السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مؤيدو النقاب يرفعون سيف «اللادستورية» ومعارضوه يتمترسون خلف إساءة الاستغلال

مؤيدو النقاب يرفعون سيف «اللادستورية» ومعارضوه يتمترسون خلف إساءة الاستغلال
20 أكتوبر 2009 23:34
تشهد مصر بين الحين والآخر حروبا وصراعات حول قضايا تبدو للمتأمل مفتعلة أو حتى تافهة ولا يسع المتابع المدقق إلا أن يرى فيها نوعاً من استعراض القوة بين التيارات السياسية المتناحرة في المشهد العام، وهناك من يحلو له اللجوء إلى التفسير التآمري للأحداث والوقائع فيرى أن عملية التسخين لبعض القضايا الهامشية تبدو مقصودة من جانب جهات بعينها لصرف الانظار عن قضايا وملفات اخطر يراد تمريرها في الزحام والضوضاء. وفي غمرة احتفالات مصر بالنصر على اسرائيل في حرب السادس من أكتوبر عام 1973 فوجئ الشارع المصري بالتقزم الشديد لاحتفالات الذكرى السادسة والثلاثين للانتصار مقابل تفجير قضية استولت على المشهد المصري برمته وهي قضية ارتداء النقاب، وما إذا كان النقاب فرضا أم فضلا؟ وما إذا كان عادة أم عبادة؟ ولم يعد من حديث في الشارع المصري الآن سوى عن النقاب ومباراة مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم وما عدا ذلك لا حديث ولا حوار ولا نقاش حتى حول المؤتمر العام السادس للحزب الوطني الحاكم الذي من المفترض أنه سيناقش قضايا جماهيرية في غاية الأهمية. الشرارة الأولى بدأت الحرب بزيارة قام بها شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي لمعهد أحمد الليبي للفتيات بمدينة نصر وقيل ان الزيارة بهدف الاطمئنان على استعدادات المعاهد الأزهرية لمواجهة انفلونزا الخنازير، ودخل شيخ الأزهر أحد الفصول وبالتحديد في الصف الثاني الإعدادي للمعهد وكاد الأمر يمر بلا مشاكل لولا أن الشيخ رأى تلميذة في الحادية عشرة من عمرها تدعى «آلاء» ترتدي النقاب الذي يغطي وجهها تماما، وهنا انفجر الشيخ في وجهها قائلا: «النقاب عادة وليس عبادة وأنت في فصل كله بنات ونساء فلماذا ترتدين النقاب؟ اخلعي هذا النقاب ولا ترتديه طوال حياتك، ولم تجد الطفلة أمامها سوى الامتثال للشيخ فخلعت نقابها، لكن الشيخ أبى إلا أن يواصل هجومه عليها قائلا: «امال لو كنت جميلة شوية كنت عملت إيه؟» فقالت الفتاة:»أنا أضع النقاب حتى لا يراني الرجال، فقال الشيخ: «أنا أفهم في الدين أحسن منك ومن اللي خلفوكي». تطاير الشرر بعد هذه الواقعة واندلعت النار في كل مكان خاصة عندما واصل شيخ الأزهر حملته واصدر قرارا فوريا بعد زيارته لمعهد الفتيات بمنع ارتداء النقاب في معاهد الفتيات والفصول الدراسية بالأزهر، ودخل على الخط الدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم واحيا قرارا قديما صدر منذ عشرات السنين بمنع ارتداء النقاب في معاهد التعليم. وانضم الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي إلى الكوكبة الرافضة للنقاب ومنع ارتدائه تماما في المدن الجامعية بل أنه أصدر أمرا بطرد المنتقبات من المدن الجامعية للطالبات، وقال مبررا ذلك بأن هناك جرائم بشعة ترتكب تحت النقاب وقد تم ضبط 15 رجلا منتقبا تسللوا إلى مدن الطالبات لإقامة علاقات مع فتيات بعضهن منتقبات أيضا. أطراف القضية انقسم الناس في معركة النقاب إلى فريقين أحدهما فريق الثورة العارمة ضد النقاب والآخر فريق أنصار النقاب ومواقف الفريقين معروفة ومتوقعة سلفا. فأعداء النقاب اعتبروا شيخ الأزهر قائدهم الأعلى وهللوا له كثيرا وهم من أصوات الحكومة والمجلس القومي للمرأة وكثير من الإعلاميين المحسوبين على ما يسمى «تيار التنوير»، وهذا الفريق هو نفسه الذي استبسل في الدفاع عن فاروق حسني وزير الثقافة في معركته الشهيرة مع الحجاب وهي المعركة التي اتخذت نفس الزخم عندما اتهم وزير الثقافة من ترتدي الحجاب بالتخلف والردة. أما الفريق المناصر للنقاب فقد قادته جماعة الإخوان المسلمين ومن يتعاطفون معها في الحقل الإعلامي، وقد شن هذا الفريق