الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تأثيرات بريخت وشكسبير في الإبداع العربي

تأثيرات بريخت وشكسبير في الإبداع العربي
21 أكتوبر 2009 21:17
ناقشت الندوة الرئيسية للدورة 21 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي على مدى ثلاثة أيام قضية “التجريب في المسرح السياسي” واختلط حديث التجريب المتخصص مع حديث السياسة التي كانت ومازالت الخبز اليومي لسكان كوكب الأرض. وشملت الندوة ثلاثة محاور هي “مسرح الصحف الحية الأسباب والتقنيات” و”المسرح الملحمي الجذور والتكوين” و”المسرح الوثائقي الأصول والتجاوزات”. قال الدكتور أحمد سخسوخ، العميد الأسبق لمعهد الفنون المسرحية المصري، إن الذين شاركوا في مسرح الصحف الحية لم يكونوا ممثلين وانما صحفيين كانوا ينقلون الأخبار من الصحف الى العرض المسرحي حتى بدأ الكاتب يضيف خياله للعرض المسرحي ودخلت كذلك التقنيات إلى مسرح الصحيفة الحية وهي التقنيات التي تم استخدامها في المسرح الملحمي والمسرح الوثائقي مشيرا الى أن مسرح الصحيفة الحية اقترب من المسرح التقليدي عندما استخدم خياله. أشار الى صعوبة تواجد هذا النوع من المسرح في العالم العربي لصعوبة تطبيق الشكل الديموقراطي الغربي عندنا. وأشار المسرحي الصيني شيونغ يوان واي إلى أن المسرح الصيني كله انتمى للمسرح السياسي بعد تأسيس جمهورية الصين الجديدة، حيث تركز هدف المسرح على الدعاية السياسية وظل المسرح السياسي مسيطرا على الحركة المسرحية الصينية طوال ثلاثين عاما وهو ما استمر بدرجة أقل طوال الثلاثين عاما التي تلتها وفي الصين نطلق على المسرح السياسي مصطلح المسرح الرئيسي بينما تمت تسمية العروض الفنية الأخرى العروض الإعلامية. وأوضح يوان أن مسرح الصحف لم يكن موجودا في الصين بالصورة التي عرفها العالم وان كانت هناك تجارب مشابهة تدور حول ضحايا الكوارث الطبيعية مثل الزلزال الذي دمر غرب الصين مؤخرا فظهرت أعمال عن جهود الإنقاذ. وأشار الناقد المسرحي والشاعر اللبناني بول شاؤول الى ان مسرح الصحف لم يكن مستقلا فقد أخذ من الماركسية كما أخذ من الألماني بسكاتور الذي اسس الصحف الحية وفصل الأدب عن النص ثم فصل المسرح الفن عن المسرح المكان ليقدمه في الشارع كما ضم الأفكار والتقنيات إلى الصحف الحية. وتحدث المسرحي الانجليزي جون إلسم عن مسرحيات المحاكمة التي ظهرت منذ 15 عاما و أعتبرها النموذج الأقوى للمسرح السياسي في بريطانيا والأكثر تأثيرا وان كان بعض النقاد يشككون في أنها مسرحيات من الأساس لأنها تقدم تساؤلات واقعية عن السياسة والجهات الرسمية في غياب العنصر القصصي. مسرح السامبا وقال البرازيلي الكسندر هيلفر أن هناك تصورا خاطئا عن ان البرازيليين لا يتوقفون عن رقص السامبا أولعب الكرة والحقيقة أن 40 في المئة من البرازيليين لا يحبون كرة القدم وأن أكثر من نصف البرازيليين لا يعرفون رقص السامبا وأن بلده يمتلك ثقافات متعددة وهي ميزة تثري المسرح مشيرا الى أنه لا يوجد مسرح سياسي دون بحث عن إثارة أو نقل معلومة تعبر عن الفرح أو الحزن وان البرازيليين يعشقون الدعابة لدرجة تحويل الخبر الى نكتة عند تقديمه على المسرح واشار الى أن الكتاب والمخرجين في البرازيل يواجهون تحديا كبيرا عندما يصبح الخبر نوعا من العبث يوقظ السخط عند الناس بينما يستخدم الخبر كأساس للعرض وهو ما يحمل بعض الصعوبات فيصبح من