هناء الحمادي (أبوظبي)
ما زالت طقوس الاحتفال بـ«حق الليلة» - ليلة النصف من شهر شعبان، يتوارثها الأجيال، فيتداعى الماضي في مخيلة الكبار وتعود بهم الذكريات إلى طفولتهم، وهم يستمعون إلى الأطفال وهم يرددون أغنيهم المفضلة: «عطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، أعطونا من مال الله، سلم لكم عبد الله». فما سبق هي صور جميلة تزدان بها الفرجان في كل مناطق الدولة، فرؤية الأطفال يجوبون «الفرجان» بثيابهم الملونة المطرزة، يطرقون أبواب المنازل لجمع الحلوى على وقع أغنيات وأهازيج شعبية، حيث يحمل الأطفال أكياساً خاصة مصنوعة من القماش وينشدون «عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم». يستعدون للطواف على البيوت التي لا يبخل أصحابها عليهم بشيء، يقدم الكبار لهؤلاء الصغار الحلويات والعصائر والمكسرات، حيث تعدّ هذه المناسبة من أشهر العادات الشعبية التي تتناقلها الأجيال من الآباء والأجداد، لكن في الوقت ذاته تتفن الكثير من صاحبات المشاريع في التنافس فيما بينهن بتقديم أجمل الأفكار للكثير من التوزيعات المخصصة لهذا اليوم، حيث تفوح من تلك التوزيعات حلويات الشوكليت والبرميت والزلابية و«المنفوش» بأشكال تراثية وعبارات تحمل فرحة هذه المناسبة.
هكذا يحتفل الأطفال
جميلة المشرخ، التي استعدت لهذه المناسبة منذ أسابيع، لم تغفل الاهتمام بكل تفاصيل توزيعات حق الليلة، فكل ما يخرج من أناملها تفوح منه رائحة الماضي والحلويات والتوزيعات، تقول: «يعد الاحتفال بحق الليلة، جزءاً من التراث الإماراتي الأصيل، الذي توارثته الأجيال، ويحرص الأطفال كل سنة على استحضاره بالطواف على البيوت «الفريج»، حاملين أكياساً خاصة مصنوعة من القماش، ينشدون أغاني الأجداد «عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم». وتضيف: «بالرغم من تطور المجتمعات، لا يزال هذا التقليد موجوداً في كل دول الخليج باختلاف المسميات وتوقيت الاحتفال، ما يساهم في تربية النشء على قيم حب الخير والتكافل، ويساهم في تعزيز الهوية الوطنية والثقافية والحفاظ على عادات وتقاليد الآباء والأجداد».
وحول التصاميم والتوزيعات التي أعدتها، تقول المشرخ إن كل من يتجول في حسابها في الإنستجرام «dolly_0175» يحتار كثيرا بالتوزيعات التراثية التي بلورتها في مناسبة حق الليلة، فهي تحمل الكثير من الأقمشة والتوزيعات التراثية بحجم الميني، تقول: «تطورت احتفالات حق الليلة عبر السنوات الماضية، واختلفت طرق الاستعداد وتوزيع الحلويات، فالكثير من الأسر أصبحت تقدم الحلويات في أكياس مزخرفة أو علب ملونة أو صناديق مزينة بالرسوم والألوان التراثية، فيما تلجأ عوائل أخرى إلى الأكياس التي تحمل صوراً لشخصيات كرتونية محببة لدى الأطفال، لاسيما أنهم يحتاجون إلى وسيلة حديثة لربطهم بالتراث والعادات القديمة، أما بالنسبة لتوزيعاتي فجاءت تراثية وذلك لزرع الفرحة والابتسامة في قلوب الصغار.
توزيعات تراثية
لكن طريقة هنيدة عباس علي، خريجة بكالوريوس إدارة أعمال في تصميم خريطة حق الليلة مختلفة، فهنيدة جمعت القديم بالحديث من حيث الأقمشة والحلويات. ووثقت في حسابها بالإنستجرام «fsdesign_parties» طريقتها الخاصة. تقول: «تواردت لدى الكثير من الأفكار وقد طبقتها على أرض الواقع من خلال التوزيعات التراثية التي تنوعت ما بين ميني المخنق الذي جاء بثلاثة ألوان، بالإضافة إلى حلويات أيام زمان مثل الشكليت والبسكويت الموز والزلابية والخنفروش». لم يتوقف الإبداع إلى هذا الحد بل استعانت هنيدة بطاسات المعدن والأكواب التراثية القديمة والمخدة، مؤكدة أن التراث الممزوج برائحة الماضي هي الفكرة الرئيسية التي عملت عليها، فمن خلال الاستعانة بالأواني الفخارية ذات الأحجام والأشكال المختلفة، مع إضافة بعض اللمسات الجمالية عليها، أبدعت نوعاً مميزاً من التوزيعات التراثية، وتضيف: «الأواني القديمة كانت هي الفكرة الأولى للاحتفال، مثل الأقمشة التراثية وأشرطة الزينة، تتابع «البقشة»، من الأقمشة القديمة، ومنها «بوتيلة»، «بوطيرة»، و«بو قليم»، وغيرها من أقمشة الزمن الجميل والملون، والتي استوحت مسمياتها من البيئة المحلية الإماراتية الغنية، مؤكدة أن بداخل هذه البقشة توضع الحلويات بشكل جميل».
مناسبة خاصة
من جانبها توضح نجلاء خميس (ربة بيت) توقيت احتفال الصغار بهذه المناسبة: «عادة ما تبدأ هذه المناسبة في الإمارات وعُمان من خلال التجول في الفريج بعد صلاة العصر مباشرة وحتى صلاة المغرب، وفي الكويت والبحرين وقطر والسعودية يحتفلون بها في النصف من رمضان احتفاءً بقدوم أيام العشر الأواخر المباركة من الشهر الكريم، وتبدأ بعد صلاة المغرب حتى منتصف الليل. وحين تهل هذه المناسبة تستعد الكثير من الأمهات بشراء أكياس خاصة بهذه المناسبة قد تكون متوافرة في الأسواق الشعبية أو المكتبات مزينة بصور محببة لشخصيات كرتونية بطريقة جميلة أو عبارات تحمل التهنئة بهذه المناسبة».
تسميات المناسبة
تقول بدرية الشامسي (دكتوراه في العلوم التراثية) عن مناسبة الاحتفال بـ«حق الليلة»: «تختلف التسميات بين دول الخليج مثل «حق الليلة» في دولة الإمارات، وموعدها ليلة 15 من شعبان، على عكس دول الخليج التي تحتفل بهذه المناسبة، ليلة 15 رمضان. ففي البحرين يسمى الاحتفال بـ«القرنقعوه»، ويسمى «القرقيعان» في الكويت والمملكة العربية السعودية، أما سلطنة عمان يسمى بـ«القرنقشوه».
وتضيف:«تختلف كلمات ولحن وتعبيرات هذه المناسبة من دولة لأخرى، ففي الإمارات يردد الأطفال ويقولون: «عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم»، أما في مملكة البحرين يرددون: «سلم ولدهم يالله وخله لأمه يالله، قرقيعان وقرقيعان بين قصير ورميضان، عادت عليكم صيام كل سنة وكل عام»، فيما يردد أطفال المملكة العربية السعودية: «قرقع قرقع قرقيعان، أم قصير ورمضان عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم لأهاليكم»، وأطفال سلطنة عُمان يرددون: «مرنقشوه يوناس عطونا شوية حلواي دوس دوس في المندوس..حارة حارة في السحارة».
عدد اليوم
