الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زامـر الحي.. لا يعـرف الرشد من الغي!

25 ابريل 2018 00:13
كنت أسمع هذه الجملة كثيراً إبان ما سموه ثورة 25 يناير في مصر، إذ كان قطيع الببغاوات يرددها دائماً بالنقل لا بالعقل، وهي قولهم: «مصر بعد 25 يناير ليست هي مصر ما قبل 25 يناير».. وكان الناس أو القطيع يردد هذه الجملة بمعناها الإيجابي.. أما أنا فقد كنت أقول: نعم صدقتم.. ولكنني أعني المعنى السلبي الذي تحقق بالفعل.. ونفس هذا المعنى السلبي تحقق فعلاً ويقيناً في كل الدول التي ضربها الخريف العربي.. فليبيا وسوريا وتونس واليمن بعد الخريف ليست هي التي كانت قبله، ولا أظن أنها ستعود كما كانت قبل الخريف. فقد تحولت الكيانات التي كانت دولاً إلى كيانات ميليشاوية. وصارت ثقافة الميليشيات هي المتحكمة في المشهد العربي. سواء كانت هذه الميليشيات عسكرية أو ثقافية أو سياسية أو دينية. وصارت هذه الكيانات أعلى من الأوطان، بل وأقوى أيضاً من الشعوب التي لم تعد شعوباً بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هي كيانات متصارعة بشكل ميليشياوي.. والعرب على المواقع الإلكترونية أصدق تجسيداً لثقافة الميلشيات والأولتراس.. وهناك صراع ميليشياوي مرير على هذه المواقع تستخدم فيه كل أسلحة الدمار اللساني (والماوسي والقلمي) الشامل.. وكلها أسلحة محرمة دينياً ودولياً وقيمياً وأخلاقياً واجتماعياً لكنها لم تعد محرمة عربياً. وعندما اشتعلت الحرب شبه العالمية ضد «فيسبوك» وما قيل عن اختراق معلومات وبيانات ومنشورات رواده.. لم يكن العرب معنيين بهذه الحرب أبداً، لأن أحداً لا يهتم بمراقبة معلوماتهم أو احتراقها.. فهي ببساطة ليست معلومات ولا آراء تستحق الاختراق أو الاستخدام وإنما هي بذاءات وترهات وشتائم وجرائم سب وقذف وانتصار للباطل بالصوت العالي. ولا أكاد أرى بصيصاً من نور في نهاية النفق العربي المظلم واللعب ضد العرب أصبح على المكشوف ودون حاجة إلى مؤامرات أو مخططات، وكأن العرب شاة ذبحت ولا يضرها سلخها بعد ذبحها، أو كأنهم جثة هامدة لم يعد يؤلمها التمثيل بها أو سلخها. ولا نمل نحن العرب تلك النغمة المكررة والأنشودة المملة، وهي أن كل العالم يتآمر علينا ويخطط ضدنا وأننا ضحايا أعداء العرب والمسلمين، وتلك نغمة سخيفة، وأعني بها نغمة أعداء الإسلام، ولست أرى أعدى للإسلام من قطعان المسلمين الذين يقتلون ويذبحون ويخربون ويدمرون باسم الله وبشعار الله أكبر.. لست أرى أعدى للإسلام من هؤلاء الذين يهتفون بألسنتهم - الموت لأميركا - والموت لإسرائيل.. بينما فعلهم هو الموت للعرب والموت للمسلمين.. لست أرى أعدى للإسلام من «الإخوان» و«داعش» و«الحوثي» وحزب نصر الله و«النصرة» و«القاعدة».. والمتعاطفين معهم من القطيع العربي الذي يجر إلى حتفه وإلى الهاوية تحت لافتة الإسلام. وقتلى العرب والمسلمين بأيدي العرب والمسلمين أضعاف أضعاف قتلاهم بأيدي أميركا أو إسرائيل. بعد الخريف العربي، سقطت كل أوراق التوت وأصبح المتآمرون من أبناء هذه الأمة عراة وكل أرديتهم تكشف وتشف، وحتى إذا افترضنا أن هناك مؤامرات غربية وشرقية وإقليمية وإسرائيلية ضد العرب.. فإنني لست معنياً بمن خططها وحاكها ودبّرها.. ولكنني معني بمن نفّذها على الأرض العربية، ولست معنياً بالمحرض، ولكنني معني بمن استجاب للتحريض وضرب وقتل وذبح وهدم ودمّر.. لست معنياً بنظرية المؤامرة.. ولكنني معني بتطبيق النظرية.. وكل الذين ضربوا ودمروا وقتلوا ونفذوا المؤامرة عرب ومسلمون. والعرب يلومون كل العالم إلا أنفسهم. ويشمون روائح العالم الكريهة ولا يشمون أنفسهم. وكثير منهم مجرمون ويرون أنفسهم ضحايا، جناة ويرون أنفسهم مجنياً عليهم. القطار العربي المتهالك أصلاً خرج عن القضبان بعد الخريف، ولا يريد القطيع أن يفهم أن العيب ليس في السائق، ولكن العيب في القطار وفي الركاب. فلم تعد للسائق سيطرة بعد الخريف على سلوكيات الركاب، فركاب القطار العربي تحولوا إلى ميليشيات تعبث في الأبواب والنوافذ والمقاعد، وتريد أن تقود القطار وتقول للسائق: ارحل.. ارحل: السائق عاجز. السائق متخاذل.. السائق متآمر. ولا أحد يلوم الركاب الذين دمروا القطار حتى فقد أي سائق السيطرة عليه. إنها حرية المخالفة والفوضى وديمقراطية الانفلات، وأسوأ ما قيل وأراه حقاً إبان الخريف العربي إن هذا الخريف كسر حاجز الخوف، وأيضاً كان هذا يُقال بمعناه الإيجابي، بينما هو حق بمعناه السلبي، فعلاً هو كسر حاجز الحياء والخوف من الخطأ والتجاوز، هو فعلاً خلط الأوراق فصار الجاسوس ناشطاً، وصار العميل مجاهداً. فعلاً هو قتل الدهشة وفضيلة إنكار المنكر، كنا في الماضي نتحرك في الطرقات وفي جوف الليل بدول الخريف العربي في حماية المندهشين ومنكري المنكر الذين يرفضون (الحال المايل) على رأي المصريين. وبعد الخريف مات منكرو المنكر، ولم يعد الناس يندهشون أو يذهلهم الخطأ، وترى الناس الآن سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. ترى بلادة السكارى وعدم اكتراثهم، بل وهتافهم للمنكر وتصفيقهم للخطايا، وترى إجماعاً على باطل وأغلبية غبية.. وترى أمواتاً يمشون على الأرض.. وترى الناس مسجونين في حاجات بطونهم وجيوبهم، ولا تعنيهم الأوطان ولا مخططات تقسيمها، لذلك صار اللعب ضد العرب على المكشوف، لأن الناس صاروا ميليشيات على أرض واحدة، وليسوا شعوباً، فما معنى لوم السائق والمطالبة بتغييره أو رحيله إذا كان الركاب فوضويين، كل منهم يريد توجيه القطار إلى حيث يريد هواه ومزاجه ومصالحه الذاتية حتى خرج القطار العربي عن القضبان، وغامت الرؤية وفقد الناس البوصلة.. ولم يعد هناك رأي عام عربي يمكن قياسه بشأن أي قضية. ولم يعد في هذه الأمة رأي ورأي آخر، ولكنه (رغي ورغي آخر). ثرثرة وثرثرة أخرى، انطباع وانطباع آخر، هوى وهوى آخر، وزامر الحي لا يعرف الرشد من الغي! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©