الضروري البحث عن أساليب لنقل الغضب دون الهروب من الحالة المزاجية التي يهدف العرض للوصول إليها وقال إن “المسرح الصحفي” يحتاج الى أن يكون مثيرا ومحفزا وان الهزل فيه يجب أن يؤدي الى الفكر والتأمل وان تكون هناك مساحة لإلقاء الأسئلة على الجمهور أثناء العرض أو على الأوركسترا المشاركة في العرض مشيرا الى أن المخرج يحتاج الى التواضع والتسليم بأنه ليس المالك للعقل والمنطق. وقال الباحث الإيطالي لويجي موزاتي إن تجربة مسرح الجريدة الحية موجودة في المسرح الفيدرالي الإيطالي عام 1935وحتى عام 1939. ووصف التعاون بين الصحفيين والمسرحيين بأنه يحقق شكلا جديدا كأداة للازدهار الثقافي وتحقيق حياة ديموقراطية. واختارت الندوة “المسرح الملحمي الجذور والتكوين “عنوانا ليومها الثاني وأدارته الناقدة د. نهاد صليحة ووجهت التحية للراحل سعد أردش أول من أدخل هذا النوع من المسرح في مصر عندما قدم القاعدة والاستثناء لبريخت. واشار خوسيه لويس جارثيا، أستاذ الدراما بالمعهد الوطني للبحوث في إسبانيا، الى أن المسرح الملحمي احتوى على تناقض بين الأدبي والعام وبين المختص والتاريخي كما يتناقض السردي والسياسي وربما يصح أن كل مسرح هو سياسي بينما المسرح الملحمي يعتبر مفهوما ضيقا فهو يضم محتوى سياسيا يجعل جمال العمل الفني تابعا للأيديولوجيا وبالتحديد اليسار كما يرتبط هذا النوع من المسرح بالثورة الروسية وبالماركسية. وتحدث الروماني ديدي لونيل سيسور عن تجربة رائد المسرح الملحمي بريخت الذي أنشأ فرقة برلين المسرحية والتي رفعت شعار ازالة كل المعوقات أمام المبدع وأعطته حرية في التعبير عن أرائه وهو ما جعل بريخت من أفضل كتاب الروايات بعد شكسبير. وقال الاردني د.سالم الدهام إن بعض المسرحيين العرب تأثروا بمسرح بريخت وطبقوه بدون فهم لتفاصيله مطالبا بإعادة قراءة مسرح بريخت بتفاصيله لأن هذا الشكل من المسرح هو ما تحتاج إليه منطقتنا العربية بسبب تسارع الأحداث السياسية. وأشار إلى أن الستينيات من القرن الماضي كانت العصر الذهبي للمسرح الملحمي وذروة المد البريختي في العالم بما فيه المسرح العربي فظهر مسرح السامر في مصر وسوريا ومسرح الفرجة والحكواتي في لبنان والمسرح الاحتفالي في المغرب والمسرح الطقوسي في الأردن. واشار المغربي د.سعيد الناجي الى أن نظرية المسرح الملحمي مزجت بين تقاليد المسرح الغربي وجماليات الشرقي وهو المزج الذي جدد المسرح الغربي ومنحه أفقا جديدا للتجريب مؤكدا أن هدف بريخت هو التوصل الى مسرح يدفع الجمهور الى تغيير العالم بدلا من تفسيره، وهو ما لم يصل إليه لكنه انتهى الى تغيير المسرح نفسه. وقال إن المسرح العربي تأثر كثيرا بالمسرح الملحمي وكانت تجربة سعد الله ونوس من بين محاولات قليلة تراهن على قراءة واعية للمسرح الملحمي. وأشار الى أن بريخت راهن على المسرح أكثر من السياسة بخلاف من تأثروا بنظريته الذين راهنوا على السياسة أكثر من المسرح وأن المرحلة الشرقية في حياة بريخت حولته من المسرح التعليمي الى المسرح الملحمي. تجاوز المألوف وقال الباحث العراقي د.عبدالكريم عبودة عودة أن المسرح الملحمي هو محاولات تجريبية لتجاوز المألوف وإنتاج عرض مسرحي يحمل بين مضامينه الفكرية روح العصر كما استند المسرح الملحمي إلى ابتكارات تسعى للتجاوز والهدم والبناء في محاولة لتغيير رسالة الدراما التي تعتمد على التطهر والاندماج. وفي ورقته البحثية أشار د.