الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«البردعي».. مهنة تلفظ أنفاسها الأخيرة في مصر

«البردعي».. مهنة تلفظ أنفاسها الأخيرة في مصر
14 ابريل 2014 21:41
محمد عبدالحميد (القاهرة) تلفظ مهنة «البردعي» في مصر أنفاسها الأخيرة، بعد أن هجرها الكثير من أبنائها ومن بقى منهم يعيش على ذكريات زمن العز، قبل انتشار السيارات والتوك توك عندما كانت فيه الخيل والبغال والحمير وسيلة النقل الأساسية، وكانت البردعة مظهراً من مظاهر ثراء الفرد ومكانته الاجتماعية. البردعة عبارة عن بطانة من القماش والقش والصوف توضع على ظهر الدابة ليتمكن الإنسان من ركوبها من دون عناء، ويطلق على صانع البردعة اسم البردعي، وهي مهنة في طريقها للانقراض في مصر بسبب تراجع الإقبال على احترافها نظرا لتراجع أهمية المنتج. تراجع مستمر تواجد «البردعي» بين المصريين الآن بات يقتصر على زاوية صغيرة في أسواق تجارة وبيع الحيوانات في قرى ومدن مصر لاسيما سوق الحمير بقرية البراجيل والجمال والخراف بإمبابة وبرقاش. ويعد شعبان جلال الدين (59 سنة)، أحد العاملين القلائل في تلك المهنة الآن، وهو يقول إن المهنة التي توارثها عن إبائه وأجداده وأعالت عائلته المؤلفة من سبعة أفراد لأكثر من 50 سنة تعيش أيامها الأخيرة، وقد تستغرق فترة الاحتضار سنوات، ولكنها بالتأكيد لن تعيش مثلما عاشت من قبل. ويؤكد «مهنتنا في تراجع مستمر، زمان وأنا صغير كان محل أبي لا يخلو يومياً من عشرات الزبائن ما بين بردعة لحمار وأخرى لحصان وثالثة لجمل، ولكن مع انتشار السيارات والدراجات قل الاعتماد على الدواب كوسيلة ركوب، ونقل البشر ومعها قل الرزق فهجر الكثيرون المهنة، التي بات العمل فيها يقتصر على ترميم البرادع القديمة، وأحيانا يأتي فلاح أو صاحب مزرعة يطلب بردعة كي يتمكن من ركوب حمار أو حصان في أثناء مروره لتفقد أرضه والانتقال لمسافة قصيرة بالقرب من بيته، كما إن هناك بعض العاملين في السياحة بنزلة السمان يستخدمونها في تزيين الحمير والأحصنة، التي تركبها زوار الأهرامات كنوع من الفلكلور». أدوات التصنيع حول الأدوات التي يستخدمها البرادعي، يقول جلال الدين «مهنتنا لا تحتاج إلى أدوات كثيرة قدر احتياجها إلى مهارة وصبر وإتقان والأدوات تتراوح بين مقص وإبرة كبيرة الحجم تسمى المسلة وأخرى أصغر منها، إلى جانب خيوط من صوف وقطن وكف صاج يستعمل في شد الإبرة، وتسهيل مرور الخيط وقت العمل، إلى جانب مطرقة خشبية تستخدم للدق على الحشو سواء كان قش الأرز أو ورق صفصاف لتثبيته في مكانه وأيضا لتنعيمه كي يصبح ليناً ومريحاً». وعن مراحل الصناعة، يوضح «تمر صناعة البردعة بعدة مراحل تبدأ بتشييد هيكل البردعة وفقا لحجم ظهر الحيوان، ومن ثم حشو الهيكل بقش الأرز، وهو الغالب وأحيانا يطلب الزبون حشواً خاصاً مثل الليف المستخرج من لحاء النخل أو ورق شجر الصفصاف، وبعدها ننتقل إلى مرحلة حياكة أجزاء البردعة بعضها ببعض، ثم اختيار الكسوة المناسبة، التي تغطيها وأخيراً التطريز والزخرفة، وتطعيم ظهر البردعة بخيوط الحرير والصوف، وعمل رسوم مختلفة بواسطة الإبرة والخيط لاسيما على جوانب البردعة، وكذلك تثبيت شراشيب متعددة الأشكال والألوان وكبسنة الإطار الجلدي، الذي يلفها من الأمام إلى الخلف ما لا يسمح بانزلاق البردعة في حال تعرق جسد الحمار، وسقوط الراكب من