الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا وتحدي الإرهاب

18 يوليو 2016 22:11
تعهد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند تصعيد الحملات العسكرية في العراق وسوريا في خطاب ألقاه ليلة الخميس الماضي، بعد ساعات قليلة من حادث هجوم الرجل الإرهابي الذي دهس بشاحنته حشداً من الناس في مدينة نيس فقتل 84 منهم. وقال أولاند: «سنعمل على تعزيز عملياتنا في العراق وسوريا، وسنواصل ضرب أولئك الذين هاجمونا فوق تراب أرضنا وفي وطننا». وكان من الملاحظ ربطه بين ذلك الهجوم، وبين الغارات التي تنفذها القوات الجوية الفرنسية في العراق وسوريا على رغم عدم إعلان أي جماعة مسؤوليتها عنه. إلا أن هذه النبرة الصلبة لخطابه، ليست جديدة ولا غير مسبوقة، وعقب الهجوم على المدنيين في باريس الذي تبناه تنظيم «داعش» في نوفمبر الماضي، صعّدت فرنسا غاراتها الجوية في سوريا، وكانت تنفذ العشرات منها ضد مواقع التنظيم في مدينة الرقة. وربما جاء رد الفعل هذا مفاجئاً للعديد من الأميركيين الذين دأبوا على الربط بين السياسة الخارجية لفرنسا ورفضها المشاركة في الحرب التي يقودها التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق. وفي العام 2003، أظهر استفتاء أجراه معهد «غالوب» أن 7 في المئة فقط من الفرنسيين الذين شاركوا فيه يؤيدون الغزو الأميركي المنفرد للعراق، فيما قال 60 في المئة منهم إنهم يرفضونه حتى لو كان يحظى بتأييد ومشاركة الأمم المتحدة. إلا أن القرار الذي اتخذه أولاند في شهر نوفمبر لا يتعارض مع المشاعر العامة للفرنسيين. ونحو ثلاثة أرباع الفرنسيين أيدوا فكرة تعزيز العمليات العسكرية وفقاً لاستفتاء أجرته مؤسسة «يوجوف». ويرى بعض المحللين أن الجذور التي استمد منها الرئيس الفرنسي رغبته في استخدام القوة العسكرية يمكن أن تكون ذات صلة بالتدخل الفرنسي الناجح في مالي العام 2013، وقد أشارت صحيفة «واشنطن بوست» من خلال تقرير مفصل إلى «القوة الرمزية المهمة التي تتمتع بها الدولة المالية بتعاونها مع الفرنسيين». وجاء في التقرير ما يلي: «لقد أثبتت العملية التي نفذتها فرنسا في مالي ظاهرة مميزة ونادرة تمثلت في أن التدخل العسكري يمكن أن يحقق النجاح المراد منه. وبالنظر للمشاركة القوية للفرنسيين في ليبيا، يتبين لنا أن التدخل الانفرادي في مالي العام 2013 أكد رغبة باريس في لعب دور الدولة القوية على المسرح العالمي». وفي العام 2012، تمكن تحالف بين ثوار من قبائل الطوارق وفرع تنظيم «القاعدة» الذي يدعى «أنصار الدين» من السيطرة على مساحات من أراضي شمال مالي، وقدموا أنفسهم للناس على أنهم حماة تعاليم الشريعة في كل المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم. وحافظت العلاقات التي تربط بين فرنسا ومالي على قوتها بعد أن حصلت تلك المستعمرة القديمة على استقلالها العام 1960. وعلينا أن نتذكر هنا أن أولاند خاض حملته الانتخابية تحت شعار «المرشح الرافض للتدخل في شؤون الدول الأخرى»، وأكد على أن فرنسا ستسحب كل جنودها الموجودين في أفريقيا من دون استثناء في الوقت المناسب. ولكن، في شهر يناير 2013، عندما أصبح هذا التحالف بين الطوارق وجماعة «أنصار الدين» يشكل تهديداً للعاصمة باماكو لا يجوز السكوت عنه، اتخذ أولاند قراره بالتدخل، وأرسل الجنود الفرنسيين، وبما أدى إلى قلب الأوضاع التي كانت لمصلحة الإرهابيين. وخلال ثلاثة أسابيع، تمكنت هذه القوة من إلحاق الهزيمة بهم. وفي شهر يوليو من ذلك العام، نظمت الحكومة المالية انتخابات جديدة حظيت بترحيب كبير من المعلقين والسياسيين عبر العالم أجمع وخاصة لأن الثوار المعارضين سبق لهم أن حرضوا العسكر الماليين المحبطين على الاستئثار بالسلطة عن طريق انقلاب عسكري مضاد للحكومة القائمة. ومن خلال استعراضه للأوضاع التي كانت سائدة في مالي، حذر أولاند من الأخطار الكامنة في السماح للجماعات المسلحة مثل «القاعدة» بإنشاء ملاذاتها الآمنة في المستعمرات الفرنسية السابقة. إلا أن بعض المعلقين أشاروا إلى أن أولاند لم يكن يهدف من هذا الكلام لأكثر من ضمان التأييد المحلي لسياسته وحماية المصالح الاقتصادية لفرنسا في دولة النيجر المجاورة. وقد أشار أحد المعلقين إلى أن القبول الشعبي لأولاند انخفض في ذلك الوقت إلى مستويات تاريخية، وكانت الغالبية العظمى من الرأي العام ترى أن حكومته عاجزة عن إخراج فرنسا من أزمتها الاقتصادية. وقال أحد المعلقين: «لم يكن التدخل في مالي يرمي إلا إلى تحقيق أهداف سياسية محلية». وأشار ذلك المعلق إلى أن الرئيس لفت الأنظار إلى رؤية مخيفة عندما قال إن المسافة التي تفصل مالي عن فرنسا لا تزيد عن ست ساعات طيران، وإذا سمحنا للإرهابيين بالاستيلاء على باماكو، فإن هناك رحلات طيران مباشرة إلى باريس. ولم يكن أولاند هو الزعيم الأوحد الذي أعلن عن قلقه من أن تتحول المنطقة إلى أرض خصبة لتفريخ الجماعات الإرهابية التي تسعى لاستهداف المدن الأوروبية. وبالنسبة للرأي العام الفرنسي، أصبح الهجوم على المدنيين خلال السنوات القليلة الماضية، يبرر الدعم الذي يعلنه الرأي العام للتدخل العسكري في سوريا والعراق. وفي العام 2013، كانت نسبة 64 في المئة من الرأي العام الفرنسي ترفض التدخل العسكري في سوريا، وفي حلول ربيع العام 2015، قبل شهر من الهجمات التي تعرضت لها باريس، أثبت استفتاء أن الغالبية العظمى من الفرنسيين تؤيد هذا التدخل. * كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©