هناء عبدالفتاح الى أن نقاد المسرح الملحمي في مصر وجدوا أنفسهم في مأزق لم يتفهموه واستسلموا للشعارات البريختية ولم يدخلوا في الجوهر بينما سعى المخرج الراحل سعد أردش إلى تبسيط نظرية بريخت بشيء من المرونة واستخدم لافتات وإعلانات داعية للأفكار المطروحة في النص ليدخل الممثل والجمهور في قلب الرسالة التعليمية داخل المسرحية. وفي ورقته البحثية قدم الألماني كاي فوشيك حالة التناقض بين أرسطو المنغلق وبريخت المنفتح الذي ألغى وحدة الزمان والمكان والفضاء التي أكدها أرسطو ودعا بريخت الى أسلوب تمثيل يحافظ على التطور المتناقض للمجتمع والبشر. وقال الأميركي ستيفن بلات إن شكسبير خلق مسرحا ملحميا وشكل المسرح المفتوح وقدم شخصيات حقيقية واقعية وقدم المسرح السحري والمسرح السياسي ونجح في تصوير الصراع على السلطة والفساد وكان يوضح للجمهور أن كل ما يقدمه وهم وليس حقيقة فهو سبق بمسألة كسر الايهام. وفى اليوم الثالث تناولت الندوة “المسرح الوثائقي الأصول والتجاوزات” وأدارها المخرج المسرحي د.أحمد زكي، الذي أشار الى تجربته عندما قدم مسرحية الغول لبيتر فايس التي كانت مرفوضة رقابيا باعتبارها قصيدة شعرية جافة ولكنها عندما عرضت بأشعار وأغاني فؤاد حداد نجحت بشكل كبير وكانت بداية جديدة في المسرح المصري والعربي. وقال المسرحي الجزائري د.حفناوي بعلي إن المسرح الوثائقي في جملته يعبر عن التمرد والثورة لدى الجماهير فموضوعه هو الأرض المسلوبة والأرواح المقهورة والمسرح التسجيلي لا يعني فقط مجموعة من النصوص الوثائقية والحقائق التاريخية والخطب ولكنه يعني ايضا ان كل نص وثائقي يرتبط بصورة عضوية وجدلية مع سابقه والمسرح التسجيلي كان تلبية لحاجة إنسانية ملحة لجعل المسرح وسيلة فعالة لخدمة قضايا انسانية. وعن حضور المسرح التسجيلي في الدول العربية تحدث الناقد د. حسن عطية عن مسرحية المسلخ عن مذابح العراقيين على يد الاحتلال الأميركي عام 2003. وأكد أن القضية الفلسطينية احتلت عمق المسرح التسجيلي العربي حين كتب اللبناني عصام محفوظ مسرحية لماذا رفض سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في استديو 71 . واشار الايطالي باولو روفيني إلى أن المسرح السياسي والوثائقي يركز على الواقع ومن يعمل به يبتعد عن التقليد الملحمي أو السياسي وهو ما يراه ارتقاء فنيا. وقالت الباحثة الأميركية كارول مارتن إن مسرح الواقع لديه تاريخ وأساطير وأشكال فنية وأهداف سياسية اجتماعية فهو ليس حركة موحدة وهو ظاهرة مليئة بالتناقضات وهو يحتوي على بعض صفات المسرح الوثائقي ولكنه لا يلتزم بتعريفات المسرح الوثائقي فمسرح الواقع هو الفئة الأكبر التي تظهر ميزة مشتركة بين العديد من الأشكال المسرحية التي تشمل المسرح الوثائقي الدرامي والمسرح اللفظي ومسرح الواقعية ومسرح الحقيقة ومسرح الشاهد وعروض القرية ومسرح السيرة الذاتية. وقالت البولندية بوجينا سافيتكا إن مسرح بسكاتور التسجيلي الوثائقي ومسرح بريخت الملحمي تبنيا تيارا جديدا هو مسرح الحقائق ويرجع الفضل الى الألماني بيسكاتور ومسرح التليفزيون يحتل مكانة مهمة في سلسلة إخراج عروض للمسرح الوثائقي البولندية وقانون الطوارئ في بولندا أجاز نوعين من المسرح الوثائقي هما مسرح العروض المنزلية ومسرح السير الذاتية ومذكرات المشاهير. ناقد سوري: مسرحيات سلطان القاسمي مزجت بين الرؤية الواقعية وجماليات الفن اختار الباحث المسرحي السوري د.