضائعها إلى المستهلكين في أوروبا وشمال أفريقيا، بحيث يبرز مشروع الميناء الكبير كمؤشر جديد على السياسة اليونانية الرامية إلى تسديد مستحقاتها من الديون، وإعادة بناء اقتصادها المتعثر من خلال خصخصة المرافق الحكومية غير الفعالة مثل القطارات، بل وحتى الملاهي الليلية وصالات القمار. وفي هذا السياق تولت شركة الشحن الصينية العملاقة "كوسكو" عملية إدارة الرصيف الرئيسي في ميناء "بيراويس" الواقع إلى الجنوب من أثينا مقابل تعهد الصين باستثمار 700 مليون دولار لبناء رصيف آخر وتطوير البنية التحتية في الميناء، أما اليونان، فهي من ناحيتها تضغط على الاتحادات العمالية لضمان مضي الصينيين قدماً في إدخال التغييرات الضرورية لتحسين الفعالية والرفع من الإنتاجية، والمفارقة أن الجهود الحكومية ومعها التوجه الاستثماري الصيني، دفع الحزب الشيوعي في اليونان المتعاطف مع قضايا العمال والاتحادات العمالية إلى شن هجوم حاد على الزحف الصيني على اليونان. لكن الحكومة اليونانية تواصل مع ذلك ترحيبها بالاهتمام الصيني وذلك بمنح الشركات الصينية مزيداً من الفرص الاستثمارية، مثل إنشاء مركز للتوزيع غرب أثينا، ومد خط للسكك الحديدية، فضلاً عن بناء سلسلة من فنادق خمس نجوم ثم حديقة بحرية، ويبدو أن هذه المشاريع لاقت صدى إيجابياً من قبل الفنادق والقطاع السياحي بصفة عامة في اليونان، الذي يعاني من انكماش واضح بسبب تراجع السياح الأوروبيين، فقد تحولت الجزر اليونانية إلى وجهة رئيسية لأثرياء الصين الذين يقيمون فيها حفلات الأعراس ويقضون فيها شهور العسل. وفي لقاء تلفزيوني أجري معه في أثينا خلال الأسبوع الماضي صرح "وي جيافو"، المدير التنفيذي لشركة "كوسكو" الذي يتمتع بكاريزما طاغية أن "الصين وكما يقول المثل تبني العش كي يأتي الصقر"، وأضاف مدير الشركة والعضو البارز أيضاً في الحزب الشيوعي الذي بات يعرف في اليونان باسم "الكابتن وي": "لقد قمنا بتشييد العش في اليونان حتى تأتي الصقور من الصين للاستثمار، وهذه هي مساهمتنا لكم". وكانت الصين قد استثمرت مليارات الدولارات في أكثر من مكان بدءاً من أنجولا وليس انتهاء بالبيرو في أميركا الجنوبية لضمان وصول الموارد الطبيعية إلى الصين وتلبية احتياجات اقتصادها المتعطش للمواد الأولية، هذا فضلاً عن تأمين شحن منتجاتها بطريقة فعالة وبأسعار رخيصة إلى الأسواق العالمية، ويرى المحللون أن إقبال الصين على الاستثمار في اليونان هو جزء من خططها لخلق شبكة من الطرق وخطوط الأنابيب والسكك الحديدية والموانئ لتعزيز التجارة بين الشرق والغرب فيما يشبه طريق الحرير التي كانت تقوم بالدور نفسه في الماضي. وبلجوئها إلى الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي للحصول على 140 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد، يبدو أن اليونان تناسب تماماً البيئة الصعبة التي تحبذها الصين وتسعى للاستثمار فيها، بحيث تقوم الصين حالياً ببناء قاعدة تجارية بحرية في وقت تظل فيه البلدان الأوروبية متشككة إزاء الاستثمارات الصينية التي تحركها الدولة، فعلى سبيل المثال عطلت الحكومة الفرنسية مقترحاً تقدمت به إحدى الشركات الصينية للاستحواذ على شركة فرنسية بدعوى المخاطر التي يمثلها العرض الصيني على الأمن القومي الفرنسي. هذا بالإضافة إلى المخاوف التي تثار في أوروبا عن اكتساح البضائع الصينية الرخيصة للأسواق الأوروبية، وهو ما يؤكده "جونثان وود"، المحلل المتخصص في الشؤون الدولية بمركز "مراقبة المخاطر" في لندن قائلًا: "هناك قلق متزايد في أوروبا بشأن حجم اختلال الميزان التجاري مع الصين، وهم قلقون أيضاً من أن يجدوا أنفسهم في وضع شبيه بالولايات المتحدة التي تعرف عجزاً تجارياً كبيراً لصالح الصين". لكن رغم ذلك يتعاطى اليونانيون مع الاهتمام الصيني ببلادهم على أنه هبة من السماء، فإذا كان أحد الأسئلة المطروحة حالياً على الاتحاد الأوروبي هو كيفية تأهيل الاقتصادات الأقل تنافسية لبعض الدول الأوروبية مثل البرتغال واليونان وإسبانيا لتصبح على نفس درجة كفاءة الاقتصادات في أوروبا الشمالية فإن القادة في اليونان يجيبون على السؤال نفسه بتطوير قدراتهم وخبرتهم العريقة في مجال الشحن البحري من خلال التعاون مع الصينيين والترحيب باستثماراتهم في هذا المجال، وكما يعبر عن ذلك "تيودوروس بانجالوس"، نائب رئيس الوزراء اليوناني، بقوله: "كل ما يريده الصينيون هو بوابة للولوج إلى أوروبا، إنهم ليسوا مثل وول ستريت، يستثمرون في الأوراق المالية، بل هم يتعاملون مع الأمور الملموسة، ويتاجرون في البضائع الحقيقية، وهم لذلك سيساعدون الاقتصاد اليوناني"، غير أن الأمر لا يخلو من صعوبات بالنسبة للحكومة اليونانية التي تحاول تفويت العديد من القطاعات المرتبطة بالشحن إلى الشركات الصينية، وأهم تلك الصعوبات المقاومة التي تبديها الاتحادات العمالية للاكتساح الصيني ورغبتها في تعزيز المكاسب التي استفادت منها في السابق في حين تسعى الصين إلى إدخال ثقافتها الخاصة بالعمل القائمة على الجهد الشاق والإنجاز، وهو ما يتعين على العمال في اليونان التكيف معه إذا أرادوا لاقتصادهم الحصول على فرصة أخرى والخروج من أزمته الخانقة. أنتوني فيولا - اليونان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©