الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسن المودن: الكتابة شيء غامض وسحري

حسن المودن: الكتابة شيء غامض وسحري
17 يوليو 2008 02:50
الرباط ؟ يقول الناقد والأكاديمي المغربي البارز الدكتور حسن المودن: منذ طفولتي، ترسّخ في لاشعوري أن للكتابة سحرا خاصّا ومفعولا خطيرا، وأنها ليست عملا عاديا، وأنها ممارسة يلفّها الكثير من اللغز والغموض، وتقتضي مجموعة من الطقوس والشعائر، إن لم تكن هي نفسها طقسا غريبا ومجهولة تفاصيله وطرائقه وأهدافه·· صغارا، كان الآباء يحرصون على ألا ندخل المسجد للصلاة، أو المدرسة العلمية لحفظ القرآن أو كتابته على الألواح، إلا بعد طهارة ووضوء وأناقة·· صغارا كنّا نسمع الآباء يتحدثون عن فلان الفقيه الذي يكتب كتابة تطرد الأمراض والشرور من أجساد الصغار وأرواحهم· وكنّا نسمع الشباب يتحدثون عن الفقيه فلان الذي استطاع بكتاباته أن يستميل لأحد الشباب قلب حسناء استعصى عليه بالوسائل الطبيعية· ويضيف المودن: هناك هذا الفقيه الذي يأتي إلى بيت أحدهم في أزهى ثيابه، يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يبدأ في كتابة تميمة الشفاء من المرض، متمتما ببعض الكلمات المبهمة، حريصا على ألا نقرأ ما يكتبه، يطوي التميمة، ويطلب أن يعلقها المريض في عنقه لأيام، قبل أن تحرق في مجمر من البخور··· تلك أشياء وصور ترسخت في اللاشعور: الكتابة شيء مقدس غامض، هي سلاح سحري خطير، والكاتب ليس إنسانا عاديا، هو كائن فوق طبيعي! أهذه هي الخلفية اللاشعورية التي دفعتني دفعا الى الكتابة؟ قد يكون الأمر كذلك، إلا أن المدرسة ثم الجامعة جعلت الكاتب، بالمعنى المعاصر، يحلّ محل الكاتب بالمعنى الأول، وحلّ العقل والفكر مكان السحر والخرافة، دون أن تنمحي تماما تلك الصورة السحرية المقدسة للكتابة· ويتابع: إلى اليوم أعتبر أن لقب ''الكاتب'' أكبر منّي· بالرغم من سنوات البحث العلمي، وبالرغم من أني أصدرت بعض المؤلفات والمقالات والنصوص الإبداعية، فإن الكتابة التي أجري وراءها ما تزال هاربة متمنعة لا تسمح لي إلا بالقليل من اللحظات والثمرات· أكتب بوتيرة بطيئة· كتبت نصوصا قصصية قليلة جدا· أكتب أكثر قليلا في النقد· الكتابة محنة حقيقية· ممارسة شاقة وعسيرة· وقلّما أخرج منها بنصوص إبداعية أو نقدية تنال قبولي ورضاي· قد أعاشر الرواية أو القصة زمنا طويلا، دون أن أتمكن من كتابة سطر عنها· أقرأ وأعيد القراءة مرّات ومرّات· وقد أبدأ الكتابة مرات ومرات، وقد أمزق ما كتبته مرارا وتكرارا، وأنا أبحث عن مدخل يسمح لي بحوار حقيقي مع النص موضوع الكتابة· كيف تكون كتابتي امتدادا للنص موضوع القراءة، مع النجاح في اجتراح أسئلة واستيلاد معرفة ، والانخراط في حوار حر يقال من خلاله النص كما تقال من خلاله ذاتيتي القارئة؟ وفي كل الأحوال ـ يختم الدكتور حسن ـ الكتابة تعني الكثير من الانتظار والقلق، ويتحول فضاء الكتابة إلى فضاء انفعالي بامتياز·عندما يتيسر العمل، وتتضح خيوط الكتابة، أنسى نفسي في الطابق العلوي لساعات عديدة· زوجتي تقول: اللهم امرأة أخرى ضرّة ولا هذه الكتابة! أبنائي الصغار بدورهم يشتكون من هؤلاء الأبناء الآخرين (النصوص) الذين أمنحهم وقتا كثيرا ورعاية خاصة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©