الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحوار بين الديانات··· مغلق!

29 يوليو 2008 22:24
الحوار بين الأيديولوجيات والأديان في العادة طريق مغلق؛ لوجود عقبة لا يمكن تجاوزها، من الشعور بامتلاك الحقيقة، كل الحقيقة، وكامل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، وعند الآخرين لا حقيقة؛ بل باطل من القول وزور· وحين نقول تجتمع الأديان لحرب الإلحاد؛ فكل صاحب ديانة يعتبر بقية الديانات إلحاداً؛ ولم تشتعل حرب في تاريخ البشر كما شنها أصحاب الأديان والأيديولوجيات، ضد بعضهم البعض، من الحروب الدينية البغيضة بل والعالمية، بين الشيوعية والنازية والفاشية· ولعل أفظع وأطول حرب دينية في التاريخ كانت الحروب الصليبية التي شنها الأوروبيون ولمدة 171 عاماً في سبع حملات صليبية، بين عامي 1099 م و1170 للميلاد، فيها رسم الصليب على السيف والصاري والشراع والعلم، بل والصليب المعقوف للنازيين، ولم تنته بعد بل استكملت بالحملة الثامنة عام 1948 لاحتلال القدس من جديد، والحملة التاسعة لاحتلال بغداد والشرق الأوسط، ولكن أكثر الناس لا يعلمون· والعيب ليس فيهم بل فينا، فالنسور تحلق حيث الجيف، ولذا يجب أن يطرح السؤال؟ ليس لماذا جاءت أميركا للعراق، بل لماذا يجب أن تأتي أميركا للعراق؟ فهذه قوانين وجودية في الامتلاء والانفراغ؛ فالماء يسقط من علو، والصراصير تملأ البيت الوسخ، والبعوض يفقس مع المستنقعات، والغربان تحلق على الجثث، وطير النورس يحط حيث فتات السمك، والاستعمار يملأ فراغ القابلية للاستعمار؛ فتذهب هولندا لتركب رقبة أندونيسيا، مثل أرنب على ظهر تمساح، بألف جزيرة، يقوده بحبل؟ واليهود يزحفون لفلسطين، على ظهر كل مركب، لانهيار دولة آل عثمان، وغياب العرب عن إحداثيات التاريخ والجغرافيا· وتجربة النبي محمد مع نصارى نجران في الحوار كانت عجيبة، فهو الذي استضافهم في مسجده، وحاورهم فلجوا، ودعاهــم في النهايـــة للمباهلـــة فأبوا، واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً، وقالوا لا تذرن آلهتكم· وقصــة هرقل بعـــد سؤال أبي سفيان عن النبي محمد ثم انفراده مع القساوسة ونفورهم من الإسلام درس كبير؛ ومشكلة الأديان هي في المؤسسات ورجالها، حين يصبحون عائقاً في نفس طريق الديانة· لأن مجيء الإسلام كان إعلان ولادة العقل ووداع الايديولوجيات، وهو السر خلف فكرة إلغاء النبوة مع مجيء النبوة، في فكرة جداً ثورية بإعلان ولادة العقل الاستدلالي، وتوديع العقل النقلي، واستبدال عكازات الأحكام الجاهزة، بساقين من العقـــل قويتين للمشي، فهذا هــو أعظم ما في النبــوة في إلغاء فكرة النبوة، كما يقول محمد إقبال في كتابه (تجديد التفكير الديني)· كما كان في مفهوم القوة أن أعظم ما فيها، أنها ألغت القوة مع انقداح النار النووية ونقل مليون درجة من باطن الشمس إلى وجه الأرض؛ يقول إقبال: ''إن النبوة في الإسلام تبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمداً إلى الأبد على مقود يقاد منه، وأن الإنسان كي يحصل كمال معرفته لنفسه، ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو· وإن إبطال الإسلام للرهبنة ووراثة الملك، ومناشدة القرآن للعقل والتجربة على الدوام، وإصراره على النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين، من مصادر المعرفة الإنسانية، كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة''؛ إنها فقرة متألقة، ولكن العرب يمشون بالعكس فيعيدون عصر الأئمة والمعصومين ولو لم يكونوا أنبياء ومرسلين· د· خالص جلبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©