هيثم يحيى الخواجة مسرحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة نموذجاً للمسرح الوثائقي خلال الندوة الرئيسية للدورة 21 لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي حول “التجريب في المسرح السياسي”. وأعد الخواجة ورقة بحثية قدمها للندوة ضمت دراسة عن أعمال سلطان القاسمي المسرحية متناولاً أبرز ملامحها. وأكد أن كل مسرحية كتبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي استندت إلى التاريخ، حيث أدرك سموه ما في التاريخ من أحداث ووقائع يمكن أن يستفاد منها وتكون صورة من صور الواقع إذا لم تكن بحرفيتها فبأهدافها وتأويلاتها وأحداثها والرؤى المعاصرة تنظر للتاريخ باعتباره مصدراً للإلهام ومنجماً للموارد والشخصيات والحوادث والأفكار والمواقف. وتحدث عن مسرحيات الدكتور سلطان القاسمي بداية من “النمرود” التي تتألف من ثلاثة فصول وتجسد نهاية الطغاة والمتغطرسين والجبابرة في الأرض من خلال شخص سعى لينصب نفسه إلهاً على البشر إلى أن أرسل الله له جيش البعوض يقضي على ملكه ويجعله عبرة لمن يعتبر . كما تناولت مسرحية “شمشون الجبار” في ثلاثة فصول قصة الصراع الأزلي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالعودة إلى العام 1010 قبل الميلاد عندما كان شمشون الجبار يقتل الفلسطينيين وينكل بهم ثم انتهى بأن قتل نفسه مع آلاف منهم وتسجل المسرحية انتصار الفلسطينيين على الملك شاؤول أول ملوك بني إسرائيل. وجاءت مسرحية “عودة هولاكو” لتجسد ماحدث في الدولة العباسية قبل سقوطها مع إسقاط هذه الأحداث على الواقع العربي. وقدمت مسرحية “القضية” قراءة لواقع الأمة من خلال استحضار تاريخها. وخصص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي مسرحيته “الواقع طبق الأصل” للقضية الفلسطينية وتوقف عند الانتفاضة وأبرز الوعي المعاصر الذي أفرز مقاومة جادة لتحرير القدس والذات والوطن والمستقبل كما شملت المسرحية نبرة الأمل التي حملها صلاح الدين الأيوبي وكرستها المقاومة وحمل لواءها أطفال الحجارة. وتأتي مسرحية “الإسكندر الأكبر” ليسقط مؤلفها أحداث القصة على واقع منطقة الخليج والواقع العربي من خلال صورة حية لصراع القوى قديماً وحديثاً. وأشار هيثم الخواجة إلى أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي جعل مسرحه كله مخلصاً للتاريخ والوثيقة التاريخية وبحث عن صياغات فنية جديدة في إطار تاريخي أو بالأصح اتخذ منحى تاريخياً للوصول إلى دلالات وبراهين وتفسيرات جديدة ليس الغاية منها العبثية وإنما الدقة في اختيار اللحظة في التجربة الفنية لتفكيكها واستغلالها وإعادة بنائها بهدف الإسقاط على الواقع ليكون المسرح عند المؤلف متضمناً القضايا العربية الجوهرية من أجل النهوض. وعن البنية الفنية في مسرحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي قال هيثم الخواجة: إن المؤلف اعتمد في مسرحية “عودة هولاكو” نهج المسرح التسجيلي الوثائقي فقدم أحداثاً واضحة وحملت كل جمل الحوار دعوة لعودة الوعي والنهوض وإدراك الواقع وتحدي اليأس وعدم الاستسلام له حتى لا يتحول الناس إلى دمي في يد الأعداء مثل ابن العلقمي أو خراف يتم ذبحها مثل المستعصم أو وحوش همجية مثل هولاكو ولذلك لجأ لأسلوب السخرية والألم كما قدم تسجيلاً