الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العيدية من الدرهم إلى طقم الذهب !

العيدية من الدرهم إلى طقم الذهب !
20 سبتمبر 2009 23:55
لعل عيد الفطر السعيد هو أقرب الاحتفالات الدينية، وأغلاها على قلوب المسلمين، وفيه يقول النبي محمد، صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه». ينتهي شهر من التعبد والصوم وتلاوة القرآن ومجالس الذكر وتوطيد الصلة بالخالق عز وجل، ويبزغ فجر يوم عيد يفطر فيه المسلم مودّعاً بذلك رمضان غبطاً وفرحاناً، داعياً المولى العزيز الرحيم لأن يجعله من عتقاء النار الموعودين بأعلى مراتب الجنان. قد تختلف شعوب العالم الإسلامي في العادات والتقاليد، وإحياء الاحتفالات متكللة بمختلف الأهازيج تعبيراً عن فرحتها بالعيد، وقد تتباين طرقها في الترحيب به. لكنها رغم ذلك تجتمع على ميزة واحدة من مميزات العيد، تلك المسماة بـ «العيدية»، وهي عبارة عن مكافأة مادية وإن كان القصد منها معنوياً، تقدم للصائم على المجهود الذي بذله طيلة أيام الشهر الكريم. كسوة العيد.. «كنادير» وعبايات قبيل العيد بأيام قليلة، تتوجّه الغالبية من الناس إلى مختلف محال الملابس والزينة بالمولات وغيرها قصد التبضّع وشراء كسوة العيد احتفاء به. ولمجتمع الإمارات خصائصه وتقاليده في التحضير لاستقبال هذا اليوم المبارك، فالمواطن الإماراتي يصطحب أبناءه الذكور إلى خياط الكنادير، أو يشتريها جاهزة إذا توافرت المقاسات المطلوبة، ناهيك عن الأحذية والغتر والعقل التي يشترط فيها النوعية قبل اللون، أما المرأة الإماراتية فتخلق زحمة فظيعة في محال العبايات، حسب ما قاله لنا السيد إبراهيم كوتي (صاحب أحد محال العبايات بالخالدية في مدينة أبوظبي)، «فتأتي لتفصّل ما رسمته مخيّلتها، أو ما التقطته من مختلف المجلات من موديلات حديثة بفصوص العباية وألوان خيوطها، إضافة إلى محال الخياطة كي تجهّز لها ولبناتها كنادير العيد المزركشة بأحلى الرسوم والألوان. إضافة إلى محال الخياطة، كي تجهّز لها ولبناتها كنادير العيد المزركشة بأحلى الرسوم والألوان». من يقدّم العيديّة ولمن؟ يخطئ من يظن أن العيدية تقدّم للطفل دون سواه من البالغين، بل هي موجّهة للصغير وللكبير معاً، وللمرأة نصيب منها كذلك، إن لم نبالغ ونقل إن لها حصة الأسد. كثيراً ما يكون الرجل والمتمثّل في الوالد غالباً، أو الزوج أو الأخ الأكبر هو المسؤول عن تقديم العيدية لأفراد أسرته، لذلك لابد له من وضع ميزانية لها، وما نلاحظه قبل قدوم العيد بأيام هو تلك الطوابير المتسلسلة أمام البنوك، حيث تقول منى محمد (موظفة بقسم خدمة العملاء بأحد بنوك أبوظبي) إنَّ غالبية هؤلاء الواقفين في الطوابير يأتون إلى المصرف كي يحولوا آلاف الدراهم إلى أوراق نقدية صغيرة القيمة، أكثرها من فئة الخمسة دراهم أو العشرة، حتى يوزّعوها على الأطفال أيام عيد الفطر. بين الماضي والحاضر من أجل استحضار الماضي ومقارنته بالحاضر، كان لا بدَّ من التوجه إلى بعض كبيري السن «الشواب»، وسؤالهم عن ماهية العيدية في طفولتهم، وعلى ماذا كانوا يصرفونها، وفي هذا السياق يكشف السيد عبدالله المهيري (70 عاماً): «في الماضي لم تكن تتجاوز العيدية التي كانت تقدم لي ولرفاقي الدرهم الواحد وأحياناً نصف الدرهم، في أول أيام عيد الفطر المبارك، كنا نحن الأطفال إذا لم نذهب مع آبائنا لأداء صلاة العيد بالمسجد، ننتظرهم بعد لبس كناديرنا الجديدة، نتباهى بها على بعضنا البعض متشوقين لعودتهم، فإذا رجعوا هرعنا لنسلم عليهم ليعطينا كل واحد منهم نصف درهم، أو درهما واحدا على الأكثر، فنسرع إلى دكان الفريج على الزاوية لنشتري