عليه ولذا كان الاهتمام ولايزال بمتانة البردعة كوسيلة أمان وراحة للراكب». لوازم التزيين يقول جلال الدين إن لوازم تزيين البردعة تختلف وفقا لرغبة الزبون؛ فهو من يدفع تكاليفها فهناك من يريد أن تكون الكسوة النهائية للبردعة من قماش الصوف أو الحرير، وآخر من جلد خروف أو ماعز فروته بحالة جيدة كي يكون مريحاً في أثناء الجلوس عليه، وهناك من كان يتفاخر بأن قماش البردعة الخاصة بحماره أو بحصانه من الحرير الطبيعي الخالص، فقد كانت أناقة البردعة دليلاً على ثراء ووجاهة صاحبها. ويشير جلال الدين إلى أن بعض الزبائن كان يلجأ إلى ترميم البردعة من حين لآخر كي لا يدفع ثمن الجديدة، ويوضح «الترميم كان يتراوح بين حياكة الممزق من الكسوة الخارجية أو حشو البطانة التي هبطت وتصلبت من كثرة الاستعمال، فنقوم بتغيير الحشو واستبداله بجديد يعيد لراكب البردعة الشعور بالراحة مرة أخرى»، لافتا إلى أن بردعة الحمار تتراوح في الطول ما بين 75 إلى 80 سم، بينما بردعة البغل وكذلك الحصان تزيد فتصل إلى 110 سم، وتكون لكل بردعة مقدمة تسمى القربوص، ومؤخرة تسمى القدح، وهي التي يتكئ عليها الراكب، إلى جانب لواحق البردعة مثل المربوط، وهو حزام يأتي أسفل الحمار لربط طرفي البردعة معا فلا تسقط على الأرض، وهناك أيضاً الصرع أو اللجام وهو حبل مصنوع من الليف أو الجلد يشد به الراكب رقبة الحيوان، ويقوم بتوجيهه من خلاله. عمل متواصل يشير جلال الدين إلى أن صنع البردعة يحتاج إلى عمل متواصل على مدار يومين وأحيانا ثلاثة أيام، لإتمام صنعها حيث تتطلب صناعة البردعة الصبر والمهارة فالصانع يصنع ويبدع في حشوها وفي تزيين الكسوة بالنقوش والرسوم المختلفة بإبرة خاصة وخيوط من صوف أو حرير تضفي على البردعة جمالا وتجلب للراكب احترام الناس، مؤكداً «الحرفة تسير بوتيرة سريعة نحو الانقراض إن لم نقل أنها بدأت تنقرض بالفعل خلال السنوات القليلة القادمة، لأنها لم تعد تجد من يرغب في تعلمها، كما إن شباب اليوم يرفضون تعلمها بحجة أنها مهنة زال وقتها ولا تدر أموالًا كثيرة، وما زاد الأمر سوءا هو انتشار التوك توك كوسيلة نقل في الريف المصري فحلت بدلا من الحمير والبغال». ويقول جلال الدين «زمان كانت هناك حرفية والدكان يعج بالزبائن من مناطق شتى وكانت مهنة المكاري مزدهرة والمكاري، هو رجل يسوق حماراً، ويقوم بنقل من يرغب من الناس على الحمار من محطة القطار إلى أي مكان في البلدة، مقابل قرش صاغ يومياً لم يكن الناس يعرفون التاكسي والسيارات والمهنة تحتاج لفن وإتقان ومهارة فأي خلل بها يتسبب في معاناة راكب الحمار أو الحصان فيشعر بآلام حادة في كل مرة يلجأ للركوب عليها، ولذا فقد كان البردعي الشاطر يحظى بسمعة كبيرة، ويحضر إليه الناس من مناطق بعيدة». ويقول «في ذلك الوقت كان تعلم هذه المهنة أفضل ما يمكن أن يختاره أب لابن لم يرغب في استكمال تعليمه بالمدارس، وفضل أن يتعلم حرفة البردعي فالمهنة كانت وقتها مزدهرة ومن يتقنها يجني مكاسب كبيرة تعيينه على تأسيس أسرة والوفاء باحتياجات بيته اليومية هذه كانت حالتنا قبل نحو 50 عاماً، كانت أعداد السيارات في مصر قليلة والطرق المرصوفة في كل قرية قليلة للغاية، وكان الاعتماد على الحمير والبغال هو الأنسب لمن يريد الانتقال من مكان لمكان».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©