الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المعضلة التايلاندية: صراع اجتماعي ودعوات إصلاح

المعضلة التايلاندية: صراع اجتماعي ودعوات إصلاح
29 مايو 2010 00:06
مرت عشرة أيام على سحق الجيش التايلاندي المتظاهرين المعادين للنظام في العاصمة بانكوك. ولم تشهد العاصمة أحداث عنف في شوارعها، كأحداث الشهرين الأخيرين، منذ ما يقارب العشرين عاماً. ولا تزال حالة حظر التجوال سارية، بينما يوجه المسافرون بالالتزام بعدم التجوال، فيما تعيش البلاد أزمتها السياسية التي لم يضع سحق المظاهرات حداً لها. وتمثل حكومة رئيس الوزراء الحالي، أبهيست فيجاجيفا، بشكل رئيسي، بعض العائلات الصينية التجارية الغنية، إلى جانب الأرستقراطيين والنخبة العسكرية، مع النخبة الملكية بالطبع. وفي المقابل تمثل حركة ذوي القمصان الحمراء، الطبقات الفقيرة في الريف والمناطق الحضرية على حد سواء، فضلاً عن الطبقة الدنيا من عمالة الطبقة الوسطى النامية، وفئات المثقفين. وتسعى هذه الفئات الأخيرة للحصول على نصيب أكبر من ثروات البلاد وخيراتها، إضافة إلى المطالبة بتمثيلها في دوائر السلطة ومراكز اتخاذ القرار. وتعود الأزمة السياسية الراهنة إلى التنافس بين الآباء الروحيين الذين يستخدم كل واحد منهم نفوذه وثروته لإرغام الطرف الآخر على الخضوع والإذعان لنفوذه. وعليه فلابد من إثارة السؤال: لماذا سلط قادة متظاهري حركة ذوي القمصان الحمراء انتقاداتهم للأقلية الحاكمة في بانكوك؟ لعل القضية الأبرز في الحوار السياسي الذي دار في العاصمة مؤخراً، هي كيفية إعادة هيكلة وإصلاح النظام السياسي القائم، على أساس التغيير الاجتماعي المطلوب. ومهما تكن الإجابة عن السؤال، فالمؤكد هو أن السبيل الأمثل لوضع حد للمرارات السياسية التي شهدتها البلاد، هو إصلاح نظامها السياسي. لكن الملاحظ أنه لم يتقدم طرف من أطراف الأزمة بأي أجندة إصلاح سياسي واضحة وشاملة حتى هذه اللحظة، على نحو يجعل العملية السياسية التايلاندية أكثر شفافية وانفتاحاً على المساءلة. ولعل العقبة الرئيسية أمام الإصلاح السياسي في تايلاند، هي القانون الملكي. فقد نصت جميع النسخ والتعديلات السبعة عشر للدستور التايلاندي على المادة التالية: "يجب أن يتحلى الملك باحترام ليس أقل من العبادة في شيء، ويجب عدم انتهاك أوامره مطلقاً. ولا يجوز لأحد كان أن يثير الاتهامات ضد الملك، أو أن يتخذ أي إجراء ضده مهما كان". ويذهب القانون الجنائي التايلاندي مدى أبعد في تفسير ذلك النص الدستوري بالقول: "يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين ثلاث وخمس عشرة سنة كل من يسيء إلى سمعة الملك أو الملكة أو أي من أعضاء العائلة الملكية، أو يهدد أياً منهم". ولطالما استغل هذا القانون لترهيب منتقدي النظام السياسي، أو تسريع حجزهم واعتقالهم. وبذلك فهو يعد عقبة كبيرة أمام أي محاولة للإصلاح السياسي. بل إن هذا القانون يجعل من الصعب جداً حتى مجرد الحديث عن الإصلاح السياسي. وليس من انفتاح ولا تبادل حر للأفكار والآراء حول الكيفية التي يمكن بها التعامل مع الأقلية الملكية الحاكمة، في ظل وجود القانون المذكور. ومن دون توفر حرية التعبير، فليس ثمة معنى للحديث عن الإصلاح من أساسه. ذلك أن نصوص القانون الملكي -كما قرأنا بعضاً من بنودها وفقراتها أعلاه- تضفي نوعاً من القداسة الدينية على المؤسسة الملكية. ولابد من حل هذا التناقض بين نظام الحكم الحر الديمقراطي من جهة، وهذه النظرة السياسية التي ترفع المؤسسة الملكية إلى مرتبة العبادة الإلهية من الجهة الأخرى. وطالما ظلت المؤسسة الملكية غير قابلة للمناقشة ولا المساءلة في ظل النظام السياسي الدستوري القائم، فليس من مجال للحديث عن الإصلاح. ولا شك أن تايلاند قد تمكنت من التواؤم مع هذا الهجين السياسي، الذي جمع بين بعض سمات النظام الإقطاعي القديم والعولمة الرأسمالية. لكن بعض الفئات والطبقات الاجتماعية تعرضت للتهميش من قبل النظام القائم، وتم تغييب صوتها السياسي. وقد أظهرت هذه الجماعات مؤخراً عزماً قوياً وغير مسبوق على إسماع رأيها مؤخراً. وهي محقة بالطبع في مطالبتها بأن يكون لها نصيب من الفضاء السياسي المتاح في البلاد. ومما لا شك فيه أن إلغاء القانون الملكي، يعني عملياً فتح النظام السياسي التايلاندي أمام مناقشة التوالي في المناصب السياسية والسيادية جميعها، بل مناقشة العملية السياسية برمتها. وهذه جرعة ربما يصعب ابتلاعها بالنسبة لحكومة لم تعتد طوال تاريخها سوى الخضوع التام لسلطتها. بيد أن التخلص من هذه العقبة القانونية، سوف يساعد تايلاند كثيراً على الانفتاح نحو الحوار والإصلاح السياسي، والتحول باتجاه الممارسة الديمقراطية الكاملة الشفافة. وبدلاً من أن تخطو بانكوك هذه الخطوة، رأيناها وهي تعامل ذوي القمصان الحمراء كما لو كانوا مهرطقين. وهناك من وصفهم من مسؤولي الحكومة ومؤيديها بأنهم مجموعات من الإرهابيين والخونة! ومن المؤسف أن خضوع الشعب التايلاندي للقيادات العسكرية القابضة لعدة سنوات وحقب، يجعله أكثر استعداداً لقبول الإجراءات الأشد تعسفاً باسم الحفاظ على الأمن والنظام. وحتى يتم إلغاء قانون المؤسسة الملكية هذا، ويفتح الفضاء السياسي أمام الحوار الحر المفتوح، فلن يتوقف الصراع بين المتطرفين في كلا طرفي النزاع السياسي في بانكوك. نيم ويثهلد - بانكوك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©