الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عُقدة الاسم المستعار

عُقدة الاسم المستعار
1 أكتوبر 2009 00:17
يبدو أنّ أهل الغرب سبقونا إلى استعمال هذا المصطلح الذي اشتقّوه من عنصرين اثنين عالِمَيْن في الأصل من اللغة الإغريقيّة القديمة، وهما باللغة الفرنسيّة Pseudo التي تعني، انطلاقاً، من الإغريقيّة: «الكاذب»، وOnyme، وتعني، انطلاقاً من الأصل الإغريقيّ أيضاً، «الاِسم»؛ فيكون لفظ Pseudonyme «الاسم الكاذب»! ولكنه لَمّا استُعمل في العربيّة خُفّف من وطأة معناه المستقبَح إلى معنى مستملَح، فقيل: «الاسم المستعار»، أي توقيع كاتب من الكاتِبين بغير اسمه إمّا تحرّجاً من شهرة اسمه الحقيقيّ؛ وإمّا رفْضاً لاسمه الأصليّ لعدَم رضاه عليه؛ وإمّا تهرُّباً من دلالة الاسم الدّينيّة كمحمّد الذي يتهرّب منه كثير من الكتّاب العرب المعاصرين الذين سمّاهم آباؤهم «محمّداً» تبرّكاً وتيمُّناً، فلمّا كبِرُوا، كبُر عليهم ذلك فاحتالوا على التهرّب منه بتقمّص اسم مستعار... (ولا نرى أنّ فرويد، لو يُبعث من جدثه، قادر على حلّ عُقدهم المستعصية على كلّ استشارة نفسيّة!)؛ وإمّا لعلّة من العلل النفسيّة والاجتماعيّة الأخرى... وقد ألفينا كثيراً من كبار الكتّاب العرب المعاصرين يوقّعون مقالاتِهم، أو قصائدَهم، أو حتّى دواوينهم بأسمائهم المكذوبة، ومن هؤلاء نذكر مفدي زكرياء الشاعر الجزائريّ الذي استحالت قصيدته «قسَما» إلى النشيد الوطنيّ الجزائريّ حيث كان لا يزال يوقّع كتاباته في الصحف والمجلاّت باسم: «ابن تومرت»، (وكان من أجل التّعميَة على الاستعمار الفرنسيّ حتّى لا يطارده ويحاكمه...)، وأحمد سعيد الذي يوقّع كتاباته باسم «أدونيس»، وغير هذين كثير... ولم يَقِفْ هذا الشأن على الكتّاب وحدَهم، ولكنّه جاوزهم إلى كثير من المغنّين والمغنّيات العرب المعاصرين... ونحن نعتقد أنّ الشخص الذي يرفض الاسم الذي سمّاه به أبواه هو شخصّ يصنَّف ضمن المعقّدين النفسيّين في أغلب الأطوار، لأنّ الاسم، مهما يكن جميلاً أو حاملاً لدلالة أسطوريّة أو تاريخيّة، لا يستطيع أن يُنشئ كاتباً ولا متفنّناً من عدَم، بل حامله هو الذي يفرضه على الطبقات الاجتماعيّة والأدبيّة فيتّخذ سبيله إلى الشهرة والذيوع. ويبدو أنّ هذه السيرة البشعة أُورِثْناها من أهل الغرب الذين لهم تقاليد ثقافيّة وأدبيّة تختلف عن تقاليدنا ومعتقداتنا اختلافاً كبيراً. والتقليد الحضاريّ العربيّ لا يمثُل في هذه الأسماء المستعارة، ولكن في الألقاب حيث من أشهر ألقاب الأدباء العرب المتنبي، إطلاقاً على أحَد أكبر شعراء العربيّة إطلاقاً، وهو أبو الطّيّب، والنابغة الذبياني، وغيرهما.. ونحن نعتقد أنّ الذين يرفضون الأسماء التي سمّاهم بها آباؤُهم أَولى لهم أن يختلفوا إلى عيادات نفسيّة لعلّها تحلّ عُقَدهم إذْ لم يجدوا في أسمائهم الأصليّة ما يُرضيهم، ولذلك رفضوها مستبدلين إيّاها بأسماءٍ أُخَرَ كثيراً ما تكون وثنيّةً أو أسطوريّة... وكان على هؤلاء حقّ احترام الأسماء التي سُمُّوا بها أصلاً، فذلك كان أولى أن يمثّل شخصيّاتهم الثقافيّة والتاريخيّة الحقيقيّة... وإذا لم يكن من حقّنا استلاب حرّيات بعض المثقفين والأدباء في سلوكهم، فإنّه من حقّنا ملاحظةُ ذلك عليهم، وهم، أوّلاً وأخيراً، أحرارٌ فيما يأتون من أمورهم وما يدَعون...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©