الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

زياد العناني شاعر خمش الكون بمخلب النُّطق

زياد العناني شاعر خمش الكون بمخلب النُّطق
10 يوليو 2016 12:01
محمد عريقات (عمان) ولد الشاعر زياد العناني في مدينة ناعور قرب العاصمة الأردنية عمان العام 1962، عمل موظفاً حكومياً ثم صحفياً في عدة مؤسسات صحفية أردنية، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وكحال الكثير من الشعراء تبرأ العناني من مجموعته الشعرية الأولى التي جاءت تحت عنوان «إرهاصات من ناعور» توقف بعدها فترة عن النشر حتى عاد مطلع تسعينيات القرن المنصرم بعاصفته الشعرية «خزانة الأسف» التي لفتت الأنظار إليه كشاعر مجدد ومختلف، وتتالت بعدها الإصدارات: «في الماء دائماً وأرسم الصور»، «كمائن طويلة الأجل»، «مرضى بطول البال»، «تسمية الدموع»، «شمس قليلة»، و«زهو الفاعل». علاقتي بزياد العناني الإنسان لا تعود إلى يوم وتاريخ بعينه أستنهضه من الذاكرة. ففي كل لقاء كانت تنشأ بيني وبينه علاقة جديدة، ألتقيه وأفارقه مأخوذاً بالدهشة نفسها التي اصطحبتني في لقائي الأول به في العام 2004 على هامش أمسية شعرية له. قبل تلك الأمسية كانت علاقتي مع قصيدة زياد، لا مع زياد نفسه، فكثيراً ما كنت أسرد له قصة «سرقتي» لمجموعاته الشعرية من مكتبات الأصدقاء، وعكوفي على قراءتها، وكيف كان لتلك المجموعات الأثر الكبير وغير المباشر في نسف مفهومي للشعر والقصيدة، فمن مجموعته الأولى إلى الأخيرة، وأنا أمرّن نظرتي لتكون متأمّلة ومتألّمة، وأسنّ حرفي ليكون «مخلبَ النُّطق الذي يخدش وجه الكون»- تعبيره الأثير- قبل النزول عن خشبة الحياة. في كل مرّة كنت أقرأ قصائده كنت أمزق ما كتبت قائلاً لنفسي: سأبدأ من جديد، حتى أصبح مصير ما أكتبه في سلة المهملات. عندها توقفتُ عن قراءته، ظننت أنني تعافيت من فخّهِ وبدأت أكتب آملاً ببلوغ قصيدة مؤثرة، لا جميلة فحسب. إلى أن التقيت العناني، وحدثته عن كل ما فعلته قصائده بنصوصي، فضحك بخجلٍ وتهرّبٍ قائلاً لي: اكتب. فكتبت، وكانت مجموعتي الأولى، «أرمل السكينة»، التي رافقني طيلة إعدادي لها. نصير الشعراء الشباب اقترب العناني من الشعراء الشباب أفكاراً وإنتاجاً، وقد رأى بذرة المختلف والجديد في كتاباتهم، فاطمأن لبعضها ويئس من الآخر. أما هم فاقتربوا منه واستمدوا طاقاتهم في الحياة وفي الكتابة من سلوكه الشعري والإنساني، فزياد لم يكُن مُنظّراً من علٍ بقدر ما كان واحداً من شعراء هذا الجيل. وما قدمه العناني من حرص على الشعراء الشباب دفع بهم إلى القلق والاهتمام بطريقة مضاعفة بما يكتبون وينشرون، وإلى العمل بدأبٍ على نصوصِهم وتطويرها من مرحلة إلى أخرى، بجدية وانتباه. كان من نتاج هذا الاهتمام ظهور أصوات شعرية جديدة التفت إليها شعراء الجيل السابق، الجيل الذي غض الطرف طويلاً عنها، فصارت تُقرأ قصائدها في الملاحق والمجلات التي كانت حكراً على شعراءٍ من ذوي «الأسماء الكُبرى»، وصارت تُقرأ مقالاتها النقدية في الشعر ونشاطاته. لم ولن ننسى نحن شعراء هذا الجيل المعارك المباشرة التي كان يخوضها العناني مع أبناء جيله في الدفاع عنا، أو ما كتبه عنا في الصحف، وأستشهد هنا بمقالته «شعراء الألفية الثالثة»، التي قال فيها: «لا أريد أن أمدح قصائد هذا الجيل الجديدة ونقول إنها قامت على أنقاض قصائد كثيرة لمجرد أن يواصل المرء ثناءه، بقدر ما نريد أن نلفت إلى تجارب ليست قاصرة ولم تنهض لمدح أو إرضاء جهة أو عرف، بل نهضت على اقتناص المؤلم وعلى فهم جمالي يتخطى حدود الهلوسة». زياد يحدق في وحدته منذ أن أصيب العناني بجلطة دماغية العام 2011 وهو يحدق في وحدته الجبرية، لا يخترق تلك الوحدة سوى صديق أو اثنين يشاركونه الغناء والذكريات، وإلى جانبه مخطوط مجموعة شعرية لم يمهله المرض أن يذهب بها إلى ناشره بقيت حبيسة أدراجه، وكانت عائلته قد صرحت لي ولصديقه نادر الرنتيسي في زيارتنا الأخيرة له عن رغبة زياد في إصدارها، ولكن الأمر يتعثر دون أسباب واضحة، وأن المخطوط في حوزة أحد أصدقائه من الشعراء المقربين الذي لم يعد يجيب على اتصالاتهم المتكررة بشأن الديوان. زياد الذي توقف بملء إرادته عن كتابة الشعر بعد مرضه خذله الكثيرون من الندامى والأصدقاء بدءاً بإهمال مخطوطته التي جاءت تحت عنوان مؤقت «تلويحة الغرقى»، وصولاً إلى الإهمال الذي عاناه ولا يزال من قبل الصحيفة التي عمل بها والتي طالبته بتقديم استقالته وهو لا يزال في غيبوبته على سرير المرض، ومن قبل وزارة الثقافة ورابطة الكتاب الذي أجاب رئيسها آنذاك رداً على اتهام الرابطة بالتقصير: «ما يحتاجه زياد منا هو بالضبط ما نحتاجه منه، فعليه أولاً أن يسمع صوتنا ويعود إلينا فالحياة إرادة».. هكذا يخاطب رجلاً تعطل نصفه الأيمن وقضمت الغرغرينا ساقه بأكملها !. لزياد العناني منا تحية كبيرة، تحية تليق بشاعر مجروح بالكون، شاعر متوهّج الدمعة والقصيدة المقطوفة من أقاصي الشعر الصافي، قارئ ألم البشرية ببصيرة وأخوة نادرتَين. كلّهم تخلّوا عنه الصحيفة التي عمل بها طالبته بتقديم استقالته وهو لا يزال في غيبوبته على سرير المرض ورئيس رابطة الكتاب أجاب رداً على اتهام الرابطة بالتقصير: «ما يحتاجه زياد منا هو بالضبط ما نحتاجه منه، فعليه أولاً أن يسمع صوتنا ويعود إلينا فالحياة إرادة».. هكذا يخاطب رجلاً تعطل نصفه الأيمن وقضمت الغرغرينا ساقه بأكملها !.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©