الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب أفغانستان: الأعباء والآفاق المسدودة

29 مايو 2010 21:40
في خطابه أمام خرجي أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية يوم السبت الماضي، أشار الرئيس الأميركي أوباما إلى "التضحيات الجليلة" التي بـذلتها الأكاديمية بسقوط 78 من ضباطها المتخرجين قتلى في حربي العراق وأفغانستان، لكنه وهو يعدد مزايا الأكاديمية وتضحياتها، لم يتطرق إلى الرقم الأخير الذي وصله عدد القتلى من الجنود الأميركيين في كابول والمقدر حالياً بأكثر من ألف جندي لقوا حتفهم على أيدي المسلحين الأفغان. وفيما تتصاعد أعداد الضحايا يوماً بعد يوم ويسقط مزيد من الجنود، لم يأت أوباما على ذكر تفاصيل الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان التي يبدو أنها في طريقها إلى الفشل لما تنطوي عليه من أخطاء جسيمة تحول دون تحقيق الأهداف المسطرة. فهي تفتقر لمهمة واضحة وقابلة للتحقيق، ولا يمكن أصلا القول إنها تخدم أمننا القومي، هذا فضلا عن كلفتها الباهظة في الأموال والأرواح. ولعل من مظاهر هذا التعثر الذي تشهده استراتيجية مكافحة التمرد في أفغانستان، إخفاقها الذريع في كسب عقول وقلوب الأفغان. فحسب تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية خلال الشهر الماضي، هناك 29 منطقة أفغانية فقط، من أصل 121، يمكن تصنيفها على أنها "متعاطفة مع الحكومة في كابول"، مقارنة بنحو 48 منطقة "تبدي تعاطفها مع طالبان"، كما أن نسبة الأفغان التي صنفت القوات الأميركية ومعها حلف شمال الأطلسي على أنها "جيدة"، أو "جيدة جدا" تراجعت من 38 في المئة خلال شهر ديسمبر الماضي إلى 29 في المئة خلال شهر مارس الفائت، بحيث لا يمكن استبعاد أثر سقوط الضحايا المدنيين في الغارات الأميركية التي تشنها الطائرات على بعض الأهداف، في انكماش نسبة التعاطف مع المجهود العسكري الأميركي في أفغانستان. والحقيقة أنه لا يمكن إخفاء الزخم الذي تعيشه "طالبان" في الوقت الراهن، وتنامي نفوذها في عموم أفغانستان، وهو أمر يعترف به الجنرال "ماكريستال" الذي صرح مؤخراً بأن "لا أحد يحقق أي انتصار في أفغانستان"، في إشارة دالة إلى الصعوبات التي يواجهها الجنود الأميركيون. هذا في الوقت الذي يقلل فيه المسؤولون العسكريون من حجم التوقعات المنتظرة من الحملة القادمة في قندهار، لاسيما وأن الحملة التي سبقتها على منطقة "مرجة" لم تفلح في القضاء تماماً على تواجد "طالبان" واستمرار العنف والتفجيرات التي امتدت لتطال كابول نفسها. ولا شك أن احتلال بلد يصر على التمسك باستقلاله، مثل أفغانستان، ويخضع للنفوذ القبلي على نحو كبير، فضلا عن سقوط عشرات الآلاف من المدنيين، كلها أسباب تولد شعوراً مناهضاً للأميركيين لدى الأهالي، كما تغذي الإرهاب وتمده بمزيد من العناصر المجندة، دون أن ننسى التداعيات الخطيرة للتدخل الأميركي في أفغانستان، والتي تأتي على رأسها زعزعة استقرار باكستان المجاورة بما تملكه من أسلحة نووية وبما تمثله، تالياً، من تحدٍ حقيقي للمصالح الأميركية يفوق بكثير تهديدات أفغانستان. وأخيراً تنفق أميركا الكثير من الموارد على أفغانستان في وقت تحتاج فيه إلى الأموال الضرورية لمواجهة الأزمة المالية وتداعياتها الاقتصادية، فلأول مرة تتجاوز النفقات الشهرية للولايات المتحدة في أفغانستان ما تنفقه في العراق، حيث وصلت 7.6 مليار دولار في أفغانستان مقارنة بـ5.5 مليار في العراق. ومع نهاية شهر مايو الجاري سيبلغ حجم المبالغ المرصودة للحربين معاً تريليون دولار، وهو ما يفسر تراجع شعبية الحرب في أفغانستان لدى الرأي العام الداخلي، كما يشير إلى ذلك استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" حيث أظهر أن 52 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن الحرب "ليست جديرة بكلفتها". ومن هناك تنبثق الحاجة إلى استراتيجية بديلة تقوم على المسؤولية وتحديد جدول زمني واضح لبدء انسحاب الجنود الأميركيين، وتكثيف الجهود الدبلوماسية، بما في ذلك عقد حوار مع "طالبان"، هذا الحوار الذي يسعى إليه الرئيس كرزاي ويتعين على أميركا دعمه دون شروط. وتنطوي أيضاً الاستراتيجية الناجحة في أفغانستان على اتخاذ إجراءات معقولة لمحاربة التمرد وتقاسم المعلومات الاستخبارية والتركيز على مشاريع التنمية وإعادة الإعمار. لكن بدلا من ذلك يستعد الرئيس لطلب تخصيص موارد إضافة للحرب في أفغانستان بمبلغ يصل 32 مليار دولار لدعم خطة الزيادة في عدد القوات، وهو الطلب الذي سيصوت عليه مجلس الشيوخ خلال الأسبوع الجاري، ليليه تصويت مجلس النواب. ومن غير المتوقع أن يستمر الكونجرس في الموافقة على جميع طلبات الرئيس بزيادة الأموال المرصودة للحرب، لاسيما في ظل الإشارات التي تظهر مدى انزعاج بعض أعضاء الكونجرس من النزيف المالي في أفغانستان بعدما تقدم أعضاء جمهوريون في الكونجرس بمشروع قانون يطالب البيت الأبيض بوضع جدول زمني محدد للانسحاب. وإذا كان هناك من شيء يؤكده تململ بعض أعضاء الكونجرس ودعوتهم إلى بلورة استراتيجية خروج واضحة فهو الانزعاج العام في أوساط النخبة والرأي العام من الحرب المستمرة دون أفق واضح ومن العبء الذي تتحمله الولايات المتحدة في وقت تعيش فيه أزمة اقتصادية طاحنة تحتاج لنفقات داخلية لمواجهتها. كاترينا فاندال هوفيل محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©