كراهية العربي للعربي

من أهم أحداث وظواهر السنوات القليلة الأخيرة اشتعال وتفجر وتمدد الفتن العربية - العربية وظواهر التعصب والكراهية بين أبناء البلد الواحد بصورة لم يسبق لها مثيل في العصر الراهن. وباستثناء قلة قليلة من المجتمعات والدول العربية، يكاد لا يبقى مكان إلا وكانت فيه الكراهية أو التعصب أو المعارك العربية الداخلية سيدة الموقف، على مستويات وفي اتجاهات مختلفة: قطريا وقوميا وطائفياً، سياسياً ورياضياً وحتى اجتماعياً. وأن تجري لاحقاً مصالحات بين بعض الجماعات المتخاصمة والمتحاربة والمتباغضة (حتى الموت) بمبادرات “إعجازية” من كل نوع قد تسفر عن مباريات رياضية ودية وتقاسم مغانم وقبلات تلفزيونية وتعويضات مختلفة وأحكام وتحقيقات قضائية مؤجلة وفتح صفحة جديدة، فذلك لا يعفي من تحليل أسباب تلك الظواهر والوقوف على حقيقتها وأسرار هذا الجنون الذي أثبت أن الكثيرين من العرب أظهروا خلال صولاتهم المذهبية والطائفية و”القطرية” والرياضية، أو حتى في طريقة انفعالهم حيال جرائم فردية، شراسة وحماسة لم تظهرا في أي من قضاياهم المصيرية ومعاركهم مع أعدائهم الخارجيين. صحيح أن تلك الظواهر قد تكون مخجلة، وصحيح أن مخرجاتها و”المغانم” التي يقطفها عادة المتسببون بها تجعلهم أصحاب المصلحة الأولى في القفز على دراستها وفي دفع جماهيرهم إلى تناسيها تجنباً للمساءلة والمحاسبة إلا أن المعيب أن يشترك المتعاملون مع الحقائق والمعلومات في عملية التورية والالتفاف على أسباب هذه الظواهر وعدم السعي إلى معرفة دوافعها والمحرضين عليها ، ولو من باب الدراسة الاجتماعية والنفسية أو السلوك السياسي والأخلاقي. إن الفتنة بأشكالها المختلفة تستمد قوتها من الغرائز وحشد المشاعر الجياشة التي تطغى على التفكير السوي، وقد بلغت في السنوات الأخيرة درجة جهنمية جرفت معها الكثيرين ممن يفترض أن يكونوا أصواتا للوعي، حتى بعض “الأكاديميين” الذين شاركوا في عملية التنظير المرعبة لتلك الفتن. لكن لنعترف أن الرافعة الرئيسية وأهم وسائل التحريض على هذه الفتن كان الإعلام العربي عبر الدور الذي قامت به معظم وسائله. ولعل أهم ما يجب معرفته لدى الدارسين والباحثين هو حقيقة أسباب دورها هذا: هل لأن القيمين عليها طلبوا منها ذلك؟ أم أنها مارست ما مارسته عن رؤية وقناعة؟ أم لأنها لم تكن واعية بخطورة هذا الدور وتداعياته وآثاره؟ ويجب تحديد أي واحد من هذه الأسباب دفع تلك الوسائل إلى ارتكاب ما ارتكبته من فظائع عل ذلك يساهم في تقييم مفيد لواقع ومستقبل الإعلام العربي علماً أن الإجابة أياً كانت فإنها ستكون، في شتى الأحوال، مؤسفة. barragdr@hotmail.com