الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شمعون بيريز يحتفي بأدب الأقليات العربي!

شمعون بيريز يحتفي بأدب الأقليات العربي!
26 مايو 2010 20:24
أقام “رئيس دولة إسرائيل” شمعون بيريز، الذي أعلن مسؤوليته التاريخية عن مجزرة قانا 1996 على الملأ غداة ارتكابها، فضلا عن دوره التاريخي في التنكيل بالفلسطينيين عبر تاريخه الطويل، منتدى ثقافي من أجل “الاحتفاء بالأدب العربي” حيث شارك في هذه “الاحتفالية” ثلاثة “شعراء فلسطينيون” هم، بحسب موقع بانيت الناصري مزودا بالصور، نداء خوري، الحائزة سابقا جائزة الدولة العبرية للأدب العربي بوصفه أدب “أقلية!”، والدكتور فاروق مواسي، والدكتور نعيم عرايدي عضو حزب الليكود ومدير مكتب رئيس الحكومة الأسبق آرييل شارون للشؤون العربية آنئذٍ. لقد قرأ ثلاثتهم “شعرا” بين يديه وفي ظلال العلم الإسرائيلي. هذا الإفراط في الإسفاف والوقاحة، والمقصود بهذا التوصيف هو أكثر من ذلك بكثير، ليس أمرا، فكل منهم قد اختار، وكل منهم سوف يواجه ضميره الخاص ومصيره الخاص والعام يوما ما لصمته بينما هو يستمع للتنكيل الذي تعرضت له اللغة العربية على أيدي ولسان “مثقف” صهيوني من طراز بيريز في حين لم يتفوه أي منهم بكلمة تشبه، أو تكاد تكون، ردا حضاريا موازيا، أقلها، في شأن اللغة التي يكتب بها إبداعه الخاص، وبشأن اللغة العبرية الراهنة التي هي صنيعة علم النحو والصرف العربي. لكن ما حدث بعد أيام، أي مطلع هذا الشهر هو الأمر الجدير بالتوقف عنده بالفعل، ففي حين كان يجري إغلاق المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الشرقية ويجري طرد مثقفين فلسطينيين وعالميين منه، كان الروائي الأميركي بول أوستر، أحد أهم الروائيين الأميركان في اللحظة الراهنة وصاحب “ثلاثية نيويورك” و”بلاد الأشياء الأخيرة”، يقرأ إلى جوار أسوار القدس القديمة صحبة صديقه القديم الروائي الإسرائيلي ديفيد غروسمان، الذي يوصف عادة بأنه الفتى المدلل في الغرب. غير أن هذه المفارقة الثقافية العجيبة لم تكن قد بدأت من هنا، ففي حين كان بول أوستر يصل إلى دولة الاحتلال للمشاركة في الدورة الثانية لمهرجان يدعى مهرجان الفنون الجديدة ـ ورد اسمه أيضا ضمن مهرجان الكتّاب في موقع جريدة “جيروسالم بوست” الناطقة بالانجليزية ـ كانت أهداف سويف بصحبة كتّاب عالميين، أو كتّاب من دول العالم الثالث لكنهم معروفون عالميا، تصل إلى رام الله ومن بين الذين وصلوا معها شاعر انجليزي كان يوما ما جنديا إسرائيليا وشاعرا إسرائيليا ويكتب بالعبرية ثم ترك المشروع الصهيوني كله ليعود إلى الأرض ذاتها متضامنا مع الألم الفلسطيني الذي كان شاهد عيان عليه ويعرفه جيدا وليقرأ بالانجليزية. والفكرة الأساسية هنا أنه لما تمّ الإعلان عن القدس عاصمة للثقافة العربية العام الماضي، تداعت عدة مؤسسات فلسطينية معنية بالشأن الثقافي لمواجهة أمرين: العجز الفلسطيني الراهن