الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تثبت بريطانيا قبولها للسود؟!

22 ابريل 2018 00:52
في شهر يونيو عام 1948، وصلت سفينة الركاب «إمباير ويندراش» Empire) Windrush) التي كانت تحمل حوالي 500 مهاجر من دول الكاريبي إلى ميناء بريطاني. كان وصول هؤلاء المهاجرين، المرحلة الأولى من الهجرة الجماعية، من المستعمرات البريطانية السابقة التي كانت تمثل جزءاً من جهود البلاد لحل مشكلة نقص العمالة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقدم قانون الجنسية البريطاني لعام 1948 «جنسية المملكة المتحدة والمستعمرات لمهاجري «ويندراش». في مفارقة ساخرة، غابت عن أذهان الحكومة البريطانية فقط، يتبين لنا أنه في العام الذي يفترض أن نحتفل فيه بالذكرى السنوية السبعين لوصول سفينة الركاب «ويندراش» إلى الموانئ البريطانية، يجد العديد ممن هاجروا كأطفال -كجزء من جيل ويندراش- وعاشوا في البلاد لعقود، يجدون أنفسهم الآن عرضة للترحيل من البلاد. فقد ظهر هذا الأسبوع، أن وزارة الداخلية البريطانية، أتلفت في عام 2010 الآلاف من وثائق الوصول الأصلية التي كانت سجلت تواريخ قدوم هؤلاء المهاجرين. وبسبب تجديد بيانات الشبكات المتعلقة بالهجرة، والتي أصبحت الآن أمراً واجباً من الناحية القانونية، بالنسبة لأصحاب العمل، ومالكي العقارات، كانت هناك حالات فقد فيها أشخاص من هؤلاء المهاجرين وظائفهم، وجرى حبسهم في مراكز احتجاز في انتظار ترحيلهم. وعلى الرغم من أن أعضاء جيل «ويندراش» يتمتعون بالحق القانوني في البقاء في البلاد، إلا أن المشكلة تكمن في أنهم، ونظراً لدخولهم البلاد كأطفال في ذلك الوقت، فإنهم لا يمتلكون، في الكثير من الأحيان، وثائق تثبت ذلك. ويشار في هذا الصدد إلى أن وزيرة الداخلية البريطانية ذاتها اعترفت بأنها لا تعرف أعداد الأشخاص الذين تأثروا بالإجراءات الرامية لترحيل مهاجرين. لكن الاحتجاجات ضد إجراءات ترحيل المقيمين في بريطانيا منذ أمد طويل، تسيء تقدير حقيقة العلاقة بين بريطانيا ومستعمراتها. ففي الحقيقة أن المهاجرين القادمين من المستعمرات البريطانية السابقة، لم يُرحب بهم أبداً كمواطنين كاملي الأهلية، وإنما فقط كرعايا للإمبراطورية البريطانية. كان وضع هؤلاء المهاجرين على الدوام مشروطاً، وهو ما يرجع إلى أن سياسة الهجرة البريطانية منذ ستينيات القرن الماضي كانت تهدف إلى الحد من الهجرة السوداء والسمراء. وأحدث عمليات الترحيل التي جرت في بريطانيا لا تمثل انحرافاً، بل هي في حقيقة الأمر قاعدة ثابتة. فدعوة مهاجري المستعمرات في ذلك الزمن البعيد إلى بريطانيا، لم تكن اعترافاً بدورهم الجوهري في خدمة بريطانيا آنذاك، وإنما كانت مجرد تدبير مؤقت لتوفير العمالة في وقت كانت البلاد فيه بأمس الحاجة إليها. وفي الواقع، فإن رد الفعل البريطاني على هجرة شعوب العالم ذات البشرة الأكثر اسمراراً كان سريعاً. فقبل خمسين عاماً، ألقى النائب البرلماني المحافظ «إينوك باول» خطابه المعروف بـ «أنهار الدماء»، والذي حذّر فيه من أن استمرار الهجرة من المستعمرات، سيؤدي إلى حرب عرقية، وأن الأمة البريطانية ستكون «مجنونة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى» إذا ما سمحت بالهجرة الجماعية إليها من قبل هذه الأعراق. وبعد 14 عاماً فقط من الترحيب بمهاجري الكاريبي، نص قانون الكومنولث الخاص بالهجرة والصادر عام 1962 على منع الهجرة من المستعمرات. كما تضمنت تشريعات أخرى صدرت في الأعوام 1968 و1971 و1983 مواد تنص على أن المواطنة لم تعد تمنح تلقائياً للمهاجرين من المستعمرات. وكان النائب العمالي «ديفيد لامي» هو أكثر المشاركين حماسة في الحملة المتعلقة بهذه القضية، حيث زعم أن والديه قد جاءا بريطانيا «كمواطنين»، وأنهما يستحقان الحماية الكاملة بموجب القانون. لكن المزاعم القائلة بأن الجنسية البريطانية تقدم نوعاً من الدفاع عن السكان السود في بريطانيا، تسيء فهم أوضاعنا، لأن وجود جواز سفر بريطاني، قد يحميك من الترحيل، لكن إذا كنت أسود تعيش في بريطانيا، فستظل عرضة للتمييز العنصري في السكن، وفي الرعاية الصحية، ولعدم المساواة الجنائية، وعدم التكافؤ في فرص العمل، وجميع المجالات الأخرى للحياة الاجتماعية. المشكلة بالنسبة للعديد من الذين يواجهون مشاكل قانونية، هي أنهم لا يملكون الوثائق اللازمة لإثبات سلامة أوضاعهم. وتحت الحملة التي تتم بقيادة رئيسة الوزراء «تيريزا ماي»، والتي تهدف لإيجاد «بيئة معادية» للمهاجرين غير الشرعيين، تتم في الوقت الراهن العديد من عمليات التحقق من الوضع القانوني للمقيمين في مجال العمل والإسكان. وقد أدى ذلك إلى إعلان أن بعض الذين لا يستطيعون إثبات وضعهم القانوني باتوا يعتبرون مهاجرين غير شرعيين، وبالتالي عرضة للترحيل. وكان الاحتجاج على ذلك من السياسيين والجمهور سريعاً وعلنياً في وقت واحد، وقد تضمن تقديم التماس لرئيسة الوزراء بغية منح العفو للمهاجرين موقَّعاً عليه من أكثر من 164,000 شخص. وقد أدى الضغط الشعبي إلى اعتذار رئيسة الوزراء عن الموقف الذي يجد المهاجرون الذين دخلوا البلاد بصورة قانونية، أنفسهم فيه في الوقت الراهن. بالطبع، يجب منح أطفال جيل ويندراش عفواً عاماً، ومن الممكن أن يتم ذلك بقدر كافٍ من الضغط السياسي. لكن أن نتوقع أن تمنحهم علاقتهم ببريطانيا حقاً تلقائياً للبقاء على أرضها، فذلك يعني أننا نصدق كذبة أن أولئك الذين جاؤوا من المستعمرات أو أحفادهم، قد قبلتهم بريطانيا تماماً. على المهتمين أن ينظموا ويحشدوا من أجل هذه الغاية، لكن يجب ألا يتفاجؤوا عندما تظهر العنصرية وجهها القبيح في هذه القضية خاصة. *أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة برمنجهام سيتي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©