للواقع. وأخلصت المسرحية لقاعدة أن المسرح الوثائقي مسرح مباشر تسمو فيه المعلومة على تقنية الدراما وهو ما انعكس على مستوى الحوار وبقيت درامية الأحداث هي الأبرز في المسرحية. وفي مسرحية “القضية” يأتي الحدث معروفاً للجميع وفيها تراجعت القواعد الأرسطية وظهرت المشهدية واعتمد المؤلف أسلوب التصريح والمباشرة من خلال ترتيب الوقائع وربط الوثائق بالحدث العام لتأكيد الهدف الأعلى عند المتلقي. وفي مسرحية “الواقع صورة طبق الأصل” لم يقتصر الأمر على حدود التاريخ الماضي وتم ربطه بالحاضر من خلال رؤية ترغب في استلهام الماضي للإسقاط على الحاضر عبر دلالات ورموز وهو ما جعل المسرحية التاريخية وسيلة لخطاب جديد أهم ملامحه تشريح الحاضر لتبيان سلبياته حيث ضمت المسرحية مشاهد للتخاذل والرفض والمقاومة عندما يعجز الخليفة العباسي المستظهر بالله عن وقف الجرائم في القدس ودمشق ويطلب العون من ملك الاغريق لوقف الغزو ليظهر بعدها صلاح الدين يقود الأمة للانتصار والتوحد، ويتكرر التخاذل، عندما يوقع السلطان الكامل اتفاقية سلام مع أمبراطور الفرنجة يتنازل بها عن القدس وهو ما يثير الأمة ويجعلها تنهض رافضة الوضع وأكدت أحداث المسرحية نجاح المؤلف في استخدام أسلوب الإسقاط كما نجح في استحضار الماضي ليكون عبرة للمتلقي. واعتبر الخواجة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي واحداً من الذين ساهموا في الانفتاح على التجريب في المسرح العربي وعلى التراث واتبع في نهجه أسلوباً جديداً عبر فن المسرح لتوعية الجمهور. “اثنان في واحد” عرض إيمائي في مدن فلسطين بعد النجاح الكبير الذي حققه عرضهما المشترك في المهرجان الدولي الخامس للتمثيل الصامت الذي أقيم في مدينة شفاعمرو داخل فلسطين المحتلة عام 1948 في أبريل الماضي، يعود الفنان سعيد سلامة ابن مدينة شفاعمرو المحتلة، والفنانة البولونية مونيكا كونييتشنا لتقديم مسرحية “اثنان في واحد” في جولة عروض تشمل القدس وشفاعمرو وعسفيا وهضبة الجولان وسخنين ويافا. وبدأت العروض في القدس بضيافة مسرح الحكواتي، ثم في شفاعمرو، ثم في عسفيا بضيافة مسرح النقاب، وفي مجدل شمس بضيافة جمعية الجولان لتنمية القرى العربية ـ مسرح “عيون”، وبعد ذلك في سخنين في ضيافة مسرح الجوال، ومن ثم يعود سلامة وكونييتشنا لتقديم خمسة عروض في إطار مهرجان مسرح السرايا بمدينة يافا. يشار إلى أن هذا العمل المسرحي الإيمائي يظهر التفاعل بين بني البشر، والسلوك اليومي، وكيف ننظر إلى بعضنا البعض من خلال خلفيات ثقافية مختلفة حيث يبدأ العرض خلال رحلة في الطائرة، يتفاعل خلالها مسافرين هما سعيد ومونيكا، حتى وصولهما في نهاية المطاف الى جهة غير مخطط لها، في جزيرة مهجورة. المسرحية من تأليف وإخراج وأداء سعيد سلامة ومونيكا كونييتشنا، فيما تولى الإعداد الموسيقي حبيب شحادة، والديكور سيميون غولكو. “الزمن الرديء”.. عودة إلى أدب المسرح تعد مسرحية “الزمن الرديء” للكاتب السوري ثائر الناشف، الصادرة هذا العام عن دار شمس في القاهرة، واحدة من الإصدارات القليلة المختصة بأدب المسرح، والذي خفت وهجه وقل إنتاجه، سواء على خشبة المسرح أو في النصوص، نظراً لسيطرة الفنون الأدبية الأخرى وطغيان النيوميديا بوجهيها المرئي التلفزيوني أو السينمائي. وما يلزم اليوم لإنقاذ الأدب المسرحي، هامش الحرية الذي حاول الكاتب ثائر الناشف، البحث عنه