السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نساء في حياة أبي الاستقلال التونسي الطيّب بشير

نساء في حياة أبي الاستقلال التونسي الطيّب بشير
16 سبتمبر 2009 23:06
يؤكّد الباجي قائد السبسي في كتابه: «بورقيبة الحبّة الطيّبة والزؤان»، الصّادر هذه الأيّام باللغة الفرنسيّة أنّ ثلاث نساء لعبن دورا أساسيّا في حياة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة ومسيرته: أمّه الّتي بقيت ذكراها عالقة بذهنه فكلّما ذكرها بكى، ووسيلة الّتي أحبّها حبّا جنونيا والتي لعبت دورا سياسيّا في فترة تواجدها إلى جانبه، وابنة أخته سعيدة ساسي. تزوّج بورقيبة، وكان في التاسعة والخمسين من عمره، من وسيلة بنت عمّار يوم 12 أبريل 1962 في حفل رسمي بهيج بعد طلاقها من زوجها الّذي أنجبت منه ابنتها الوحيدة، وبعد أن طلّق هو أيضا ماتيلد، زوجته الفرنسيّة الّتي اعتنقت الدين الإسلامي وأصبح اسمها مفيدة والّتي أنجب منها ابنه الوحيد الحبيب بورقيبة الابن. وبحكم معرفته بزوجة الرئيس، والتي كان يطلق عليها في تونس لقب «الماجدة وسيلة بورقيبة» معرفة جيّدة، فإنّ المؤلف يصفها في كتابه بأنّها امرأة منجذبة نحو السّلطة والحكم، وأنها كانت حريصة على أن تكون على علم بكلّ شيء قبل الآخرين. كانت حاضرة دائما في قصر الجمهوريّة بـ»قرطاج» على امتداد 30 عاما بأكملها، وكان لها ميل للتّدخّل في شؤون كثيرة، ولكنّ المؤلف يرى أنه وقع أحيانا تضخيم تأثيرها على بعض القرارات الّتي كان يتّخذها الرّئيس الرّاحل، ويؤكّد الباجي قائد السّبسيّ أنّ من يعرف بورقيبة جيّدا يتأكّد له أنّه شخص لا يقبل أن يقاسمه أحد الحكم، وروى للاستدلال على هذا الرأي الحادثة التالية. يقول: «ذات يوم وإثر لقاء لي مع الرّئيس سألني: «هل قابلت وسيلة هذا الصّباح؟» فأجبته بالنّفي. فقال لي: «إذهب للقائها قبل انصرافك من القصر فهي غاضبة لأنّي أمرت بإيقاف وسجن أحد أقربائها وقل لها: أنّ بورقيبة ناضل طيلة حياته ليصل إلى الحكم وليمارسه في صالح الشّعب التّونسيّ وأنّه غير مستعدّ ليتقاسمه مع أيّ كان». أحبّ بورقيبة وسيلة حبا كبيرا منذ شبابه، ويقال أنّ عائلتها البورجوازيّة رفضت تزويجه منها وهو الشاب المنحدر من عائلة متوسطة الحال، وبعد أن عاد من فرنسا محاميّا تزوج من أرملة حرب فرنسية تكبره سنا وأنجب منها ابنه الوحيد، وبعد خمس سنوات من تولي بورقيبة رئاسة الجمهورية تزوج من وسيلة، وفي آخر عهده طلّقها، وأكملت بقيّة حياتها بعيدة عنه لدى أهلها إلى أن توفّيت، أما سعيدة ساسي ابنة أخته فقد لعبت ـ وفق شهادة الكاتب ـ دورا سيّئا في القصر، وكانت سببا في طلاق بورقيبة من وسيلة نتيجة دسائسها الكثيرة. شهادة على مرحلة والباجي قائد السّبسي, من خلال كتابه, معجب بشخصيّة الرّئيس بورقيبة ومواقفه السّياسيّة، وقد أطنب في إبراز ما يتميّز به الرّئيس الرّاحل من دهاء سياسيّ وبرغماتيّه، وحكمة وبعد نظر. والكتاب جاء شهادة على مرحلة هامّة من تاريخ تونس المعاصر، ووثيقة يمكن للمؤرّخين الاعتماد عليها لتحليل شخصيّة الرّئيس بورقيبة الّذي ملأ الدّنيا في بلاده وشغل النّاس على امتداد قرابة نصف قرن تقريبا. والمؤلّف، وهو اليوم في الثّالثة والثّمانين من عمره، يعدّ بحقّ شاهد على عصره، فقد كان مناضلا في الحركة التّحرّريّة منذ كان طالبا في باريس، وعند عودته إلى تونس عام 1952 بدأ حياته المهنية بالعمل محاميا قبل أن يدعوه الحبيب بورقيبة بعد استقلال البلاد بشهر واحد في أبريل 1956 للانضمام إلى من اصطفاهم ليكونوا من كبار مساعديه، وتولى مقاليد وزارة الداخلية ثم الدفاع والخارجيّة، كما اضطلع أيضا بمهمّة سفير في أهمّ العواصم الغربيّة كباريس وبون وواشنطن، وساهم الباجي قائد السّبسي، وعلى امتداد 35 عاما في مختلف المناصب الهامّة الّتي كلّفه بها بورقيبة في رسم بعض ملامح تونس المعاصرة، ومن هذا المنطلق فإنّ كتابه يعدّ وثيقة هامّة جديرة بالدّرس والتّمحيص. كان الباجي قائد السبسي مقرّبا من بورقيبة حتى أنه، كما ورد في الكتاب، كان في عديد المرّات يأتي إليه في الصّباح الباكر في قصر» قرطاج» ويقابله ويتحادث إليه وهو لا يزال في سريره أو بصدد تناول قهوة الصباح بلباس النوم. وكشف المؤلف بعض الأسرار والخلفيّات التي أحاطت بمسيرة الرئيس الراحل ومواقفه، كما أعطى تفسيراته وقراءته لبعض الأحداث التي عاشتها البلاد طيلة فترة حكم الرئيس السابق. كما عبر المؤلف في كتابه عن إعجابه ببورقيبة كرجل مثقّف. يقول عنه: «كان كثير المطالعة، وله ثقافة أدبيّة وفلسفيّة عميقة تتجلّى من خلال أحاديثه». ورغم أنّ الزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة قد أبعد ـ في فترة من الفترات ـ الباجي قائد السّبسي وأزاحه من المسؤوليّات الوزاريّة الّتي إضطلع بها، إلاّ أنّ المؤلّف لم يحقد على بورقيبة ولم يتجنّ عليه في كتابه، بل أنّه لا يخفي إعجابه به حتّى أنّه قليلا ما يأتي على ذكر أخطائه السّياسيّة، أو يبدي رأيا نقديّا لبعض مواقفه، ولكن السؤال المطروح: هل جاءت شهادته موضوعيّة؟ هل قال كل ما يعرف؟ هل كشف كل ما له به علم؟ بورقيبة والمال خصّص المؤلف فصلا للحديث عن علاقة بورقيبة بالمال مؤكدا أنّ الرئيس السابق رجل نزيه ونظيف اليدين وغير محبّ للمال، وهذه حقيقة، ومعروف لدى جميع التونسيين اليوم أنّ بورقيبة خرج من السلطة لا يملك شيئا من متاع الدنيا وهو ما يعدّ حالة نادرة ليس في العالم الثالث فقط بل في العالم بأسره، وما قد لا يعرفه البعض أن بورقيبة بعد أن تمت تنحيّته من الحكم عام 1987 وقد بلغ من العمر عتيا أنّ الدولة التونسية هي التي تكفلت بإسكانه في بيت لائق على ملكها لأنه لم يكن له بيت يأويه، فبورقيبة الذي حكم 30 عاما لم يمتلك ولو شقة بسيطة، ولم تكن له حتى سيارة على ملكه، ولم تكن له حسابات بنكية في الخارج وعاش بقية عمره على نفقة الدولة التي سخرت له من يعتني به ويرعاه إلى أن وافاه الأجل المحتوم. هذه حقائق يعلمها الجميع في تونس والمؤلف أورد أمثلة تدلّ على علاقة بورقيبة بالمال ليثبت أنّ الرجل لم يكن أبدا، ومنذ شبابه وحتى قبل توليه السلطة يولي أية أهمية للمال، فقد دخل عليه يوما عندما كانا معا في باريس