عن خلق خطاب ثقافي مواز لهجمة الاحتلال والتهويد غير المسبوقة لمدينة القدس، وضرورة نقل ما يجري في القدس إلى العالم عبر تواجد ثقافي عالمي قادر على إحراج دولة الاحتلال في الغرب فعلا. وما حدث لم يتوقف عند إغلاق المسرح الوطني الفلسطيني أو نسف ومصادرة خمسة عشر بيتا بمناسبة السيد أوستر وبمناسبة ضميره المثقف، بل دفعت بلدية القدس باتجاه قيام مهرجان آخر مواز بهدف تفريغ أي فعل ثقافي فلسطيني من أي مضمون، وبادرت بسرعة كبيرة إلى إقامة مهرجان الفنون الجديدة الذي يتكئ في دعواته للشخصيات الثقافية العالمية بناء على علاقاتهم بمثقفي دولة الاحتلال من مثل عاموس عوز وا. ب. يهوشواع وديفيد غروسمان وربما ذلك الكاتب متوسط القيمة والموهبة إيلي عمير أيضا، هو الذي شارك في احتفائية بيريز بالأدب العربي!. هكذا حضر بول أوستر إلى الأسوار القديمة ليقرأ من شعره ومن نثره. ثم لينتهز الحوارات واللقاءات فيعزز من صداقاته القديمة مؤكدا للصحافة العبرية أنها صداقات محضة وخالصة لوجه الصداقة، وأن الأصدقاء عندما يلتقون فإنهم لا يتحدثون في الأدب بل في شؤون أخرى عائلية!. فيما الهدف من المهرجان هو “وضع القدس على الخريطة الثقافية العالمية بوصفها عاصمة أبدية لإسرائيل” بحسب ما ذكر مدير المهرجان نفسه. بالمقابل لجأ الفلسطينيون إلى التقنيات الحديثة لحشد جهد مواز، مثل تقنية البث المباشر عبر الشاشات أو الفيديو، ولينقلوا إلى العالم عبر المواقع الإلكترونية ما يجري من أحداث في مهرجانهم الذي دعوه بمهرجان الأدب الفلسطيني. الغريب في الأمر أن ما من أحد تداول هذا الأمر في الصحافة العربية حتى الآن على الرغم من أن المهرجانين قد بدءا في الوقت نفسه، تقريبا، وانتهيا في الوقت نفسه، بدءا من الثالث من هذا الشهر وحتى السادس منه، باستثناء البعض من المواقع الإلكترونية في فلسطين 1948. اعتنى الفلسطينيون بالمواقع الأكاديمية، فأخذوا ضيوفهم إلى جامعاتهم التاريخية التي غالبا ما كانت، لرفعة سويتها، محط تنكيل الاحتلال، فذهبوا إلى جامعة النجاح الوطنية في نابلس والتقوا طلابا من كافة الاتجاهات، لكن جلّ خطابهم كان تضامنيا، وكم هو مثير للمشاعر أن تكشف كاتبة وناشرة من الهند عن مشاعرها الشخصية أثناء ما كانت في فلسطين وما رأته هي بعينها. في الطرف الآخر، وربما يصح التعبير: في المقلب الآخر من العالم، كان كتّاب من فنلندا وبريطانيا وروسيا وألمانيا وإسبانيا وأوكرانيا والأرجنتين وأميركا يزورون أمكنة تاريخية “في قلب القدس”، بحسب تعبير المراسل الصحفي لـ”نيويورك تايمز”، والخليل القديمة، أي لكل ما هو مقدس بالنسبة للديانة اليهودية من قِبَل مثقفين علمانيين!. وقلب القدس هي القدس القديمة التي جرى احتلالها العام 1967 خارج إطار القانون الدولي والتي هي عاصمة الفلسطينيين رسميا بحسب القوانين الدولية لا بحسب الوقائع التي ما تزال دولة الاحتلال تحاول فرضها على أرض الواقع. أيضا