السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نصر الله: الفيلم يرصد منظومة قيم ذكورية

17 أكتوبر 2009 00:53
قد تكون هي المرة الأولى التي يتخلى فيها المخرج المصري يسري نصر الله في فيلمه الجديد «احكي يا شهرزاد» عن الكثير من نزعته «الأرستقراطية السينمائية» أو اللغة الرمزية التي يسوقها في رسائل سينمائية محددة من خلال شخصيات لها أبعادها وتعقيداتها الدفينة. وقدم شخصيات تحررت من قيود المكان والزمان، فضلاً عن تأملاته الذهنية التي يفرضها السياق السينمائي، كما لم يتناس تقديم عدة رسائل ذات مغزى سياسي، وأحياناً في سياق أحداث اجتماعية يومية، وهو ما يميز أعماله الفنية الرفيعة، ويجعل أفلامه قابلة للتفسيرات والتأويلات المتعددة. ولعل الظاهرة اللافتة تتمثل في تخلي نصر الله عن أسلوبه السينمائي المميز الذي يمنح للتكوين والحركة والمونتاج اهتماماً كبيراً، ويعتمد على حركة الممثلين داخل الديكور، وهي جانب يميز السحر الخاص الكامن في أسلوب يسري نصر الله السينمائي، أي القدرة على التحكم في الأداء، والسيطرة على الممثلين، خصوصاً مع تعدد الشخصيات والممثلات، فضلاً عن السيناريو الرائع لوحيد حامد، والرسائل التي ساقها على لسان الشخصيات في مواقف وهموم يومية وبشكل مباشر وصريح. الفيلم يتناول بجرأة نظرة المجتمع المصري والعربي للمرأة بشكل عام من خلال «حكايات الشباب» مع الفتيات في شكل أقرب لحكايات «ألف ليلة وليلة»، والشخصية المحورية فيه مذيعة تلفزيونية متهمة بإثارة قضايا المرأة بجرأة «منى زكي» التي يشب بينها وبين زوجها خلافات كثيرة بسبب القضايا التي تطرحها، ويتدخل زوجها في عملها ويطالبها بتغيير نوع الموضوعات التي تقدمها؛ لأنها تزعجه في عمله مما يجعلها تحاول إرضاءه إلا أنها تفشل في أن تقدم نوعاً مختلفاً من الموضوعات التي تحتاج إلى تحقيقات واختيار موضوعات معينة بعناية تامة فتحدث العديد من الاختلافات بينهما. الفيلم يبدو أقرب في أسلوب بنائه إلى المسلسل أو المسرحية التي تعتمد على عدة فصول أو «اسكتشات» منفصلة، مقصود منها عرض إشكالية العلاقة بين المرأة والرجل في المجتمع المصري أو في المجتمعات «المتخلفة»عموماً. ويحاول من خلال السيناريو أن يربط بشكل قسري بين كل ما نشاهده من قصص تستعرض تجارب متنوعة ومتباينة لعدد من النساء في علاقتهن بالرجال، وذلك من خلال شخصية مقدمة البرنامج التلفزيوني»منى زكي»، التي تندفع بحكم تأزم علاقتها مع زوجها الصحفي الانتهازي الوصولي، إلى الكشف عن مزيد من جوانب العلاقة المعقدة القمعية من جانب الرجل ضد المرأة. وتبدو الصلة الدرامية ضعيفة إذا ما حللناها من زاوية واقعيتها، فقد تثار الكثير من التساؤلات حول صدقية تلك القوة «الأسطورية» لمذيعة تلفزيون في مجتمع استبدادي، «كما يقر الفيلم نفسه في أكثر من موضع»، يمكنه أن يسحقها بكل بساطة دون أي حاجة إلى «اللف والدوران»، والتخفي وراء لعبة الضغط على زوجها لكي «يهدئ» من روعها أو «يلجمها» بمعنى أدق، وهو المعنى الذي يشير به المسؤول إلى الزوج في حوار مباشر في الفيلم. أما الزوج نفسه، فلا يقل صدقية عن نموذج الزوجة، فالطريق إلى الصعود في الصحافة يمر عبر الكثير من طرق التسلق والتملق والوصولية والانتهازية، بعيداً عن مقومات الكفاءة المهنية، وهو ما يتفق ونسيج الحياة الفاسدة من حوله. معادلة صعبة الفنانة