الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لعبة الرغبة والعجز في التاريخ الاجتماعي

لعبة الرغبة والعجز في التاريخ الاجتماعي
24 يوليو 2008 00:24
أتساءل بصدق ما الذي جعل الكاتب والقاص محمد المر يختار مسرحية علي جناح التبريزي ليعدها من جديد باللهجة المحلية الإماراتية لكي تقدم الى الجمهور هذا العام والتي لاقت عبر أداء ممثليها الاهتمام الاستثنائي والاستقبال المفرح لما قدم هؤلاء من قدرة تمثيلية وبراعة في تقمص شخوص النص· هل كان صراع المجتمع الاقتصادي وتخيلات الوهم بين شخصيتي قفة ممثلة لطبيعة البنية الاقتصادية الموهومة، وعلي جناح التبريزي ممثلة لطبيعة بنية الوهم العابث مدعاة لاستقدام هذا النصر ممثلاً لواقع ما· هل أن التقاء طرفي المعادلة الأزلية ''جامع المال ـ قفة'' و''مبدده ـ علي التبريزي'' يظلان هاجس مجتمعات تعيش حتى هذه اللحظة إشكالية تلك المعادلة مما جعل المر يتوجه بأدواته لاستغلال هذه اللعبة التاريخية ويبني عليها مركبات النص المسرحي في حلته الجديدة· هل كان تصاحب قفة جامع المال الذي لا تشبع رغباته والذي يلتقي يوماً ما بصانع الأحلام المؤجلة ''علي جناح التبريزي'' محاولة لتهشيم قداسة المال عبر تشكيل الضد ونقيضه والمادة والرفض، فكان كل ذلك مغرياً لإعداد هذا النصر· هل ثمة صراع للمفاهيم كانت عالقة في أردان حكايات مجتمع قديم كمجتمع ألف ليلة وليلة مستمرة حتى أردان مجتمعاتنا الحاضرة لتظل هاجس المبدع والمؤلف والمعد· على أن لا ننسى الاستخدام التغريبي الذي جاء به بريخت لهذا النص في ''بونتيلو وتابعه ماتي'' الذي ظل هاجسه تحويل المألوف اليومي لكي يكون لا مألوفاً ومدعاة لنقيضه ضد النظرية الأرسطية في التطهير ''الكاثر سيز''، حيث يوسع بريخت الهوة بين الجمهور والنص بينما كان أرسطو قد ضيقها· روح النص تساؤلات تطرحها مسرحية ''علي جناح التبريزي'' التي لا تزال تستحوذ على الاهتمام اللافت من قبل النقاد والجمهور بعد أن تكررت عروضها على خشبات مسارح الدولة متنقلة في الإمارات مما جعلها مثار اهتمام ورغبة للجمهور في رؤيتها لسببين، أولاً لأنها عمل ضم نخبة من الممثلين والفنيين من أبناء الإمارات ممن برعوا في فن المسرح وأجادوا فيه، وثانياً لأنها مثلت الدولة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته هذا العام تكريماً للإمارات كضيف شرف المعرض· ويضاف الى كل ذلك أن هذا العمل قد عجن مجدداً وبلمسات ذكية كتبت باللهجة الإماراتية من قبل الأديب والقاص محمد المر مما جعلها ذات رؤى جديدة ودلالات مضافة على ما سبق أن أبدع فيها كاتبها ألفريد فرج· علي جناح التبريزي نتاج جهود مشتركة لمجلس دبي الثقافي ووزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، قدمت في أبوظبي وعلى المسرح الوطني وقد أثارت الإعجاب بكادرها التمثيلي وقدراتهم على تقمص شخوص استلوا من عمق تاريخنا العربي الثقافي· ملامح قصص ألف ليلة وليلة لا تزال لم تخفت في روح النص، وحكايات ومصائر الشخوص في عالم محكوم بالخدعة والمال والضياع والصدق والجد· عوالم غريبة لا تمت الى عالمنا من حيث هي واقعة بصلة إلا بما يكتنفها من دلالات أراد لها القاص محمد المر أن تأتي في ثنايا النص، هنا وهناك، ولكن قبل أن ندخل الى فهم طبيعة الحكاية لابد لنا أن نفهم كيفية التعامل مع الموروث الحكائي، وعليه لا بد أيضاً من أن نحدد نمطين في توظيف الموروث، الأول هو في تحويل هذا الموروث الى نص حداثي بأن نقلب النمط القديم للنص عبر استخدام نمط جديد بروح الآخر القديم، أي أن الدلالات في النمط القديم تصبح قناعاً داخل نمط جديد وربما كان هذا ''القناع'' سبيلاً أو طريقاً لسخرية من حاصر لا نستطيع أن نتحدث عنه بوضوح وكشف واضحين، أي إعادة ترتيب النمط القديم ليكون ترميزاً نخاطب به حاضرنا، أما الثاني فهو استخدام النمط القديم بحكايته وأجوائه وبنفسه كاملاً لنعيد الاشتغال عليه بحيث لا نفقده روحه الأولى وحسه المركون في عمق التاريخ، أي حكايته في ألف ليلة وليلة· العدل والحرية ألفريد فرج من أهم كتاب المسرح العربي وقد امتازت رؤاه بالطرح الجاد لقضايا العدل والحرية، وقد قدم