السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة الارتجال

صناعة الارتجال
24 سبتمبر 2009 02:25
هناك الكثير من الروايات التي ترد في المصادر العربية عن أخبار الشعراء ونوادرهم ويبدو عليها التكلف والصنعة، غير أنها تظل محتملة الوقوع وإن لم تحدث بالفعل ولا سبيل إلى التحقق من حدوثها، كما أنه لا جدوى من بذل الجهد في ذلك، فدلالتها واحدة في كلتا الحالتين، وهي ما يتمتع به هذا الشاعر من قدرات تنسب إليها النوادر، وأما يتميز به شعره من قوة وفاعلية وتأثير تدل عليه. من ذلك ما يروى عن بشار أنه قال: دعاني عُقْبة بن سَلمْ، ودعا بجماد عجرد وأعشى باهلة، فلما اجتمعنا عنده قال لنا: إنه خطر ببالي البارحة مثل يتمثله الناس: «ذهب الحمار يطلب قرنين فجاء بلا أذنين» فأخرجوه شعرا، ومن أخرجه فله خمسة آلاف درهم، وإن لم تفعلوا جلدتكم كلكم خمسمائة جلدة. فقال حماد: أجّلنا ـ أعز الله الأمير ـ شهرا، وقال الأعشى: أجّلنا أسبوعين، أصلح الله الأمير. فقال بشار: أصلح الله الأمير، قد حضرني شيء فإن أمرت قلته، فقال: قل. فقال: شطّ بسلمى عاجل البَيْنِ وجاورت أسد بني القَيْنِ ورنت النفس لها رنةً كادت لها تنشقّ نصفين يا ابنة من لا أشتهي ذكره أخشى عليه عُلَق الشَّـيْنِ والله لو ألقاك ـ لا أتقي عينــــــا ـ لقبلتــــك ألفـــين طالبتها ديني فراغت به وعلقت قلبي مع الدَّيْنِ فصرت كالعير غدا طالبا قرنا فلم يرجع بأذنين قال: فانصرف بشار بالجائزة». ومظاهر التكلف على هذه الرواية واضحة، فليس من الطبيعي عند الأمراء، حتى ولو كانوا مولعين بالشعر أن يحضروا الشعراء ويفرضوا عليهم النظم في معنى محدد متوعدين لهم بالجلد، ومع ما عرفنا من هيبة الشعراء الكبار وتخويفهم للجميع بسلاح الهجاء، ثم إن لهجة الازدراء والتهديد ليست معقولة، وكل ما هناك أن الرواية تريد أن تثبت سرعة بديهة بشار وذكاءه وقدرته على التفوق في الارتجال ضد حماد عجرد وأعشى باهلة. أما الرواية المتكلفة الأخرى التي تريد إدانة بشار والتدليل على شدة تأثير شعره السيئ في المتلقين وخطورة أبياته على أخلاق المجتمع، فهي التي تحكي أن أحد الشعراء قال: «أتيت بشار الأعمى وبين يديه مائتا دينار، فقال لي: خذ منها ما تشاء، أو تدري ما سببها؟ قال: لا، قال: جاءني فتى فقال لي: أنت بشار؟ فقلت نعم، فقال: إني آليت أن أدفع لك مائتي دينار، وذلك أنني عشقت امرأة، فجئت إليها، فكلمتها فلم تلتفت إليّ فهممت أن أتركها فذكرت قولك: لا يوئسنّك من مخبَّأة قول تغلطه وإن جرحا عسر النساء إلى مياسرة والصعب يمكن بعدما جمحا فعدت إليها فلازمتها حتى بلغت منها حاجتي». ومظاهر التلفيق في هذه الرواية واضحة أيضاً، فهي أشبه بالمشهد القصصي المتخيل عن تأثير شعر بشار في إفساد أخلاق المحصنات، وهي تهمة كانت تخفي العداوات السياسية ضده؛ لأن عرضه للمال غير منطقي، وحكاية الفتى العاشق لا تدعوه للسؤال عن الشاعر وإجازته بالمال. بل هي في أغلب الظن رواية مختلفة يقصد بها التدليل على غواية الشعر والتحذير من خطورته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©