وإيجاده في شخوص المسرحية، خصوصاً في شخصية بطلها “مالك” ولو عن طريق عمله كفنان كاريكاتيري لا يخشى أحداً في رسوماته الناقدة التي سببت له الكثير من المشاكل السياسية في عدد من البلاد العربية، وهو ما حاولت أن ترمي إليه المسرحية في فصولها الخمسة، ألا وهو تكسير القوالب الاجتماعية منها والسياسية، بغرض إيجاد واقع جديد يتحمل فيه الجميع لمسؤولياتهم بقدر من المساواة والعدالة. وتطرح المسرحية في مئةٍ وثمانية وعشرين صفحة، عبر خمسة فصول جملة من القضايا السياسية والاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية ضمن قالب أدبي واقعي وتراجيدي لا يجنح إلى الخيال. واللافت أن الكاتب لجأ إلى اختيار إمارتي الشارقة ودبي في دولة الإمارات العربية المتحدة كمكان لمسرحيته، استطاع من خلال تجربته القصيرة في هذا البلد نسج أحداثها ورسم شخوصها، حيث تنوعت الشخصيات بتنوع الهويات القُطريّة العربية، وحملت كل شخصية في داخلها همومها التي لا تنفصل عن هموم بلدها الأم إلى جانب هموم المكان الذي تقيم فيه طواعية بحثاً عن الرزق الحلال الذي تعذر كسبه في بلدها الأصل، لتشكل هذه الشخصيات بمجموعها لوحة فنية متكاملة الأبعاد والألوان، تماماً كلوحات بطلها “مالك”، فكل جزء من هذه اللوحة يكشف عن التآخي والتعاضد الحقيقي القائم بين القلوب التي شتتها الحروب والهموم وجمعها العمل تحت سقف واحد، وليس ذلك الموجود شفاهة في لغة الشعارات. يمكن القول إن مسرحية الزمن الرديء، استطاعت إلى حد كبير تقديم رؤية نقدية جديدة لحال الواقع العربي الرديء، عندما تجرأت في سبر أغواره ورصد تناقضاته وصولاً إلى كسر محرماته، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال الجدل الدائر بين شخصيات المسرحية وموقفها من الحرب الأخيرة على العراق وقضية الصراع العربي الإسرائيلي، من دون أن يغيب عن ذهن الكاتب التقاط صورة أفضل للمستقبل العربي، الذي خاض بعيداً في إظهار سلبياته في كل مجالات الحياة بلا استثناء، على الرغم من تفاؤله المفرط بحلول السلام بين الشعوب والأديان الإبراهيمية الثلاث، من خلال اعتماده على شخصية يعقوب وإلياس وإسماعيل، إلا أن ما حاول الكاتب أن يطرحه في المسرحية، يبقى أولاً وآخراً في سياق التأسيس والتأكيد على حتمية الوحدة الموجودة في شخوص المسرحية فقط، والتي تعدت بإيقاعها السريع حدود البلد الذي تنتمي إليه، في ما يشبه تحطيمها لواقع الحدود السياسية وعدم اعترافها بتلك الحدود والخطوط الوهمية المصطنعة، غير أن هذا الحلم يبقى بعيد المنال، وهو ما استدركه الكاتب في نهاية المسرحية. وبطبيعة الحال، لم تخلُ المسرحية بدورها من الدراما العاطفية التي حاول فيها الكاتب ثائر الناشف الإشارة إلى عمق الرابطة الجينية بين العرق والدم، والتي انتهت في فصلها الأخير إلى نهاية دموية مريعة لبطليها، “مالك” و”سلام”، وهي محاولة عسيرة في الإصرار على حتمية الرابطة المؤسسة لحلم الوحدة بين الشعوب العربية، بغض النظر عن عادات وتقاليد كل مجتمع. وقد استطاع الكاتب أن يطرح في “الزمن الرديء”، رزمة من القضايا والهموم التي يعاني منها المجتمع العربي ككل، في إطار سردي يتسم بالعفوية والتلقائية ورشاقة الحوار، فكان أقرب ما يكون إلى الواقع المعاش، لكنه تغاضى عن إيجاد الحلول للقضايا التي أثارتها المسرحية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©