الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام أساسه المحبة والقرآن حث على الإصلاح بين المتخاصمين

الإسلام أساسه المحبة والقرآن حث على الإصلاح بين المتخاصمين
28 مارس 2013 20:45
الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، «سورة النساء الآية 114». ذكر الإمام ابن كثير في تفسير الآية السابقة: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ) يعني كلام الناس (إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) أي إلا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردوية عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «كلام ابن آدم كلّه عليه لا له إلا ذكر الله عز وجل؛ أو أمر بمعروف؛ أو نهي عن منكر»، وفي الحديث: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً؛ أو يقول خيراً»، وقال الإمام أحمد عن أبي الدرداء قال، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة»، قالوا بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين»، قال: «وفساد ذات البين هي الحالقة» ورواه أبو داود والترمذي، (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ) أي مخلصاً في ذلك محتسباً ثواب ذلك عند الله عز وجل (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) أي ثواباً جزيلاً كثيراً واسعاً»، (مختصر تفسير ابن كثير للصابوني 1/437). إن إصلاح ذات البين من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى، فالإصلاح عمل جليل وخلق كريم يحبه الله ورسوله، وديننا الإسلامي يحث دائماً على ضرورة الإصلاح بين المتخاصمين، كما يحرص على جمع شمل الأمة، وإزالة الخلافات بين أفراد المجتمع، فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذَلِكَ، فَقَالَ: «اذْهَبُوا بنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ»، (أخرجه البخاري). هذا هو المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، مجتمع حب وود، ومروءة وخير، مجتمع متماسك البنيان، متوحد الصفوف والأهداف، كما قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)، «سورة الفتح الآية 29». الإصلاح لقد حَثَّ القرآن الكريم على وجوب الإصلاح بين المتخاصمين في آيات كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، «سورة الأنفال الآية 1»، وقوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، «سورة الحجرات الآية 9»، وقوله أيضا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، «سورة الحجرات الآية 10» وقوله أيضاً: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، «سورة النساء الآية 128». كما وحثت السنة النبوية الشريفة على ذلك في مواضع كثيرة، فقد ورد عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلا أُخْبرُكُمْ بأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ»، (أخرجه أبو داود)، كما قال رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضاً: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا»، (أخرجه البخاري). وهي وصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- إلى أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- عندما كتب له: «الصُّلْحَ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلالاً». المحبة والإخاء من المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف حرص على تقوية الصلات بين المسلمين، لأنهم أخوة كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، لهذا أمرهم القرآن الكريم بالوحدة في ظلال عقيدتهم، ونهاهم عن التنازع، لأنه يُصَدِّع الوحدة وَيُضعف القوة، ويقطع روابط الإخاء، كما في قوله تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابرِينَ)، «سورة الأنفال الآية 46»، فالمجتمع الإسلامي مجتمع متماسك ومتعاون، مجتمع مبنيٌ على الأخوة والمحبة، فالمسلم لا يعرف الحقد على أخيه المسلم، بل يحمل في قلبه كلّ وُدٍّ ومحبة وإخاء لجميع إخوانه في الدين والعقيدة، فهم كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في قوله: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، «سورة الحشر الآية 10». لذلك، فإننا نجد إذا وقع أي خلاف بين المسلم وأخيه المسلم، فإن الصلة بينهم لا تنتهي، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، كما جاء في الحديث الشريف: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، (أخرجه البخاري)، وقوله- صلى الله عليه وسلم- أيضاً: «لا يَحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فَيُعرِض هذا وَيُعرِض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، (أخرجه مسلم)، وقوله- صلى الله عليه وسلم- أيضاً: «تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فَيُغفر لكلِّ عبد لا يُشرك بالله شيئاً، إلا رجلٌ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فَيُقال أَنْظِروا هذين حتى يَصْطلحا، أَنْظِروا هذين حتى يَصْطلحا، أَنْظِروا هذين حتى يَصْطلحا»، (أخرجه مسلم). لقد حصل مرة بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم-أن نشأت بين بعض الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- مشادة كلامية، سُمِعَ منها ارتفاع الصوت، فأخرجت أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها- يدها الطاهرة من الحجرة، وأخذت تقول لهم: إن نبيكم يكره التفرّق، ثم تلت عليهم قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)، «سورة الأنعام الآية 159»، وتعني أن الخصام أساس الفرقة، والفرقة أساس البلاء، ولله در القائل: كونوا جميعـاً يا بني إذا اعتـرى خطـــب ولا تتفرقـــوا أفـــرادا تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقــن تكســرت آحــادا دع للصلح موضعاً ورد في كتب السيرة والتاريخ أن رجلاً شتم أبا ذر الغفاري- رضي الله عنه-، فقال له أبو ذر: «يا هذا، لا تستغرق في شتمنا ودع للصلح موضعاً، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه، فهدأ الرجل وكف عن الشتم». هذا الموقف يدل دلالة واضحة على حُسْنِ خُلُقِ المسلم في تعامله مع الآخرين، فهو لا يقابل الإساءة بالإساءة امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، «سورة فصلت الآية 34»، وقوله- صلى الله عليه وسلم- «اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخُلُقٍ حسن»، (أخرجه الترمذي)، فالمسلم ملتزم بهدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ونتيجة لهذا الموقف الكريم من الصحابي الجليل أبي ذر- رضي الله عنه- هدأ هذا الرجل الذي كان قبل لحظات يسبّ ويشتم، فَكَفَّ عن شتمه، وتحول الأمر من الحقد والبغضاء إلى المحبة والإخاء، وهذه حقيقة قرآنية كما قال تعالى: (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، «سورة فصلت الآية 34». الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©