بعيديتنا تلك الحلوى والسكاكر التي كانت شائعة آنذاك (برميت، شكليت، الحلوى العمانية، الرهش...) ونمضي بقية اليوم في اللعب وتهنئة الجيران كي نكسب عيدية أكبر» أما الحاجة عائشة السويدي (74 عاماً) فكانت تتنهد بين الفينة والأخرى كلما تذكرت تفاصيل ماضيها التي لا تنسى، تقول: «كنا إذا اقترب يوم العيد حطينا الحنة بأيدينا على شكل دوائر، وغلفنا الروايب (أطراف الأصابع) بها، أما اليوم فبناتنا يتوجهن إلى الصالونات مستخدمات نقوشات ورسومات كثيرة ومتنوعة، وكنا نساعد أمهاتنا في شغل البيت فنرتبه ونملأ قرب الماء التي أحضرناه من الفريج كي تحافظ على برودتها، ونفرش الحصير، وأمهاتنا يتوجهن إلى المطبخ لإعداد الأكلات الشعبية الشهية والحلو لتقديمه للضيوف من الأقارب والجيران، وكنا نفرح إذا زاد عددهم لأن عيديتنا ستزيد كذلك، وكنا بعد ما نحصل على الفلوس نذهب إلى ساحة الفريج حتى نلعب ألعابنا الشعبية، فللذكور لعبتا الطّوّاق والزّبّود وللبنات لعبتا خوصة بوصة والدرفانة، وكان الأولاد يستأجرون الدراجات الهوائية (السياكل) بخمس وعشرين فلساً». (نفس سعر زجاجة مشروب البيبسي آنذاك). يقول السيد خميس الحوسني (80 عاما) أن وضع العيد اختلف اليوم، وأصبح الناس يضعون شروطا تثقل كاهل الرجل، فناهيك عن العشرات من الدراهم التي تعطى للأطفال، تطالب النسوة أزواجهن بشراء أطقمة الذهب، إضافة إلى تفصيل العبايات الجديدة، وشراء الشنط والأكسسوارات التي تتماشى وألوان وموديل العباية، وإلا فعلى الرجل أن يعطي زوجته مبلغاً من المال لا يقل غالباً عن الخمسة آلاف درهم.» يضيف الحوسني: «لم يعد الفريج يجمع الأطفال، بل صار يجمعهم المول ومدينة الألعاب ودور السينما، واختلفت نكهة العيد بحلوياته التقليدية، وتلك التي نراها اكتسحت مطابخنا اليوم». شيلة برج العرب..وكندورة كاجوَل؟ أما اللبس فقد اختلف كثيرا، حيث كانت العبايات في الماضي سوداء (سادة) من غير فصوص ولا تطريز وكانت تغطي المرأة من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، أما اليوم فنرى موديلات عديدة ومتنوعة: الفرنسي، الفراشة، البحريني، الإسلامي، الخفاش...والشيلة تنوعت تسمياتها كذلك فنجد مثلا: شيلة برج العرب، شيلة الطرف الواحد، شيلة الفصوص (لميعي)، شيلة سينيي. تقول خلود القبيسي(22 عاما) طالبة بكليات التقنية:«لا نستطيع نحن الشابات اليوم أن نلبس نفس العبايات التي كانت أمهاتنا وجداتنا يلبسنها، فلابد لنا أن نطور الموديلات لأن الزمن قد تغير ولم تعد المرأة تمكث بالبيت فقط، حيث صارت طالبة وعاملة في مختلف المجالات، وحسب رأيي المظهر مهم جداً بالنسبة لها، ونكون بذلك قد حافظنا على لبس المرأة الإماراتية والمتمثل في العباية من جهة، وواكبنا حداثة العصر ومتطلباته الحالية من جهة أخرى». وللكنادير الرجالية نصيبها كذلك من الحداثة فنجدها تختلف باختلاف الموديل أو الماركة والبرند. فنجد الكندورة الكاجوَل، الكندورة اليابانية، كندورة بيربري أو كريستيان ديور.. يقول محمد الشامسي (25 عاما):«نحن الشباب نريد أن نواكب الموضة المتعلقة بالأزياء وخاصة الأوروبية منها محافظين على هويتنا الإماراتية من خلال لبسنا في الوقت ذاته، فالواحد منا كثير السفر ،المحال عندنا مليئة بآخر صرعات الموضة، فننجرف وراءها ونجري التغيير الذي نراه مناسبا لنا». اختلفت طقوس العيد بين الأمس واليوم، لكن بين هذا وذاك يبقى العيد جائزة من الله سبحانه وتعالى لعباده الصائمين، فعيد مبارك وكل عام والإمارات العربية المتحدة وكل بقاع العالم الإسلامي بألف صحة وسعادة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©