الشابة الواعدة رحاب الجمل لفتت انتباه النقاد والجمهور من خلال أدائها الرائع والمتقن لدور «صفاء»، وقالت: «إن الفيلم يحقق معادلة صعبة في الجمع بين فكري المبدع وحيد حامد ورصده للواقع وكتاباته التي تحقق إقبالاً جماهيرياً كبيراً، والمخرج الرائع يسري نصر الله وأعماله القوية التي تناسب المهرجانات العالمية، ومن خلال اختلاط الفكرين رأينا معادلة صعبة تحقق الجانبين معاً، إلى جانب الضلع الثالث المنتج كامل أبو علي الذي أعادنا إلى زمن رمسيس نجيب ومساهماته في اكتشاف الوجوه الجديدة وتشجيعها ودعمها نحو النجومية. ولقد كانت فرصة كبيرة لي أن ألعب دور «صفاء» التي عاشت تحلم كأي فتاة مصرية بالزواج والستر في مجتمع مغلق وبيئة شعبية محافظة، وواجهت أعباء الحياة ومسؤولية إعالة شقيقتيها وإدارة محل «البويات» بعد وفاة والدها، عانت شبح «العنوسة» وقادتها رغبات الأنثى الموجودة بداخلها، ولم تستطع أن تحقق حلمها فارتبطت عن طريق زواج «الهبة» بشاب يعمل في المحل «محمد رمضان» واكتشفت أنه على علاقة غير شرعية مع شقيقتيها فقررت الانتقام منه وقتلته في مشهد يعد من أفضل مشاهد الفيلم، لدرجة أنها استطاعت أن تكسب تعاطف الجمهور معها وبكى الكثيرون خلال عرض هذا المشهد في البرنامج التلفزيوني، واستطاعت أن تجسد مشاعرها كأنثى محبة ومعطاء حتى عندما تقرر الانتقام من الشاب الذي خانها. ظاهرة اجتماعية أما الفنان محمود حميدة الذي أدى دور الرجل الاستغلالي في الفيلم، فيقول: «الفيلم واحد من أهم الأفلام التي تعالج ظاهرة اجتماعية سائدة وهي اغتصاب الذكر حق الأنثى في المجتمع الإنساني كله دون استثناء، وأنا أحد الشخصيات الذكورية الذين يسعون إلى اغتصاب حق الأنثى في الحياة بشكل غير مشروع. والمخرج استطاع بقدرة إبداعية نافذة الوصول إلى قلب الموضوع وصياغته في لغة سينمائية رائعة، وفي بناء درامي عظيم ومؤسس على سيناريو رائع ومحبك للكاتب الشهير وحيد حامد». وتضيف الفنانة سوسن بدر: «يسعدني كثيراً أن أعمل مع هذه الكوكبة من النجوم ومع فريق العمل، ويسعدني كثيراً هذا الاستقبال الرائع للفيلم، وتضاعفت سعادتي عندما لمست إقبال الجمهور في أبوظبي على الفيلم، ورد فعل الجمهور الإيجابي، وآراء الناس والنقاد الذي أحاطنا بسعادة لا تقدر، ولعل الرسالة التي يحملها الفيلم في إدانته للقهر الذي يمارسه الرجل والمجتمع بكل أشكاله تكون قد وصلت الناس، وهذه هي رسالة السينما الجادة التي يعود بها الفيلم إلى الزمن الجميل». أكثر من مغزى من جانب آخر، يوجز المخرج يسري نصر الله رؤيته في الفيلم بالقول: «الفيلم رصد لمنظومة أخلاقية سائدة سببها الفكر الذكوري المتخلف، وهذه العقلية تقهر الرجل كما تقهر الأنثى؛ لأن الرجل نفسه سيتأثر بها، ولعل الجمهور «المتلقي» يكتشف من خلال مشاهدة الأحداث أن هذه العقلية الرجعية المتخلفة تخنق الحب والعلاقات الإنسانية وتقتلها، أما المغزى السياسي، فإن استبدال حب الناس، وحب القيم بحب السلطة والقهر، يخلق حالة من اللاأخلاقية، فإذا كانت المرأة في مصر تعول أكثر من 70% من الأسر، نجد هناك نموذج لزوج «يكبس» على أنفاس زوجته ليتسلق السلطة، وهذا نموذج موجود في كل مكان، واستهدفنا تسليط الضوء على هذه الإشكالية في الفيلم ونتمنى أن يحظى بإعجاب وإقبال الجمهور».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©