العديد من الأعمال المسرحية التي أثرت على الحكرمة المسرحية في مصر والعالم العربي ومن أهم أعماله ''سقوط فرعون'' و''حلاق بغداد'' و''الزير سالم'' و''سليمان الحلبي'' و''علي جناح التبريزي وتابعه قفة'' و''النار والزيتون''· والمدقق لأعمال هذا المسرحي المهم يتضح له أن التاريخ يكاد يكون مصدراً مهماً وعميقاً في مجمل أعماله المسرحية، حيث لا تبقى الحكاية هكذا مركونة بالتاريخ دون أن يعيد استغلالها وفق رؤى وملامح جديدة، حاول جاداً أن يوفق بين منهجي استخدام القناع والحفاظ على روح تاريخانية النص الحكائي، فلذا تراه يضيف للنص دلالات مسرحية حاضرة بالرغم من أنك ترى تاريخاً في النص الممسرح، ومن هنا نقول إن الإضافة الجديدة للكاتب والقاص محمد المر في تحويل النص بمجمله الى اللهجة الإماراتية محاولة جديدة لإثبات أن النص يحتمل لهجات أخرى وأزمانا أخرى ودلالات أكثر عمقاً وربما يرجع بعضها الى خارج النص حيث نجد مشاركة مسرحيين من مختلف مسارح دولة الإمارات ومن أجيال مسرحية متنوعة من المخضرمين والشباب لتؤكد دلالة الاحتفال بهذا النص تحديداً كونه الإطار الذي استطاع أن يجمع الفنانين حيث يجد الشباب فرصتهم في التعلم والتطور ليقفوا أمام أساتذتهم، وعليه فإننا نجد غايتين هنا هما اندماج الشباب مع المخضرمين في مشروع مشترك ومهم عبر هذا العمل ''علي جناح التبريزي''، وثانياً قراءة نص ألفريد فرج بطريقة جديدة أضافت لها اللهجة المحلية نكهة مختلفة نتحسس منها أن حدث النص المسرحي قد استل من تاريخ المنطقة القديم بما يزخر من موروث حكائي عميق وبعيد· حركة الجسد قام بأداء الأدوار حسن يوسف بدور ''علي جناح التبريزي'' وحميد فارس بدور ''التابع قفة'' وإبراهيم سالم بدور ''صواب'' ومنصور الفيلي بدور ''الوزير'' وأمل محمد ''الأميرة'' وأشواق ''الجارية'' وعبدالله أحمد يوسف ''التاجر'' والممثل القدير عبدالله صالح ''الملك'' وعادل إبراهيم ''صاحب الخان'' وعلاء النعيمي ''الشهبندر'' وعبدالرحمن الزرعوني بدور ''المالك'' وسعيد عبدالعزيز ''الجلاد'' وأحمد مال الله ومبارك خميس وعبدالله الباهيتي وعادل خميس وجمعة سالم والسادات أحمد ويوسف الكعبي وناجي جمعة بأدوار الشحاذين وسعود عبدالله ''أحد العامة'' ومايد الصوري وحمدان حسين خليل بدور ''حارسين''· حسن رجب أخرج العمل المسرحي بطموح تحقيق مساحة من الإبداع تمثلاً لمنجز ألفريد فرج وبالفعل فإن ما قام به حسن رجب هو القدرة على التلاعب بجسد الممثل وبحركته داخل المسرح وانشغاله بملء فضائه وقد وظف إمكانات حسن يوسف ''علي جناح التبريزي'' في انخطافاته السريعة والموحية من خلال أدائه الباهر، رشاقة في حركة الجسد وتناغمه مع سرعة الحكاية واختصار ال1قبض على محورها الأساسي· الاكتساب والفقدان من المشهد الأول في بيت ''علي جناح التبريزي'' حيث يعاني من ضائقة مالية بعد أن أغدق جل ماله على ولائم أعدت للفقراء، لابد له أن يطرح فلسفته الخاصة بالحياة والمال، حينها يلتقي بقفة ذي الأسمال البالية والنقود المكنوزة تحتها فيرحلان الى مدينة أخرى ويبدد ''علي'' مال ''قفة'' على الفقراء وفق ثنائية الاكتساب/ الفقدان التي يراها قفة بينما يعكسها ''علي'' بـ ''الفقدان/ الاكتساب'' عبر زواجه بابنة الملك وتظل أموال التجار تأتي إليه طمعا بعد ان رأوا كرمه على الفقراء ولم تأت قافلته التجارية الموهومة وتتعقد القضية بأن يعلن قفة كذب الرحلة وفض الشراكة، شراكة الفقدان/ الاكتساب·· سياسة التواطؤ·· هنا نتساءل أخيراً مضيفين هذا التساؤل الى تساؤلاتنا الكثيرة·· هل كان وسيظل ''علي جناح التبريزي'' نموذجاً، بطلاً ضد هيمنة السلطة والمال، وهل يظل قفة نموذجاً لصاحب لمال الذي يظل ذليلاً تابعاً للسلطة· حتى الحاكم نفسه بالرغم من سلطته فإن المال يظل هاجسه· وكأن متلازمة المال والسلطة تظل سيمياء تاريخية· وبهذا أراد النص مقولات أخرى تكشف طبيعة الصراع بين أصحاب المال والمحرومين، بل جشع الرغبة عند أصحاب المال وضعف العجز عند المحرومين، ربما لم يكن علي جناح التبريزي بطلاً غير أنه كشف عن هذه المعادلة مبكرا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©