الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات على وقع صليل السيوف

حكايات على وقع صليل السيوف
24 سبتمبر 2009 02:22
من الغرابة حقاً أن طه حسين قد أطلق على كتاب مذكراته الشهير اسم «الأيام» وتتأتى تلك الغرابة من سببين هما، أولاً لأنه التجأ بتسميته تلك إلى الوصف الزماني في العنوان وأغلب كتاب السير يلتجئون إلى العناوين الموصوفة مكانياً، وربما نسوغ له اختيار اسم «الأيام» عنواناً لسيرته لسبب بسيط، كونه أعمى لم يشاهد المكان ولم يتفرس في ملامحه، أما السبب الثاني فهو الأغرب حقاً حيث طابق طه حسين بين أيامه وأيام العرب التي تطلقها تسمية على تواريخ حروبهم، أو الشؤم الذي اتصفت به أيام تلك الحروب، وكأن طه حسين يصف أيامه بالشؤم والموت. «الأيام» تاريخ وأخبار معارك العرب في الجاهلية، وما جرى فيها وأسبابها وما رافقها من شعر وحكايات وقصص مثيرة، تناولتها الكتب فأصبحت عناوين لمتونها إما إفراداً وهو ما ألف عن يوم واحد من حروب العرب كيوم الكلاب ويوسف سيف أو جمعاً كما جاء في كتب «الأيام» لهشام بن محمد الكلبي «ت. 204م» الصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بتحقيق وتقديم الباحث والشاعر الإماراتي أحمد محمد عبيد الذي نحن بصدد الحديث عنه، هذا بالإضافة إلى «الأيام» لحماد الراوية و»أيام بني مازن وأخبارهم» لأبي عبيدة معمر بن المثنى و»الأيام الصغيرة» لابن المثنى أيضاً وبه 75 يوماً و»الأيام» للحسين بن أحمد الهمذاني، و»أيام جهينة» لمؤلف مجهول و»أيام العرب» لأبي الأصفهاني وفيه 70 يوماً. المتداول المعرفي كتاب «الأيام» لهشام بن محمد الكلبي ضم 23 يوماً قسمت إلى 16 يوماً للعرب جميعاً في الجزيرة العربية وهي «يوم البردان» و»يوم الكلاب الأول» و»يوم مقتل حجر» و»يوم عين اباغ» و»أيام السلان والكلاب وذي أراط وثنية الجبلين وخزازي» و»حرب البسوس» و»يوسف السلف» و»يوم قضيب» و»يوم اوارة» و»يوم مقتل عمرو بن هند» و»يوم الصفقة (المشقر)» و»يوم الكلاب الثاني» و»يوم الرقم» و»يوم ثيل» و»يوم قيسبة» و»وقعة ذي قار». أما أيام الأوس والخزرج فهي 7 تكمل أيام العرب وهي «حرب سمير» و»يوم خطمة» و»يوم الدرك» و»يوما الفضاء والربيع» و»يوم السرارة» و»يوم بعاث» و»يوم البويلة». وهذه المرويات ليست جديدة على المتداول المعرفي العربي في الجزيرة العربية أو لنقل بشكل آخر أن ابن الكلبي ليس هو أول من أتى بها بل هي متداولة في قراطيس العرب ومحفوظة في قلوبهم، ولكن فضيلة ابن الكلبي أنه نقلها أولاً من الشفاه وقارن بينها في القراطيس وأضاف لها ما سقط في يديه شعراً أو نثراً أو تعديلاً في الحكاية الأصل المروية. ولو دققنا النظر ملياً لوجدنا أن ابن الكلبي استخدم ما جاء عن العرب بخصوص التسميات التي أطلقها هؤلاء على نزاعاتهم فاستخدموا 3 مصطلحات وهي أولاً الحرب مثل «حرب البسوس وحرب سمير» وثانياً الوقعة مثل «وقعة ذي قار» وثالثاً «اليوم» مثل «يوم البردان ويوم الكلاب الأول ويوم مقتل حجر.. الخ». أما تفسير كلمة «وقعة» فهو حصول الأمر الذي لا راد له وهو أمر جلل وخطب، وفيه مبالغة بالقتال وبالاتفاق مع المعاجم فإنها أطلقته على المصادمة في الحرب أو النازلة من صنوف الدهر أو القيامة لأنها تقع في الخلق وتغشاهم. أما تفسير كلمة «حرب» فهي السلب وترك الرجل بلاشيء وتدمج الكلمتان معاً فيقال «وقعت بينهم الحرب» وهي مؤنثة في الغالب وسبب تأنيثها لأنها مغرية، مؤدية للتهلكة، وقيل قد تذكر وهو نادر ويأتي تصغيرها «حُريب» للاستهزاء بالأمر الذي لا يكون فيه خطب كبير، وصيغ منها «الحراب» و»الحربة» وهي آلة قصيرة تستخدم في القتال من دون الرمح طولاً. والكلمة الثالثة «اليوم» وتفسيرها لغة «الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس» وهو الزمن الذي يقوم فيه العربي بالقتال ولا يتقاتل العربي ليلاً إلا نادراً كما حدث في حرب البسوس في «ليلة اللمم» حيث حلق العرب رؤوسهم كي يعرف بعضهم بعضاً ليلاً، ومرد ذلك إلى أن الليل يختلط فيه المحاربون فلا يعرف أحدهم الآخر بسبب الظلمة التي تحجب الرؤية أما النهار فالأمر غير ذلك، إذ كل شيء مكشوف. الشعر العربي حافظ ابن الكلبي على التسميات تلك، التي أطلقها العرب ولم يعط تفسيراً لأسباب تسميتها بالحرب واليوم والوقعة، وربما نعطي نحن تفسيراً قد يتفق معنا القارئ أو لا يتفق في أن لفظة «اليوم» مشابهة مع النهار الذي تجري فيه القتال أما الحرب فهي الاسم الأكثر جللاً لقتال طويل لا نهاية له، أو لنقل قتالاً كبيراً في حجمه وعدته، حتى أن الحرب ضمّت أياماً وكأن الأيام أجزاء من الحرب، أما الوقعة فأظنها القتال بين جيشين والأول على ذلك توصيف العرب فيما بعد «وقعة عمورية» كما ورد في الشعر العربي»يا يوم وقعة عمورية انصرفت ..» في مقدمة الشاعر الباحث أحمد محمد عبيد جهد التقصي والمتابعة وخاصة لو عرفنا أن ابن الكلبي ألّف كتباً عديدة في الأيام والحروب التي خاضها العرب في جاهليتهم وكما يقول: «لقد فقدت هذه الكتب»، فكان رأيه أن يجمع ما تبقى من مرويات ابن الكلبي حول الأيام وتحقيقها في كتاب مستقل». ابن الكلبي كوفي حمل علماً غزيراً، فتبحّر في البحث والتأليف في أخبار العرب ومقالبها ونسبها، وهو غزير التأليف في هذه الموضوعات، وبالطبع كان هناك من يخالفه في كثير من الأمور لأن تلك الأمور تعتمد على الحفظ والسمع أولاً. قال عنه يحيى بن معين شاكاً بمروياته «انه غير ثقة وليس عن مثله يروى الحديث». وقال أحمد بن حنبل أيضاً: «هشام بن محمد من يحدث عنه؟ إنما هو صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدث عنه». ويعقب أحمد محمد عبيد «وربما كان الحق معهم لأنهم لم يجدوا فيه الصفات الواجب توافرها في عالم الحديث، لأنه كان يأتي بالحديث على طريقة أهل الأخبار حتى وإن كانت هذه الأحاديث صحيحة». دائرة الصدقية وبلا شك أن رأي أحمد محمد عبيد هذا يضعه في دائرة الصدقية في التحليل كونه يورد آراء من يفهمون ابن الكلبي ولم يتعاطف مع الذي يكتب عنه ويدافع عنه صاحبه ابن الكلبي بالوقت نفسه كونه أي ابن الكلبي يخلط بين رواية الحديث النبوي التي لابد من احتياجها لسند يوثق المتن وبين أسلوب أهل الأخبار. يقول أحمد محمد عبيد إن «ابن الكلبي قد وجد معارضين من أهل الأخبار والأدب أيضاً» متفقاً مع الدكتور جواد علي على مواطن ضعف ابن الكلبي والتي يتصف بها الاخباريون عامة وهي سرعة التصديق ورواية الخبر على علاقة من دون نقد أو تمحيص. اختلاف الأخبار ويوعز أيضاً أمراً ثالثاً هو نسبة اختلاق الأخبار ورواية الأخبار والعجائب التي لا أصول لها إلى ابن الكلبي، حيث كان أبو فرج الأصفهاني من أكثر ناقديه معلقاً على بعض رواياته «وهذا من أكاذيب ابن الكلبي». كان ابن الكلبي غزير التأليف في الأنساب والبلدان والأسماء والشعر والشعراء والمنافرات والبيوتات والمآثر وأخبار الجاهلية والإسلام وقيل أن كتبه بلغت 150 كتاباً وقد فقدت ولم يبق منها إلا القليل. كتاب «الأيام» لابن الكلبي قيمة علمية لأنه تفرد بأيام لم ينقلها غيره بينما اشترك بأيام أخرى مع كتاب «الأيام» لأبي عبيدة معمر بن المثنى، ولكن حتى الأيام التي انفرد بها ابن الكلبي فلابد أنها مروية من لسان آخر وبخاصة عالم جليل كأبيه محمد بن السائب الكلبي الذي كان المصدر الأول لأبي عبيدة وابن الكلبي معاً. ذلك هو كتاب «الأيام» من وجوه كثيرة. ? الكتاب: الأيام ? المؤلف: هشام بن محمد الكلبي ? الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©