هجوما ضاريا على شيخ الأزهر وتقدم د. حمدي حسن نائب الإخوان في البرلمان المصري بسؤال عاجل لرئيس الوزراء المصري د. أحمد نظيف باعتباره وزير شؤون الأزهر وطالب بعزل شيخ الأزهر أو على الأقل منعه من الإدلاء بتصريحات إعلامية وتعيين متحدث رسمي للمشيخة. وقال في سؤاله إن الشيخ طنطاوي أساء لمنصب شيخ الأزهر وكثرت سقطاته وزلات لسانه، وترك قضايا الأمة المصيرية مثل المسجد الأقصى والهجمة الصهيونية الغاشمة على القدس وعلى الشعب الفلسطيني وراح يفتعل معركة مع طفلة حول النقاب ولم نسمع منه كلمة إدانة واحدة للجرائم الصهيونية بينما استخدم منتهى العنف في إدانة طفلة ترتدي النقاب. وقالت المستشارة نهى الزيني المحسوبة على جماعة الإخوان إن شيخ الأزهر متواطئ وأساء كثيرا إلى الموقع الجليل ولا ينبغي السكوت عن تجاوزاته وزلات لسانه. ولقي موقف شيخ الأزهر تأييداً واسعاً من علماء المجلسين الأعلى للأزهر ومجمع البحوث الإسلامية. وقال الدكتور عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية إن النقاب ليس فرضا ولا سنة وإنما يعتمد على روايات ضعيفة لا يعتد بها وهو مجرد عادة. والزي الشرعي للمرأة ينبغي أن يستر جميع جسدها عدا الوجه والكفين مما يعني أن وجه المرأة ليس بعورة. وقال الدكتور بيومي إن موقف شيخ الأزهر من النقاب يعكس موقف علماء الأزهر، والجميع يؤيدون إصدار قرار بمنع ارتدائه في المعاهد الأزهرية. تجريم النقاب أيدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، قرار منع ارتداء النقاب في المعاهد، وذهبت إلى أبعد من ذلك حين طالبت بسن قانون عام يجرم ارتداء النقاب للحفاظ على سلامة وأمن المجتمع إذ إن هناك جرائم بشعة يرتكبها الأشرار المتخفون في النقاب، مؤكدة أن النقاب موروث من العهد التوراتي القديم وجاء الإسلام فلم يرفضه ولم يفرضه. واللافت، أن منظمات حقوقية كثيرة في مصر تضم هؤلاء الذين يطالبون بفصل الدين عن الدولة وقفت بقوة إلى جانب المنتقبات ليس على أساس ديني ولكن على أساس إعلاء الحرية الشخصية وانه ليس من حق أحد التدخل في أمر الزي. أو فرض ارتداء أو خلع زي ما. وأكدت هذه الجماعات أن صدور أي قانون أو قرار يمنع أو يجرم ارتداء النقاب يواجه «عدم الدستورية» ويتناقض تماما مع مواد الدستور المصري. ودافعت هذه الجماعات عن التلميذة «آلاء» وأكدت مساندتها التامة لها إذا لجأت لمقاضاة شيخ الأزهر بتهمة السب والقذف. وهناك صوت مفاجئ خرج من السفيرة مشيرة خطاب وزيرة الاسرة والسكان حيث بدت في غاية الهدوء وهي تعلق على معركة النقاب وقالت ان منع ارتداء النقاب لا ينبغي ان يكون بقرار او قانون وانما يجب ان يكون بالاقناع والحوار لان الزي حرية شخصية للمرأة والرجل معا.. والسفيرة مشيرة خطاب غير منتقبة ولا محجبة ومع ذلك كانت اكثر اعتدالا من داعية اسلامية مثل الدكتورة آمنة نصير التي طالبت بقانون لتجريم ارتداء النقاب. وقالت السفيرة مشيرة خطاب إنها لا تجادل في أمر النقاب من الناحية الشرعية وهل هو فرض أم عادة فذلك أمر يحسمه العلماء أو حسموه فعلا بأن النقاب لا علاقة له بالعبادة، لكنها ضد فرض زي معين أو الأمر بخلعه من خلال القوانين والقرارات. ومعركة النقاب كانت تدور على استحياء بين الحين والآخر لكنها لم تتخذ هذا المنحى الساخن إلا عندما أصبح شيخ الازهر مقاتلا في جيش المحاربين ضد النقاب، وكانت للدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة المصري جولة سابقة في المعركة مع النقاب عندما زار أحد المستشفيات قبل عامين ورأى عددا كبيرا من الممرضات والطبيبات المنتقبات فأمر بمنع ارتداء الممرضة او الطبيبة للنقاب في المستشفيات الحكومية، لكن قراره هذا سرعان ما تآكل وبقي النقاب على حاله في المستشفيات. ممارسات قبيحة حظي موقف شيخ الأزهر من ارتداء النقاب بدعم حكومي لا محدود ويقال إن موقف الشيخ طنطاوي ساعد الوزراء والمسؤولين الصامتين على الظاهرة للخروج عن صمتهم والإسراع بملاحقة المنتقبات في كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية. بل والخاصة أيضا بعد أن رفع الشيخ الحرج عنهم ودخل الحرب ضد النقاب بنفسه، ومعه الدكتور علي جمعة مفتي مصر الذي بدا متحمسا لموقف شيخ الأزهر وأكد أن النقاب ليس من الدين في شيء إلا أن الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر بدا أكثر تحفظا حين قال إن النقاب مباح لكن الحجاب فريضة. وتولى شيخ الازهر مسألة تبرير قراره بمنع النقاب في الفصول الدراسية للبنات وفي المدن الجامعية للبنات قائلا: «سمعنا بأفعال وممارسات قبيحة وأن رجالا دخلوا مدن الطالبات بالنقاب وأبلغنا الأمن للقبض عليهم، لذلك أصدرنا قرار منع النقاب حفاظا على كرامة الطالبات، ومع ذلك فإن الشيخ اعترف بأن دخول الرجال الى المدن الجامعية للبنات ليس ظاهرة وإنما هي حالة واحدة وتم إحباطها ولم تتكرر». ويقول الدكتور أحمد محمود كريمة، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن شيخ الأزهر استخدم حقه الشرعي في التأديب والتهذيب خاصة أن رد فعل التلميذة «آلاء» ومدرستها على الشيخ كان غريبا. وأكد أن النقاب يدخل في الفكر التراثي بباب العادات لا العبادات فهو ليس سنة تتبع ولا بدعة تجتنب. وذهب الدكتور حلمي عبدالرؤوف، استاذ الفقه بجامعة الأزهر، إلى أن النقاب مكرمة للمرأة فإذا انتقبت فإن ذلك أمر جيد واذا لم تنتقب فلا إثم عليها ولا جناح لكن الافضل للمرأة ان تنتقب. وأكد الشيخ عبدالحميد الأطرش، الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر، أن النقاب فضيلة وليس فريضة لأن الفريضة في الحجاب. وبدا الدكتور عبدالفتاح ادريس، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، في موقف المدافع عن النقاب. وأكد أن الفقهاء اتفقوا على أن النقاب للمرأة مشروع سواء كان موجودا قبل الإسلام أو بعد ظهوره. واختلف الفقهاء في حدود المشروعية فجمهور الفقهاء أجمعوا على أنه سنة وذهب فريق من الفقهاء منهم أحمد بن حنبل وعبدالله بن مسعود إلى أنه فرض، ومذهب الجمهور أن وجه المرأة ليس من عورتها وفي حال ما إذا خيفت الفتنة من وجه المرأة عند النظر اليها وخصوصا الشابات فإنه يجب عليهن ستر الوجه. النقاب فريضة قال الدكتور عبدالفتاح ادريس الذي وقف وحده في جانب القول بفرضية النقاب إن هناك أدلة كثيرة على هذه الفرضية ومن ذلك قوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين» الآية 59 من سورة الأحزاب. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:»لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين». وهذا الحديث يدل بمفهوم المخالفة على أن المرأة غير المحرمة يشرع في حقها النقاب. كما أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أقر النساء المؤمنات وامهات المؤمنين المنتقبات على النقاب وهو لا يقر مكروها ولا محرما، وهذا يؤكد فرضية النقاب. وبدت المنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية متحمسة للحرية الشخصية خصوصا فيما يتعلق بالزي لكن هناك آراء تؤيد منع النقاب بوصفه عودة بالمرأة إلى عصور التخلف على حد قولهم. أما الدكتورة هدي بدران، رئيس رابطة المرأة العربية، فرأت أن ما أثير من جدل فاق كل تصور خاصة ان المرأة العربية تعاني التمييز في مجالات عديدة بينما نرى هذه الحملة الغريبة التي يتخفى أصحابها وراء النقاب بهدف إعادة المرأة الى عصور الجاهلية والظلام والتي لا يرى اصحابها في المرأة إلا جسداً يجب اخفاؤه حتى تنسى المرأة انها صاحبة عقل وإرادة والغريب انه حتى بعد تصريحات وقرارات شيخ الأزهر د.محمد سيد طنطاوي يتجرأ أصحاب الدعاوى الرجعية على مخالفته الرأي وهو صاحب المقام والعلم. ودعت إلى وضع حد لهذا الجدل باعتباره يفتح الباب للتيارات السلفية ويعيد المرأة الى الخلف ويعزلها عن ممارسة حياتها بشكل ايجابي ويجعلها ترتعش وهي تتعامل مع كافة مؤسسات المجتمع.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©