الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا الوسطى: ميلاد هوية جديدة!

أوروبا الوسطى: ميلاد هوية جديدة!
24 سبتمبر 2009 02:04
بالنسبة لأتيلا فيرش، ترمز الأشجار المصطفة على طول الطريق الريفية الضيقة الرابطة بين «سوبرون» وبلدة «سانت مارجريتن» النمساوية، إلى كل ما عاشته ومرت به هذه البلدة خلال القرن الماضي. فالطريق المعبّدة حديثاً، والتي أعيد فتحها قبل أشهر قليلة، كانت الطريق الرئيسية الرابطة بين سوبرون والعاصمة السلوفاكية براتيسلافيا خلال الفترة التي كانت فيها هنغاريا والنمسا وسلوفاكيا جزءاً من الإمبراطورية النمساوية- الهنغارية. لكنها حين أُغلقت في عام 1948 بواسطة البوابات والأسلاك الشائكة، لم تعد شيئاً أكثر من طريق مهجورة على جانبيها تصطف أشجار التوت الفارعة. ويقول فيرش، الحارس الغابوي، وهو يقود سيارته عبر الحدود غير المراقبة إلى داخل الأراضي النمساوية: «لقد زُرعت هذه الأشجار قبل الحرب العالمية الأولى، لكنها صمدت بعد انهيار إمبراطورية، وحربين عالميتين، والحرب الباردة»، مضيفاً: «واليوم، يمكننا قيادة السيارة بينها من جديد، عبر كل المنطقة، وهو ما يمنحني شعوراً بالرضا لأنه لم تعد ثمة حدود مفروضة علينا الآن». والواقع أن القرن العشرين شهد فرض عدة حدود على سوبرون. ذلك أنه عندما فُككت الإمبراطورية النمساوية- الهنغارية بعد الحرب العالمية الثانية، عزلت الحدودُ الجديدةُ المدينةَ عن المناطق المجاورة لها، وحاصرها «الجدار الحديدي» من ثلاثة جوانب خلال الحرب الباردة، فقطع الطرقَ والتجارة والاتصالات بين الجيران والأصدقاء والأقارب. ولكن «الجدار الحديدي» سقط اليوم؛ ومنذ نهاية 2007، سقطت الحدود أيضاً. ونتيجة لذلك، بدأت المدن والبلدات عبر أوروبا الوسطى تتعافى معاً بعد أن انتفت الحدود من جديد عبر مناطق واسعة من إمبراطورية هابزبرج القديمة، وهي أراض وسط أوروبا الأسطورية، وذلك بعد 90 عاماً على تفككك المنطقة وتحولها إلى فسيفساء من الدول-الأمم المتنافسة. وفي هذا الإطار يقول بافول ديميس، مدير المكتب الإقليمي لـ «صندوق مارشال» الألماني في براتيسلافا، والتي كانت مقطوعة ومعزولة عن الضواحي الجنوبية خلال القرن العشرين: «إن فكرة هوية أوروبا الوسطى أخذت تتقوى من جديد... وهناك فضاء حضاري يتم إحياؤه من جديد اليوم». واليوم، وبعد عامين على انضمام هنغاريا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك وخمسة بلدان أخرى من أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي، بدأ سكان المناطق الحدودية بين الشرق والغرب يعيشون حياة جديدة يستطيعون فيها التنقل بين بلدان المنطقة، على غرار ما كان يفعله أسلافهم. فمثلا، يمتد نظام الحافلات في براتيسلافا اليوم بعمق ستة أميال إلى داخل النمسا، حيث ينقل آلاف السلوفاكيين الذين يقومون برحلات مكوكية من بلدات نمساوية، مثل هاينبرج وولفستال، حيث أسعار المنازل أرخص؛ بينما يسافر مئات السلوفاكيين بشكل دوري في الاتجاه الآخر قصد التسوق في المراكز التجارية النمساوية حيث الأسعار أرخص، أو من أجل العمل في المتاجر والمطاعم. كما تحول مطار فيينا إلى قطب جوي إقليمي، وهو الذي لا يبعد إلا رحلة قصيرة بالسيارة عن معظم مناطق جمهورية التشيك وسلوفاكيا وهنغاريا، حيث يقوم النمساويون بزيارة خبراء التجميل وأطباء الأسنان وأطباء جراحة التجميل في سوبرون، والذين يروجون لخدماتهم في إعلانات باللغة الألمانية ويعرضونها على الزبائن بأسعار تنافسية. وفي هذا السياق، تقول البرلمانية السويدية فالبورا هابزبرج دوجلاس، «دوقة النمسا» وابنة من كان من المفترض أن يصبح الإمبراطور النمساوي- الهنغاري، إن «الناس اليوم يرون أنه أمر طبيعي تماماً ألا تكون ثمة حدود بين بلدان المنطقة... لقد بدأ الاهتمام العام يتجه إلى العلاقات الثقافية التاريخية والثقافية الأعمق، لكن ذلك سيستغرق وقتاً». واليوم يحتفل سكان مناطق هابزبرج السابقة الواقعة والمحاذية لـ «الستار الحديدي» بميلاد أوروبا الوسطى الجديد؛ غير أنك حين تبتعد عن الحدود، تجد أن الناس يشككون في صعود جديد لهذه الهوية الإقليمية، بل حتى وجودها. ومن بين المتشككين عالم الاجتماع راديم ارادا، الذي يعيش في بلدة برنو التشيكية، حيث هندسة ومعمار كاتدرائيتها يذكّران بنظيرتها في فيينا، إذ يقول: «إنه شيء جيد بالنسبة لنا أن نتظاهر بأن أوروبا الوسطى حية لأننا نستطيع استغلال ذلك في الإعلانات والقول إننا قلب أوروبا»، لافتاً إلى أن جريجر مندل قام باكتشافاته الريادية في مجال الجينات في برنو، وبأن فرويد وُلد في بريبور المجاورة، بينما وُلد كافكا في براغ؛ قبل أن يضيف قائلا: «لقد كان هذا مكاناً يعج بالحيوية والنشاط، لكن ذلك ذهب». ومن جانبه، يجادل وزير الخارجية الهنغاري الأسبق جيزا جيزينسكي بأن هوية أوروبا الوسطى كانت أقوى في المنطقة إبان الشيوعية، إذ يقول: «في الثمانينيات، كان ثمة ذاك الادعاء بأننا لسنا جزءاً من أوروبا الشرقية، فكرة انتشرت بين المثقفين والمنشقين مؤداها أننا جزء من مكان آخر يدعى أوروبا الوسطى»، مضيفاً: «أما اليوم، فإن تلك الفكرة لم تمت تماماً، لكنها باتت أقل قوة وحضوراً». كولن ودارد - المجر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©