ورأى أن بعض ملابسه الداخلية كانت مرقعة بخيط باليد. نظرة استشرافية ويعدّد المؤلّف أحداثا تؤكّد أنّ بورقيبة كان له بعد نظر منذ كان مناضلا من أجل استقلال بلاده، وانّه كان كارها ومعاديا دائما للشيوعيّة وميّالا إلى الغرب. وأورد الباجي قائد السّبسيّ حادثة حصلت يوم كان ينشط مع مجموعة من الطّبلة التّونسيّين في باريس ضمن خليّة تابعة للحزب الّذي أسّسه بورقيبة (الحزب الحر الدستوري التونسي)، فقد أعدّ مجموعة من الطّلبة ورقة بعد نقاش حول التّدخّل الأمريكي في كوريا وقتها (بداية الخمسينات)، ولمّا اجتمعوا ببورقيبة عرضوا عليه حصيلة نقاشهم والتي تمخضت عن إدانة للتّدخّل الأمريكي. يقول الباجي قائد السّبسيّ: «بعد استماعه لموقف الطّلبة قفز بورقيبة من مكانه، ووضع رأسه بين يديه معبّرا عن حزنه وأسفه بجهلنا بخفايا السّياسة الدّوليّة» مضيفا: «ألغى بورقيبة لقاء مبرمج له وقرّر أن يبقى معنا شارحا مفسّرا خلفيّات المسألة الكوريّة ونحن نستمع إليه، وأدركنا بعد مداخلته أهميّة معرفة الحقائق في إنارة الرّأي الصّائب لننأى عن الأحكام العاطفيّة الّتي قد تؤدّي بنا إلى قناعات عمياء». وكان لبورقيبة نظرة استشرافيّة معروفة في القضية الفلسطينية، كما انه تكهن بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه، وهذه النظرة الاستشرافية في التفكير السياسي لبورقيبة لخصها الباجي قائد السبسي قائلا عنه في محاضرة له: «إن بورقيبة هو من القلائل الذين أمكن لهم الاتصاف بميزات رجل الدولة كما وردت في كتاب «الأحكام السلطانية» للمودودي، فهو يجب أن يعرف بغريزة عقله وحسن تدبيره، وفضل تجربته ما يرد عليه قبل وروده وعاقبة ما قد يحدث قبل حدوثه حتى يتسنى أن يأخذ لكل أمر عدته». ورغم صداقة بورقيبة للغرب وعلاقاته المتميزة بالولايات المتحدة الامركية الا انه بعد الغارة الإسرائيلية الغادرة على حمام الشط عام 1985 والتي سقط فيها شهداء تونسيون وفلسطينيون استشاط غضبا وكان في شدة الحنق عند استقباله للسفير الاميركي بتونس وقتها وهدد بقطع العلاقات مع بلاده، وقال للسفير بكل حزم وصرامة: «إذا استعملت الولايات المتحدة الأميركية حق الفيتو عند عرض الشكوى التي تقدمت بها تونس إلى مجلس الأمن فاني سأقطع العلاقات مع بلادكم وأرجو أن تبلغوا ذلك لرئيسكم» ثم أنهى اللقاء. وكانت تلك المرة الوحيدة التي احتفظت فيها الولايات المتحدة الأميركية بصوتها ولم تستعمل حق «الفيتو» في شكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن. وكشف المؤلف عن أسرار كثيرة للقاءات له مع العقيد معمر القذافي وبعض كبار مساعديه في فترات تأزمت فيها العلاقات بين تونس وليبيا ووارد بالتفاصيل نص المحادثات والنقاشات التي جرت بينه وبين القائد الليبي بشأن العلاقات المعقدة والمتشابكة بين تونس وليبيا في تلك الفترة والتي كادت أن تؤدي إلى حرب. الكتاب: الحبيب بورقيبة ـ الحبّة الجيّدة والزؤان ? المؤلف: الباجي قائد السبسي (وزير خارجية تونس سابقا) ? الناشر: دار الجنوب ـ تونس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©