السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أيام بكاء

أيام بكاء
19 يوليو 2008 23:02
بعد أول رحلة سفر مع أسرتي الصغيرة، قررت شطب السفر الأسري من قاموس أفعالي الصالحة والطالحة، لأن ولدي أخرج عيوني من المطار إلى المطار، وما بينهما بالطبع· لكن السفر ضروري لإيقاظ الدماغ النائم على الأفكار والتفاهات نفسها حولاً كاملاً· وكان أن سمعت أحدهم يتحدث عن ''أم الدنيا''، فقررت زيارتها· جرى كل شيء بسرعة: التذكرة، الفندق، الملابس، الحقائب، لكن قبل السفر بليلة انتابتني كآبة مفاجئة أعقبتها موجة بكاء بينما كنت أحضن ولَدي استعداداً للنوم· رحت أصفع نفسي بالأسئلة: كيف تتركه وأنت كل شيء في حياته ؟ كيف تذهب بعيداً عنه بقدميك اللتين تستحقان الهرس؟ ودّعته أمام البيت كما يودّع المرء أمواته على باب المقبرة· وفي المطار كنت أدعو الله ألا أجد مقعداً شاغراً على الطائرة، لأي سبب، المهم أن لا أسافر· وحين تأكدت بأن مقعدي ينتظرني ابتهلت إلى الله وأنا في الطائرة أن تسقط في ''ستين ألف داهية''، لكن الطائرة اللعينة وصلت مطار القاهرة بسلام· قلت لعلّ تشابهاً في الأسماء يحدث بيني وبين أحد الممنوعين من الدخول فيرجعوني ''مكلبشاً'' على أقرب طائرة إلى بيتي، لكن ضابط الجوازات ختم بالدخول على جواز سفري· مع الخطوات الأولى في غرفتي كانت دموعي تهطل بغزارة حتى تبللت الأرضية· لا حول ولا قوة إلا بالله· أخذت أبكي في مصر لمدة خمسة أيام كاملة، هي مدة الرحلة· ولم أكن أتوقف عن البكاء إلا حين كنت أجتمع بصديقي المجرم الذي تسبب في كل هذا· وأصبح التجول بمفردي محفوفاً بالبكاء، فأي شيء أراه أمامي، يمكن أن يذكّرني بولدي ويبكيني، فإذا دخلت ''السوبرماركت''، رأيت الحفاضات· وإذا لمحت من بعيد حديقة حيوان، تذكرته حين أخذته إلى حديقة حيوان العين· وإذا رأيت تلفزيون غرفتي، تذكرت تلفزيون بيتي الذي يجلس أمامه يشاهد ''توم وجيري''· حتى حين رأيت الأهرامات بكيت، لأنها مثلثة الشكل، ولولدي ألعاب مثلثة··· إلخ من مثيرات الدموع· لاحظ صديقي انتفاخ عيني وحزني السرمدي، فأخذ يسبني حين عرف السبب· ولأنه يكبرني بعشرين سنة، لم أكن أرد عليه احتراماً لشعره الأبيض، لكنني بالطبع كنت أدعو عليه في قلبي بأن يموت في أسرع وقت ممكن· لم أعرف أنني كنت غبياً إلا حين كبر ولدي وانتقل من مرحلة التعلّق إلى مرحلة التملّق، يقول: ''صباح الخير'' لأن أمه تأمره، ويحضنني بعد رجاء وطلب، ويعتذر عن أخطائه بعد أن أتآمر مع أمه على أنني ''زعلان''، وهكذا هم الأولاد، يتعلقون بوالديهم إلى ما قبل الروضة والمدرسة، فما أن يدخلوهما، حتى يشقوا لأنفسهم شوارع بديلة، وبدلاً من أن يشتاقوا إليهما فإنهم يشتاقون إلى ''عيال'' الناس· أفسدت رحلتي بالبكاء والدموع وباقي السوائل من أجل عيون شخص لا يرى إلا الألعاب والحلويات والأصدقاء، بل إنه حين يصير ''بغلاً'' من البغال ويفهم ما أكتبه، وبالطبع يرقص على أغاني ''الهيب هوب''، سيقول: آه، كم كان أبي مجنوناً ورهيفاً ؟ هذا بالطبع إذا قرأ المقال· ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©