الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الملك المتيّم والفارسية الجميلة و«بالزاراد» الراوي

الملك المتيّم والفارسية الجميلة و«بالزاراد» الراوي
5 ابريل 2012
يعتبر الكاتب النيكاراجوي روبين داريو Ruben Dario رائد الحداثة في أميركا اللاتينية، لأنه رغم مولده في نيكاراجوا عام 1867، فقد تنقل وعاش في معظم دول أميركا اللاتينية ولعب دورا ثقافيا مهما بها، وكان بحق الأب الروحي لحركة الحداثة “الموديرنيزمو”El Modernismo، التي كان كتابه “أزرق” الصادر عام 1888 إنجيلها ونموذجها الأدبي الرائع، وبفضل كتاباته وتأثيراتها انتقل هذا الأدب مع نهايات القرن التاسع عشر من “أدب الهامش” بالنسبة للآداب المكتوبة باللغة الأسبانية التي كان مركزها مدريد، ليكون أدب المركز المكتوب في تلك اللغة هو اميركا اللاتينية نفسها، و”أزرق” حوى مجموعة من النصوص الشعرية والنثرية يعتبرها النقاد ومؤرخو الأدب نقطة تحول مهمة في تاريخ الآداب المكتوبة باللغة الأسبانية، ليس فقط في أميركا اللاتينية بل وانعكس تأثيره على الأدب المكتوب في “أسبانيا” نفسها. هنا مختارات من أعمال روبين داريو الشعرية: شعر: روبين داريو ترجمة: د. طلعت شاهين رأس الراوي الشرقي هل تريدين أن أحكي لك حكايات، يا طفلتي الجميلة؟ لدي الكثير لأحكيه: حكاية عن عروس البحر، عن عصفور ونجمة، عن وصيفة بريئة سرقت ساحرها، عن عايق مغنٍ جوال وعن جارية عربية بجيد من لؤلؤ “البصرة”، وشال من “لاهور”. حكايات حلوة، وحكايات قوية، عن سيدات وفرسان، عن مطربين ومحاربين، عن سادة وعبيد، عن غابات اسكندنافية، وقصور من البللور، حكايات عن سحر خالد، حكايات حب إلهي، تتزيا ألوانا زاهية من سحر الشرق. قولي لي، أيها تحبين؟ يقول أناس وقورون إن الحكايات الشرقية تحبها النساء، نعم، إذن أنت تفضلينها، سأُرضي تشوقك وأنا أعرف حكاية إسلامية تتحدث شعراً عن عاشق، حكاها لي فارسي جاء من أصفهان. يقال أن مَلِكاً شرقياً كبيراً كان مصاباً بداء القلب جمع على الفور حكماء أمته، وقال كل منهم رأيه، لم يعثروا على حقيقة واحدة، فقرروا طلب مشورة منجم شيخ من بغداد. ارتحل الشيخ، ما أن وصل حتى استطلع النجوم، وعرف منها علة الملك. وكخبير محنك، تنبأ بسر الملك، وأمام دهشة الحاشية قال للملك: أيها الملك أنت عاشق مُتيم. بعدها، أصدر صاحب الجلالة أوامره الملكية، وطلب إحضار كل جميلات المملكة، واستعرضهن أمام حكيم بغداد ليرى أيهن الأصلح لعلاج الداء. كانت هناك عيون سوداء تفيض بالحياة، وشفاه تقتل من ينظر إليها، خلفها صفوف من اللؤلؤ تنام في أحضان من مرجان، وجوه تموج بالحياة، سطوع رذاذ مطر، وشعر أشقر ذهبي، كان هناك الخدر والخجل، تختلط وجوه وصيفات “سيرقاسيا” بوجوه زنجيات النوبة. جميلات مزينات بأكاليل على الجباه، بأقراط حلوة، وأقراط ثمينة، وأخريات بحرير ثمين يخفي خجلها، وأخريات ببشرة مرمرية، وجباه خجلة وصامتة، كلهن عاريات تماماً تغرق من ينظر في ضيائهن. أمام هذا المشهد الرائع شاهد الملك فارسية جميلة، بعينين رقيقتين وبشرة صقيلة، غضت طرفها، وغزت روح الملك بجمالها الأخّاذ، كانت ترتعش، والرعب يملؤها، عندما شاهدت السيد المبجل، يقول لها: ستكونين زوجة لي. وهكذا كان، الفتاة الجميلة ذات البشرة البيضاء والعيون السود، اكتملت بها الرغبة الملكية، وتزوجها الملك. تسألين إن كانت سعيدة؟ لا، الأمر ليس كذلك: لم تكن سعيدة كملكة هناك، فالفارسية الجميلة كانت عاشقة لـ”بالزاراد” الراوي. كانت لـ”بالزاراد” في الحقيقة حنجرة من رباب، رباب حلو يسحر، وعندما يغني “بالزاراد”، يزداد النهار جمالاً، وسمعت هي الراوي يغني، ومن شفتيه الياقوتيتين تنبع تنهيدة مرتعشة، وكان “بالزاراد” المعشوق للحورية السماوية. لذلك فهي حزينة جداً، رغم أنها زوجة الملك، تمضي اليوم متأوهة من صراع داخلي، ويكاد الملك ينفجر، وقال لها ذلك مرة: أيتها المليئة المزدوجة، أنتِ تعشقين آخر، وبدا في وجهها الذبول. نعم، قالت له، إنها الحقيقة، وقدري هو حاكمي: أيها الملك، أنا لا أستطيع أن أحبك، لأني أعشق “بالزاراد”. غرق الملك في غضبه، وأدار لها ظهره، وعيناه تقدحان بالشرر، والكراهية لمحبوبته، وفكر في الانتقام. في اليوم التالي تلقت الجميلة من الملك صندوقاً بزخارف رائعة، فتحته مستطلعة، وأطلقت من أعماقها صرخة. كان في الصندوق رأس الراوي غارقاً في دمائه. بين كل هذا الجنون، وفي مصيرها الفاجع، سقطت ميتة. ذهب الملك بحثاً عن الجميلة: كانت الفاتنة هناك، باردة ومرعبة، نصف عارية وميتة، تُقبِلُ رأس “بالزاراد” المرعب. وقف الملك مفكراً فيما فعلته العاطفة العمياء، وبعدها، عاد الملك إلى علته. تناسخ أنا كنت جنديا نام في عرش كليوباترا الملكة، بياضها ونظرتها الكونية الجبارة كان هذا كل شيء. يا لها من نظرة، يا له من بياض، وذلك العرش الذي كان البياض فيه مشعا، آه أيتها الوردة المرمرية الجبارة، كان هذا كل شيء. أنّت فقراتها بين ذراعي، وأنا المولى، لقد أنسيتها انطونيو (آه أيها العرش والنظرة والبياض) كان هذا كل شيء. أنا، روفو جالو، كنت جنديًا ودمي الغالي، لقد منحتني البقرة الصغيرة لحظة من رغبتها القوية، كان هذا كل شيء. لماذا لم تتقصف ساعتها أطراف أصابعي البرونزية في مداعبة عنقها ذي البياض الملكي؟ كان هذا كل شيء. حملوني إلى مصر، في عنقي السلاسل، أكلتني يوما الكلاب، وكان اسمي روفو جالو، كان هذا كل شيء. النشيد الشارد ارتحل المغني في كل أرجاء العالم مبتسماً ومكفهراً. ارتحل المغني على الأرض مرتدياً بياض السلام وأحمر الحرب. مرتحلاً على ظهر فيل عبر الهند الممتدة المدهشـة. مرتدياً البياض والحرير الرقيق عبر قلب الصين. بالسيارة عبر “لوتيثيا”، وفي جندول أسود عبر “فينسيا”. عبر السهول والهضاب، عبر الموانئ الأميركية. وفي النهر ارتحل بالقوارب، ورؤيا على المقدمة. على كرسي عبر البحر الواسع، وفي عربة قطار نوم. المخدر بالصحراء قارب حـي، يأخذه إلى المينـاء. ويقفز على القطار السريع في بياض الأرض البور. أو في صمت الزجاج الذي يعشّقُ الفجرَ الشمالي. يرتحل المغني في الحقول، بين المزارع والمواشي. ويدخل لندن في قطار، ويدخل على حمل إلى أورشليم. بالحيلة والشرور، يرتحل المغني بين البشرية. ويطير النشيد مع أجنحته: تناغما وخلوداً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©