الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العقل والنقل

25 مايو 2017 02:08
فقه الشيء هو العلم به، والعلم يحتاج إلى إدراك وتمييز، وبنيان العلم يقوم على نضج العقل، وكلما كان الإنسان مدركاً ما حوله وصف بأن عقله ناضج، أفاده وأفاد مجتمعه وأسرته، وأصبحت الأشياء والظواهر المحيطة به، جوهراً ومضموناً، مدركة، والعلم أو الفقه مرتبطان بالفهم بعد جهل، والإدراك بعد تفكير. ارتبط الفقه بالذهن العربي والإسلامي، فقط، بعلم أصول الشريعة وفروعها، وأصول الدين، لأسباب تاريخية جعلت من البيئة العربية والإسلامية بيئة دينية من خلال تديين الواقع بعد نزع العقل منه، وإخضاع كل الواقع المادي المتحرك دوماً صوب المستقبل لاشتراطات دينية، خضعت فيها أمورنا الحياتية خاصة لاستغلال الدين للهيمنة والسيطرة على المقدرات والموارد والعقول والقلوب. وكان لهزيمة المعتزلة أثر بليغ على حياة العرب والمسلمين، فقد كانت فلسفتهم قائمة على تقديم العقل على النقل، والفكر على السمع، ورفض الأحاديث التي لا يقرها عقل، ومعرفة الله بالعقل، مما أتاح سيطرة القدرية والغيبيات على العقل والواقع، بعد تصفية الفكر الاعتزالي، وقفل باب الاجتهاد، وإذا كان التطور يغير كل شيء، فإننا في المنطقة العربية والإسلامية، لم نتغير، لأن العقول معتقلة في الماضي، وتهاب الحاضر، ولا تفكر في المستقبل، بل تعيد إنتاج أزماتها، وتطرح أسئلة القرون السابقة للإجابة عن الواقع في القرن الحادي والعشرين؛ لأن العقول ما زالت كما هي تحكمها ترسبات الماضي، وتسيطر عليها الطائفية والمذهبية، وتدار دولة ما بعد الاستعمار «الدولة الوطنية» على إبقاء الواقع كما هو، أو بترقيعه. سيطرة الأفكار الأصولية السلفية واستيلاؤها على المجتمعات وتغلغلها في ثقافتها ليس مستغرباً فبيئتنا مهيأة، من خلال تديين السياسة وتسييس الدين، وسيطرة فقه الماضي على العقول، وكذلك الرواسب الطائفية الغالبة عبر قرون، فالمناهج التي تدرس لأبنائنا تلقن لهم وهي محشوة بفقه عفا عليه الزمن وتجاوزه الواقع، ويعمل بصورة سافرة على هدم كيان وقيم الدولة الوطنية، وما ظهور الحروب على أسس طائفية ومذهبية في بلدان التعدديات السياسية والثقافية والعرقية والدينة في لبنان وسوريا والعراق والسودان وأفغانستان وباكستان.. إلخ، إلا نتاج طبيعي لسيطرة الفقه القديم على العقول والقلوب، والذي تم استغلاله من قبل التنظيمات الإسلامية وإيصاله إلى مداه، فسهل عليهم السيطرة على الثقافة والتعليم والاقتصاد، واستطاعوا به بث فكرهم المتزمت المنغلق الأصولي ونشرة في عالمنا من أقصاه إلى أقصاه. المعركة الحقيقية ضد التطرف والإرهاب تبدأ بالتعليم، وهو الأداة الفعالة لقبر هذه الأفكار الظلامية قبل شن الحروب؛ لأن الهزيمة العسكرية فقط لن تجتث هذا الإرهاب الفكري، فتجربة «القاعدة» خير مثال بأن الهزيمة العسكرية غير كافية، بل ستظهر تنظيمات أكثر تشدداً في متوالية لا نهائية، ولعلّ «داعش» قدمت الدليل. التعليم ثم التعليم ثم التعليم هو الطريق الأمثل لمحاصرة التطرف والإرهاب والذين يستغلونه لتحقيق أجندة خاصة بهم، ولن يتم ذلك في يوم وليلة، إنما يحتاج إلى عمل دؤوب وصبور، سنرى نتائجه في الأجيال القادمة، وهذا العمل يحتاج إلى جهد من مختلف القطاعات في المجتمعات العربية والإسلامية. إياد الفاتح - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©