الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا والأبعاد السياسية لحظر «النقاب»

8 يونيو 2010 21:43
يحتدم في أوروبا في الوقت الراهن، سباق لحظر ارتداء غطاء الوجه (النقاب) تحتل فرنسا موقع الصدارة فيه. ففي التاسع عشر من مايو الماضي، وافق مجلس الوزراء الفرنسي على تشريع يحظر على النساء المسلمات في فرنسا ارتداء النقاب الذي يغطي الشعر والوجه بالكامل، في الأماكن العامة. ومن المعروف أن فرنسا، التي تعيش فيها أكبر جالية إسلامية في أوروبا، تسير في هذا الاتجاه منذ فترة من الوقت. ففي عام 2004، على سبيل المثال، حظرت الحكومة الفرنسية على الطالبات والمدرسات والإداريات في المدارس الفرنسية ارتداء الحجاب. وكان السبب المنطقي الذي ساقته الحكومة لتبرير قرارها في ذلك الوقت هو الحفاظ على العلمانية الفرنسية، أما السبب الذي يسوقه ساركوزي في الوقت الراهن لحظر النقاب فهو أن هذا الحظر يحمي المرأة من"الخضوع الذليل ويحافظ على كرامتها". مع ذلك، يرى الكثيرون أن منع المرأة من ارتداء الحجاب أو النقاب، يتعدى على حقوقها، بنفس القدر الذي تتعدى به النواهي القمعية التي تفرض عليها ارتداءهما، على تلك الحقوق. وتبين السوابق الماضية، أن معظم النساء المسلمات يرتدين الحجاب والنقاب كخيار شخصي، بدليل أنه عندما فُرض على المدرسات المسلمات خلع غطاء الرأس (الحجاب) في بعض الولايات الألمانية، فإن هؤلاء المدرسات آثرن الاستقالة، على الامتثال لهذا الأمر. ومن ضمن الأسباب القوية التي يقدمها هؤلاء الذين يحبذون فرض حظر على ارتداء الحجاب والنقاب، في أوروبا أن هؤلاء النسوة اللائي اخترن ارتداءهما، بعد هجرتهن إلى بلاد غربية، لم يندمجن في مجتمعات تلك البلاد بالصورة الكافية كي يدركن، كما يقول"إريك بيسون" وزير الهجرة الفرنسي المتعصب"أن الحجاب والنقاب غير مقبولين ويتناقضان مع مبادئ الهوية الوطنية، والمساواة بين الجنسين، والأسس التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية ذاتها". في الوقت نفسه تنص المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن:"لكل إنسان الحق في التمتع بحرية التفكير، وحرية الضمير، وحرية اختيار الدين والالتزام بتعاليمه، وممارساته، وعباداته، وشعائره". تعني تلك المادة أن ارتداء الحجاب والنقاب جزء من الحريات الدينية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، وهو ما يلفت النظر بالتالي إلى مفارقة واضحة، وهي أن فرنسا التي تدعي أنها تسعى لتحرير المرأة من قمع إسلامي متخيل، قد اضطرت وهي تفعل ذلك، إلى مخالفة الإعلان الدولي لحقوق الإنسان. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن القرار الفرنسي سوف يؤثر فقط على 2000 مواطنة فرنسية من إجمالي عدد سكان فرنسا البالغ 62.3 مليون نسمة، فسوف ندرك أن هذا الحظر رمزي أكثر مما هو واقعي. وهو ما يطرح بدوره سؤالا آخر: لماذا لا تستطيع فرنسا التسامح مع ارتداء الحجاب والنقاب؟ من ضمن الإجابات أن مقاومة الرموز العلنية للعقيدة الإسلامية، يدل في جوهره على استعداد متنامٍ في فرنسا للقبول بالتيارات المتطرفة المناوئة للمهاجرين والتي كان يمثلها"جان ماري لوبان" وحزب "الجبهة الوطنية" الذي قدم عام 1995 اقتراحا يدعو إلى ترحيل ما يقرب من 3 ملايين مهاجر لبلدانهم الأصلية. وهناك إجابات أخرى منها أن فرنسا تخشى من أن يؤدي ارتداء الحجاب والنقاب إلى زيادة احتمالات حدوث صدام ثقافي وديني في المجتمع الفرنسي، يمكن أن يتطور فيما بعد إلى صراعات دموية. هذه الإجابة مردود عليها بأن حظر الحجاب والنقاب كفيل بمفاقمة تلك الخلافات وليس تخفيفها. ذلك لأن الصراع والعنف يحدثان في معظم الأحيان على خطوط انقسام سياسية واقتصادية، وبالتالي فليس من الحتمي أن يحدث صراع بين"الغرب" كله والإسلام "إذا ما عولج هذا الموضوع وغيره من الموضوعات الحساسة، من خلال مقاربات سياسية صائبة. وفي الحقيقة، أن الحظر الذي فرضته فرنسا على الحجاب والنقاب هو مثال من الأمثلة الأولية المهمة، على الكيفية التي يمكن بها تأجيج الصراعات وتصعيدها. ففي يوليو من عام 2009 وعندما بدأت فرنسا حملة للترويج لحظر مستقبلي على ارتداء النقاب، كان رد فعل جماعة "القاعدة في بلاد المغرب العربي"، هو نشر تهديدات بالقيام بعمليات عنف ضد فرنسا، على مواقع المتطرفين الإسلاميين على شبكة الإنترنت. في الوقت الذي تنظر فيه كل من كندا، وبلجيكا، وهولندا، وسويسرا، وإيطاليا، في إمكانية تفعيل تشريع مشابه للتعريف الفرنسي تقول "جوديث ساندرلاند" من منظمة "هيومان رايتس ووتش"، إن التحدي العملي الوحيد الذي يمثله ارتداء النقاب، هو تحد يتعلق فقط بالإجراءات الأمنية، مثل استخراج بطاقات الهوية الحكومية، واستكمال إجراءات المغادرة والدخول في المطارات، وغير ذلك من الحالات التي تتطلب أن يقوم الشخص المعني بتعريف نفسه للسلطات الرسمية، وأن الحل لكل ذلك بسيط للغاية، من وجهة نظرها، ويتمثل في توفير غرفة خالية في الأماكن التي تجرى فيها مثل تلك الإجراءات، لكي يتاح للنساء المسلمات فيها نزع النقاب وتعريف السلطات بشخصياتهن. ويشار إلى أن حالات حظر ارتداء الحجاب والنقاب في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تمثل حتى الآن -في مجموعها - استجابات عاطفية تعكس سيادة حالة من عدم التسامح الثقافي والديني في تلك البلاد. ومن المقرر أن يعرض التشريع المقترح بحظر ارتداء النقاب على البرلمان الفرنسي للتصويت عليه وإقراره في يوليو المقبل. وعلى الرغم من أن ذلك لن يكون له سوى تأثير تنظيمي محدود حيث أنه يؤثر على شريحة صغيرة من المواطنين الفرنسيين فقط، فإن التداعيات التي ستترتب عليه عالمياً، خصوصاً فيما يتعلق بانتهاكه لمبادئ الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، قد تكون واسعة النطاق، مما يستلزم من تلك الحكومة المزيد من الفحص والتدقيق. تارانه غاجار جارفين - البرتغال ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©