اشتمل برنامج الفنون الجديدة على ندوة عن ذكرى مرور 20 عام على هدم جدار برلين لدانييل كيلمان وجودث هيرمان من ألمانيا والاسرائيلي إيال ميغين وصوفي أوسكانيه من فنلندا في الوقت نفسه الذي يعذّب فيه جدار الفصل العنصري في فلسطين الناس ويشقيهم شقاء غير عادي على مرأى ومسمع!. إلى ذلك تضمن البرنامج ندوة عن “الأدب الإسرائيلي في البلاد العربية” باستضافة كاتب عربي غير أن التفاصيل كانت مرجأة إلى حينه بحسب الموقع الإلكتروني للمهرجان، والأرجح أن الندوة لم تتم. فما كان ينبغي الحديث عنه هو الأدب العربي مترجما إلى العبرية، إذ أن دوائر محددة في دولة الاحتلال أكثر حماسة من الفلسطينيين والعرب في ترجمة الأدب العربي إلى العبرية وذلك بهدف فهم طبيعة الشخصية العربية من خلال الرواية تحديدا. لكن ما هو أشبه بالردّ المتحضّر، بوصفه فعلا إنسانيا، فقد جاء من “فلسطين 48”، أو من قاعة مسرح الكرمة في حيفا، الباقية أبدا، فلقد دعت مكتبة “كل شيء” الناصرية إلى حيفا وبالتعاون مع مؤسسة الدراسات العربية للنشر والتوزيع في عمان الروائي ربعي المدهون محتفيةً به وبروايته “السيدة من تل أبيب”، والعنوان هنا جدير بالملاحظة والاهتمام، ومضمون الرواية بما ينطوي عليه من كل تأويلات هو الأخطر، ثم إنها واحدة من الروايات الست التي بلغت جائزة البوكر العربية، لتكون “فلسطين 48” فخورة بواحد من أبنائها الذين هجّروا سنة الهزيمة المرّة التي ما زال طعمها عالقا في الأفواه والقادم للتوّ بجواز سفر بريطاني. هناك قال ربعي المدهون: “أمس؛ حملتُ نكبتي إلى نكبتي، باحثًا عن طفولةٍ أضعتُها في مكان ما، مِن مدينةِ المجدل عسقلان مسقطِ رأسي ومدينتي الأولى، لقد تأخّرتْ زيارتي لها اثنيْن وستّين عاما. وقفتُ على حوافِّ بقايا المدينة، كمّن يقفُ على حافّةِ ذاكرةٍ لا تقوى على حمْلِهِ، للحظاتٍ، قَسَتْ عليَّ المدينة، كأنّما تُعاتبُني على طولِ غياب، حقّا، ألستُ مسؤولاً عن نكبتي؟” أما، الناصري، المثقف والناقد أنطون شلحت فيكتب في مداخلته عن الرواية: “جعَلَ المؤلّفُ أبطالَهُ اليهودَ يتكلّمون فيما بينهم بلغتِهم الأمّ، ذلك بأنّ اللّغةَ تعتبر عنصرًا مركزيًّا مِن عناصر الهويّة. ويمكن القول، إنّ الكاتبَ في تعاملِهِ هذا قد تفوّق أخلاقيًّا على الكُتّاب الإسرائيليّين، الّذين يستنكفون عن الاستئناس بالمنظورِ الفلسطينيّ، الّذين يتجاهلون عنصرَ اللّغةِ”. قال أيضا: “إنّ الظِلَّ هو شخصيّةٌ مركزيّةٌ في الرّواية، وربعي المدهون يُعمّقُ مِن خلال ذلك تقليدًا إبداعيًّا في الأدب الفلسطينيّ، جرى في نطاقِهِ توظيفُ الظّلِّ لبناءِ خريطةٍ بديلةٍ لفلسطين بعدَ النّكبة، وباعتبارِهِ شاهدًا على ماضٍ بُتر تحتَ وطأةِ الاستعمار الصّهيونيّ، فضلاً عن إحالاتٍ أخرى في سياق توصيفِ تعقيداتِ الحياة لدى الفلسطينيّين، وكذلك لدى الإسرائيليّين”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©