السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«نعم» الإيرلندية...إحياء للاتحاد الأوروبي

«نعم» الإيرلندية...إحياء للاتحاد الأوروبي
5 أكتوبر 2009 02:00
لقد نقل يوماً عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر سؤاله الشهير: إلى من أتحدث إن كنت أريد مهاتفة أوروبا؟ بفضل الأيرلنديين، ربما تكون الإجابة عن هذا السؤال لحسن الحظ، الرئيس الأوروبي. فقد أزاح الناخبون الأيرلنديون العقبة الأخيرة التي تقف أمام تبني معاهدة لشبونة التي تنص على تعزيز وحدة الدول الأوروبية. ذلك أن النتائج الرسمية التي أعلن عنها يوم السبت الماضي، أكدت تصويت نسبة 67 من الناخبين الأيرلنديين الذين اقترعوا في الاستفتاء الشعبي الذي أجري الأسبوع الماضي لصالح ميثاق معاهدة لشبونة. يذكر أن الاتحاد الأوروبي يمثل أكبر تحالف دولي سياسي اقتصادي، تنضوي تحته 27 دولة أوروبية تبلغ كثافتها السكانية مجتمعة ما يقارب الـ500 مليون نسمة. وضمن نصوص المعاهدة، سيعين رئيس أوروبي متفرغ، وكذلك وزير خارجية أوروبي، وهو ما يساهم في تقريب السياسات الخارجية للدول الأوروبية، وإعطاء الاتحاد الأوروبي دوراً أكبر في المسرح العالمي. يذكر أن الناخبين الأيرلنديين رفضوا التصويت لصالح المعاهدة في استفتاء شعبي أجري العام الماضي. لكن وبعد طمأنتهم على عدم إحداث أي تغيير على قوانين بلادهم الحالية التي تحرم الإجهاض، وتنص على الحياد العسكري لأيرلندا، تغيرت مواقف الناخبين لصالح المعاهدة في الاستفتاء الشعبي الذي أجري يوم الجمعة الماضي. وقد وصف هذا التحول، رئيس الوزراء الأيرلندي «براين كوين» الذي قاد هذا التحول في مواقف ناخبي بلاده بقوله: «لقد قال الأيرلنديون كلمتهم بوضوح وصوت عال. إنه ليوم طيب لأيرلندا وأوروبا معاً». جاء ذلك في تصريح أدلى به للصحافيين في العاصمة دبلن. والحقيقة أن نتائج الاستفتاء هذه تشير إلى إرغام الدول الأشد تأثراً بالأزمة المالية الاقتصادية الحالية -مثل أيرلندا- على البحث عن معنى جديد لعضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي. كما تشير التحليلات الأولية لنتائج الاستفتاء الأيرلندي إلى عامل الخوف باعتباره عاملا محتملا في تغير مواقف الناخبين من معاهدة لشبونة التي أعلنوا رفضهم التام لها قبل عام واحد سابق للأزمة المالية. ذلك أن أيرلندا تشهد اليوم تراجعاً حاداً في أدائها الاقتصادي مقارنة ببقية الدول الأوروبية الأخرى، وهي التي كانت حتى وقت قريب، من أكثر دول القارة نمواً وازدهاراً. وبسبب هذا التراجع بدأت تنظر أيرلندا إلى الاتحاد الأوروبي كما لو كان شريان حياة منقذا حتى للدول الأكبر والأكثر استقراراً من الناحية الاقتصادية، مثل ألمانيا وفرنسا. وعليه اعتقد الكثير من الأيرلنديين أن تصويتهم ضد معاهدة لشبونة للمرة الثانية سوف يقلل من نفوذ بلادهم على الشركاء الأوروبيين، في وقت تزداد فيه حاجة أيرلندا لاستثمارات وأرصدة ومنح وقروض هؤلاء الشركاء بالذات. هذا ما يراه المحللون والمراقبون. هذا ما أكدته المواطنة الأيرلندية جون كنيدي التي صوتت لصالح معاهدة لشبونة يوم الجمعة الماضي بقولها: لقد مضت بلادنا في اتجاه خطير للغاية، وبتنا مهددين بالعزلة السياسية فيما لو صوتنا بـ»لا» للمرة الثانية. ولا يتوقع المحللون أن تحدث معاهدة لشبونة تغييراً جوهرياً في السياسات الأوروبية المتبعة حالياً. بل سوف تعزز المعاهدة سلطة وصلاحيات الاتحاد الأوروبي في عدد من القضايا الإقليمية بما فيها الأمن والزراعة والمواصلات. وفيما عدا هذه القضايا، تظل الدول الأوروبية مستقلة تماماً في الجزء الغالب من القضايا الأخرى. ولكن هناك من يرى أن أهم ما يجب أن تتمخض عنه إجازة معاهدة لشبونة هو ابتكار هيكل قيادي جديد للقارة، وتوحيد عملية اتخاذ القرار، وكذلك توحيد سياسات إرسال البعثات الدبلوماسية الأوروبية إلى الخارج. كما يتوقع أن يحل الرئيس الأوروبي المتفرغ -الذي ينتخبه القادة الأوروبيون لتولي المسؤولية لدورة تتراوح مدتها بين عام ونصف إلى عامين- محل نظام الرئاسة الجزئي الذي يتم بموجبه تولي المنصب لمدة ستة شهور على أساس دوري. ويتوقع أن تعين لهذا المنصب -حسب النظام الجديد- شخصية قيادية أوروبية رفيعة المستوى، على غرار طريقة تعيين الأمين العام للأمم المتحدة. ولن يحدث هذا تغييراً جوهرياً في عملية اتخاذ القرارات في الدول الأوروبية. ذلك أن الاتحاد الأوروبي يظل اتحاداً للدول والأمم الأوروبية، حيث تظل مسائل الحب والموت والحياة، خاصةً الضرائب والضمان الاجتماعي وغيرها من القضايا الرئيسية، تقرر على النطاق المحلي الوطني مثلما كانت في السابق، على حد قول موريس فريزر -الزميل المشارك بمؤسسة شاتهام هاوس للدراسات والبحوث في لندن. ويستطرد فريزر في القول: بيد أن تعيين لاعب مركزي حسب النظام الرئاسي الجديد الذي نصت عليه معاهدة لشبونة، يفترض أن يساعد الاتحاد على إظهار دور أكثر مصداقية في الشؤون الدولية. هذا ويتعين على جمهورية التشيك وبولندا المصادقة على معاهدة لشبونة، مع ملاحظة أن أياً منهما لم تجر استفتاء عاماً عليها مثلما فعلت أيرلندا. وعلى رغم تشكك قادة هاتين الدولتين إزاء الاتحاد الأوروبي، إلا إن من رأي المحللين أنهم سوف يصادقون على المعاهدة في وقت سابق لحلول شهر يناير المقبل. وكان الموت هو المصير المؤكد لهذه المعاهدة فيما لو صوت الناخبون الأيرلنديون بالرفض للمرة الثانية. وهو ما يؤجل تحقيق حلم الوحدة الأوروبية لعدد من السنوات المقبلة. هذا ما أكده المحلل هوجو برادي -زميل أبحاث رئيسي بمركز الإصلاح الأوروبي في بروكسيل- بقوله: كان من شأن «لا» الأيرلنديين للمرة الثانية أن تضعف الاتحاد وتثير الشكوك في مستقبل اليورو، بل في جدوى المشروع الأوروبي نفسه. ولذلك فلا بد من أن يكون الاتحاد الأوروبي قد تنفس الصعداء الآن. أنتوني فيولا- لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©