الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوريا الشمالية.. لماذا تكره أميركا!

30 مارس 2015 22:52
في وقت سابق هذا الشهر، ابتهجت كوريا الشمالية، عندما شجّ رجل له سجل في أعمال العنف بمدية وجه «مارك ليبرت» السفير الأميركي في كوريا الجنوبية، ووصفت كوريا الشمالية الهجوم الذي وقع في سيؤول بأنه «وابل العدل بالسكين.. وعقاب مستحق للولايات المتحدة داعية الحرب»! وإذا كان هذا قد يبدو لك كلاماً حقوداً، فلتعلم أن كوريا الشمالية ظلت تدرب تلاميذ المدارس على مدار سنوات على طعن دمى لجنود أميركيين، وأنها في ظل زعيمها الشاب «كيم يونج أون» اقترحت ذات مرة الاستعداد لضرب واشنطن وأوستن وجنوب كاليفورنيا بالأسلحة النووية! وقبل أكثر من أربعين عاماً، أعلن كيم إيل سونج «الزعيم العظيم» مؤسس أسرة «كيم» الحاكمة، أنه «لا سر» في أن: «أهم استعداداتنا للحرب هو تعليم كل الشعب كراهية الإمبريالية الأميركية». فمن أين تأتي الكراهية؟ معظمها تُذكى نيرانها يومياً في بيونج يانج، وأسرة «كيم» بحاجة إلى صراع وجود لا ينتهي ضد عدو يثير الرعب! ومثل هذا التهديد يبرر الإنفاق العسكري الهائل، وعقود الحرمان، بينما تبقي أفواه المعارضين مطبقة، والمعتقلات السياسية مفتوحة، ولكن الكراهية ليست مختلقة أيضاً بالكامل، بل قد تستند أحياناً إلى قصة أساسها حقيقي لا تفارق ذاكرة كوريا الشمالية، بينما لا تبالي الولايات المتحدة بتذكرها. والقصة تعود إلى بداية خمسينيات القرن الماضي، عندما قصفت القوات الجوية الأميركية بقنابل «النابالم» مدناً وبلدات وقرى في أنحاء كوريا الشمالية، رداً على عدوان للشمال كان سبباً في نشوب الحرب الكورية، وكانت المهمة سهلة في معظمها للقوات الجوية الأميركية التي لم تلق طائراتها «بي.29» مقاومة على الإطلاق، وكان القصف طويل الأمد، وبلا رحمة حتى بتقييم قادة أميركيين. وفي عام 1995، صرح الجنرال «كورتيس ليماي» قائد القيادة الاستراتيجية الجوية أثناء الحرب الكورية لصحيفة «نيويوركر»، قائلاً: «على مدار ثلاثة أعوام قتلنا نحو 20 في المئة من السكان»! وبعد أن انتهت تقريباً الطائرات من الأهداف المدنية، دُكت سدود الري وتوليد الكهرباء فغرقت الحقول والمحاصيل. وعلى رغم أن ضراوة القصف لقيت انتقادات في أنحاء أخرى من العالم، باعتبارها أمراً عنصرياً وغير مبرر، لم يحظ القصف بكثير من الاهتمام داخل أميركا نفسها، وركزت الصحافة الأميركية في تغطيتها للحرب الجوية على «مدق ميج»، وهي قطعة ضيقة من الأرض في كوريا الشمالية بالقرب من الحدود الصينية، وفي أول حرب جوية بالطائرات النفاثة في العالم، تنافس الطيارون المقاتلون الأميركيون على إسقاط طائرات سوفييتية كي يحظوا بتكريم، ونادراً ما ذكر مراسلو الحرب الضحايا المدنيين في القصف الأميركي، والضحايا المدنيون ربما يكونون هم أكثر ما تعرض للنسيان في أتون حرب منسية. وقد أبقت أسرة «كيم» الذكريات المروعة للحرب والقصف حية في وجدان الشعب. وتقيم وسائل الإعلام الكورية الشمالية روايتها لأحداث التاريخ على أساس كذبة كبيرة مفادها أن الأميركيين وكوريا الجنوبية هم من تآمروا لدق طبول الحرب، وأن «كيم إيل سونج» فاز بها في ظل ظروف صعبة، وتحذر وسائل الإعلام الكورية الشمالية من أن الأميركيين سيعودون آجلاً أو عاجلاً لشن هجماتهم أيضاً. وتؤكد «كاثرين ويزرسباي» الباحثة في الحرب الكورية أن كوريا الشمالية تصور الأمر، كما لو أننا ما زلنا «في خمسينيات القرن الماضي في كوريا الشمالية.. فالناس في الشمال يشعرون بأنهم محاصرون في زاوية ومهددون»! ومن المهم فهم عقلية الارتياب هذه لأنها تضع العداوة التي تؤججها أسرة «كيم» في سياقها. ومنذ الحرب العالمية الثانية، دخلت الولايات المتحدة في سلسلة لا تكاد تنقطع من حروب كبيرة وصغيرة في بلدان بعيدة لا تعلم عنها الكثير. ولكن في قوة عظمى تحظى فيها الديمقراطية بمكانة رفيعة يكون الإغفال والانكفاء على الذات مذهلاً أحياناً. وفي حالة قصف كوريا الشمالية لم يدرك الناس قط أن هناك جريمة حرب كبيرة ارتكبت باسمهم. والاكتراث بما يجري في نظام ديمقراطي يمثل التزاماً أخلاقياً، وهو أيضاً طريقة لتفادي تجنب الأخطاء غير الأخلاقية. وإذا تغيرت كوريا الشمالية، أو تمت إطاحة أسرة «كيم»، أو خففت طوعاً قبضتها الخانقة على المعلومات، فإن اعتذاراً أميركياً قد يساعد في تبديد تراكم 65 عاماً من الكراهية. بلين هاردين* *كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©