الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معضلة سجناء الحروب غير التقليدية

6 يونيو 2010 21:12
هناك عاملان رئيسيان يميزان الحربين الجاريتين في العراق وأفغانستان. أولهما صعوبة تمييز المقاتلين في صفوف المتمردين من غيرهم، وثانيهما خوض الولايات المتحدة لمعركة ضبابية الميادين وجبهات القتال. وهذا ما يضعنا أمام السؤال الصعب المحيّر: كيف لنا أن نتعامل مع سجناء هذا النوع من الحروب بالذات؟ فخلال الجزء الغالب من السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، زعمت إدارة بوش أنه ليس لأية سلطة قانونية أن تقيد صلاحية الجهاز التنفيذي، في التعامل مع أسرى الحرب المعلنة على الإرهاب، سواء كان المتهمون فيها مقاتلين أعداء أجانب، أم مواطنين أميركيين، وسواء وقعت الأعمال المنسوبة إليهم داخل أميركا أم خارجها، بصرف النظر عن مصدر تلك السلطة القانونية. وقد كانت ردة فعل الجماعات المدافعة عن الحقوق والحريات المدنية هي الدفع بزعم مضاد مفاده ضرورة أن ينطبق القانون الأميركي على جميع استخدامات سلطة الأمن القومي الأميركي. ومن الملاحظ أن هذه الجماعات تبنت منطق إدارة بوش نفسه، بعد أن قلبت مضمونه تماماً. ولكن لدى اختبار هذا المنطق الذي تبنته جماعات الحريات والحقوق المدنية أمام زعمها بضرورة توفر إجراءات قضائية كاملة في مناطق الحروب -على نحو المطالبة بحماية حقوق الأسرى في النظر في أسباب اعتقالهم، خاصة في قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان- فسينهار ذلك المنطق نظراً لافتقاره إلى السند القانوني وعدم واقعيته. فما الإجابة عن هذا السؤال المحيّر إذن؟ لعل من المفيد أن نبدأ الإجابة عن السؤال بالمبادئ الأولى الأساسية: إن الاعتقال هو موضوع أسر المقاتلين الأعداء في الحروب. ومن المعروف أن كل الجيوش التي تواجه عدوّاً عسكريّاً تسعى إلى الحد من القدرة القتالية لذلك العدو، بما في ذلك أسر أكبر عدد ممكن من مقاتليه. وليس موضوع هذا الأسر هو توقيع عقوبة أيّاً كانت بالمقاتلين الأعداء. وفيما عدا الحالات الاستثنائية التي ترتكب فيها جرائم تستحق العقاب، فإن قانون الحرب يمنع أصلاً تطبيق أية إجراءات عقابية على الأسرى. كما أنها ليست جنحة جنائية أن ينتمي أحد المقاتلين إلى الجانب الخاسر من المعركة أو الحرب. غير أن الأسر لا يعني أيضاً معبراً للعودة مجدداً إلى ميادين القتال. وفي الحروب التقليدية عادة ما يستمر أسر الجنود إلى حين نهاية الأعمال العدائية بين الطرفين المتقاتلين، أو في حال حدوث تبادل للأسرى بينهما. ويبرر الاعتقال بكون أحدهم مقاتلاً في صفوف العدو. وتنطبق هذه القاعدة على جميع الأفراد في الجانب الآخر من المعركة، بصرف النظر عن الوظيفة المحددة التي يؤديها الأسير، سواء كان طباخاً أم مقاتلاً في سلاح المدفعية. والمعيار الذي تبنى عليه هذه القاعدة ليس الجريمة التي يتهم بارتكابها الأسير من الطرف الآخر، وإنما كونه جزءاً من قوة عسكرية معادية. ولكن المعضلة التي نواجهها في العراق وأفغانستان هي أننا لا نخوض حروباً تقليدية هناك، ولا نواجه عدوّاً تقليديّاً في الوقت نفسه. ففي الحروب التقليدية عادة ما يتم تمييز الجنود الأعداء بزيهم العسكري وبأسلحتهم المشهورة المرخص لهم باستخدامها. كما أن تحديد رتبهم العسكرية وشاراتهم يساعد كثيراً في التمييز بين المدنيين والعسكريين. ويتطلب هذا التمييز في المقابل معاملة أسرى الحروب التقليدية باعتبارهم أسرى حرب. أما في العراق وأفغانستان، فأميركا تواجه مقاتلين غير شرعيين لا سبيل لتحديد هوياتهم العسكرية، ولابد من عزلهم عن المدنيين الأبرياء. وليس هناك ميدان محدد للمعارك التي تدور في هذه الحروب. وإذا ما تحدثنا عن تنظيم "القاعدة" مثلاً، فليست ثمة دولة يمكن التفاوض معها بشأن وضع حد نهائي للأعمال العدوانية. ويعني هذا عدم ملاءمة مفهوم استمرار اعتقال أسرى الحرب إلى حين انتهاء الأعمال العدائية لحقائق الواقع الميداني لهذا النوع من الحروب غير التقليدية مع خصوم غير دول. وفي ظل هذه الظروف فإنه يتعين علينا ابتكار إجراءات جديدة تهدف إلى تحقيق غرضين أساسيين: فلابد من وجود آلية قانونية لتحديد مسببات الاعتقـال بنـاءً على التحديد الصحيح والدقيق لوضعية المقاتل الأسير. كما لابد من ابتكار إجراءات جديدة يتم بموجبها تحديد مدى الحاجة لاستمرار اعتقال الأسرى. وفي ظل غياب الآليات القانونية التي يعول عليها في تحقيق هذين الغرضين، فإن من المتوقع أن تتصاعد الضغوط على المحاكم الأميركية لحثها على استخدام الأدوات العرفية مثل مراجعة أسباب الاعتقال وغيرها. ولكن ليس مستبعداً أن تؤدي هذه الضغوط إلى إثارة مطالب غير صحيحة مثل الدعوة إلى محاكمة جميع سجناء الحرب أمام المحاكم المدنية الجنائية، بعد أن يتم توسيع القوانين الجنائية المعمول بها حاليّاًَ. يجدر بالذكر أن الجيش الأميركي خطا خطوة حاسمة باتجاه ملء هذا الفراغ القانوني. وتتلخص هذه الخطوة في استحداث الجيش لما يسمى بـ"مجالس مراجعة أوضاع المعتقلين". ويكلف أي مجلس من هذه المجالس بمسؤولية تسريع مراجعة وضعية كل واحد من المقاتلين الأسرى على حدة. وبهذه الخطوة نكون قد تجاوزنا فشلنا القانوني السابق في التعامل مع أسرى هذه الحروب، إذ كانت الإجراءات تسمح باستمرار اعتقال المتهمين لسنين عديدة قبل التحقق من وضعية أحدهم باعتباره مقاتلاً فعليّاً. وستكون هذه الخطوة مفيدة للغاية في سد الثغرة القانونية التي أحاطت بأوضاع سجناء الحرب، غير أنها لا تغني عن مواصلة العمل الشاق الهادف إلى استحداث إجراءات أكثر اكتمالاً وموثوقية في التعامل مع الأسرى. صمويل إيزاكاروف أستاذ القانون الدستوري بجامعة نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©