الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من كواليس اجتماعات «أوبك» في أبوظبي عام 1971 خليل عيلبوني

من كواليس اجتماعات «أوبك» في أبوظبي عام 1971 خليل عيلبوني
16 سبتمبر 2009 23:03
بعد وصولي إلى مدينة أبوظبي في يناير 1971، أتاح لي القدر أن أحضر حفل وداع المهندس راشد عبد الله الذي صدر مرسوم أميري بتعيينه وكيلا لدائرة الإعلام والسياحة. كان حفل الوداع في مطعم إيوان، والذي كان يقع في الدور الأرضي لمبنى دائرة البترول القديم المطل على شارع الكورنيش. لم أكن قد تسلمت مهام عملي رسميا في إذاعة أبوظبي، وكان حفل الوداع هذا أقامه سعادة الأستاذ مانع العتيبة رئيس الدائرة (هكذا كان اللقب قبل أن يصبح معاليه وزيرا للبترول والصناعة وقبل أن يحصل على شهادة الدكتوراه عام 1976). بين النفط والإعلام في هذا الحفل، تكلم الأستاذ مانع متمنيا للمهندس راشد عبد الله والذي درس البترول ونال الشهادة الجامعية في ذلك المجال، كل النجاح والتوفيق في مجاله الجديد الإعلام، كما تكلم راشد عبد الله مثنيا على الإنجازات التي حققها سعادة الأستاذ مانع العتيبة في خلال الفترة الماضية وخاصة في مجال رفع الأسعار وزيادة دخل إمارة أبوظبي من عائداتها البترولية. وبعد أيام قليلة طلب مني لقاء الأستاذ راشد عبد الله في مكتبه في دائرة الإعلام، من يومها أصبح راشد عبد الله يحمل لقب الأستاذ لا المهندس. كانت دائرة الإعلام عبارة عن مبنى صغير جدا لا يزيد عن طابقين ولا تزيد غرفه عن عشر غرف، وكان ذلك المبنى يقع في بداية شارع المطار القديم بالقرب من فندق ستراند. جميع تلك المباني أزيلت الآن لتقوم مكانها أبراج عالية لم نكن نتخيل أنه يمكن أن يقام على رمال جزيرة أبوظبي مثل تلك الأبراج بل حتى بنصف ارتفاعها. كان اللقاء الأول بيني وبين الأستاذ راشد عبد الله مثيرا. قال لي وهو يقلب أوراق الملف الخاص بتعييني ويطلع على شهاداتي العلمية وشهادات الخبرة: أنا واثق أنك ستكون من العناصر القيادية الهامة في الإعلام ولكن دعني أسألك، ماهي البرامج التي تفكر بإعدادها وتقديمها. قلت: لحسن حظي أنني استمعت إلى كلمتك في حفل الوداع الذي أقامته لك دائرة البترول، ولا أخفيك أنني دهشت من انتقالك من مجال البترول إلى مجال الإعلام مع أنك مهندس بترول، ولكن أدركت فيما بعد أنك تميل إلى الأدب والرواية، وأنك تعشق الكلمة. ابتسم الأستاذ راشد وقال: ولكنك لم تجب عن سؤالي. قلت: أنا كإعلامي وكمحب للإبداع الأدبي بشتى فنونه وأشكاله أريد أن أعود إلى المجال الذي تركته أنت. قال: البترول؟ قلت: نعم البترول، فهذه الإمارة لا تملك من مقومات الاقتصاد إلا ثروتها البترولية، كل اقتصادها قائم على البترول، والإعلام يجب أن يعكس هذه الحقيقة ويقدم هذه الثروة بكل خفاياها وعطاياها للشعب، شعب أبوظبي. طال الحديث بيني وبين الأستاذ راشد عبد الله وانتهى بتوقيعه لقرار تعييني رغم تخوفه من قيامي بعمل برنامج عن البترول في الإذاعة والتلفزيون. فأنا في ذلك الزمان لا أعرف الكثير عن البترول وجميع ما قدمته من برامج في إذاعات صوت العرب وصوت فلسطين بعيد جدا عن هذا المجال الغامض وشبه المجهول. خلاف واتفاق ولكن معالي الدكتور مانع قدم لي ما يشبه دورة مكثفة في البترول، وزودني بجميع ما صدر من تقارير ومعلومات عن البترول في إمارة أبوظبي، مما جعلني في فترة قصيرة على علم بالأساسيات التي بنيت عليها بناء أهلني لمجالسة خبراء وأساطين النفط الذين وصلوا قبل نهاية عام 1971 إلى أبوظبي فعلا من خلال انعقاد المؤتمر الوزاري السادس والعشرين لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول أوبك في السابع من ديسمبر 1971 والمؤتمر الوزاري السابع لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) في مدينة أبوظبي. وكان قد مر حوالي عشرة أشهر على بدء حلقات برنامجي «الذهب الأسود» في الإذاعة وأقل من تسعة أشهر على بدء حلقات البرنامج في التلفزيون. ورغم التغطية الإذاعية والتلفزيونية للحدثين الهامين والتي قمت خلالها بلقاء عدد من وزراء البترول العرب والأجانب إلا أنني وعند مراجعتي لوثائق تلك الفترة وجدت نفسي أحرر تحقيقا صحفيا نشرته في مجلة «أخبار البترول والصناعة» التي كانت تصدر عن دائرة البترول ثم عن وزارة البترول والصناعة ثم عن وزارة البترول والثروة المعدنية الاتحادية والتي كان يشرف على تحريرها الأخ محمد السطري. وبالعودة إلى ذلك التحقيق، وجدت أن اجتماع أوبك في أبوظبي عقد برعاية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولدي في أرشيف الصور الخاص صورة (بالأبيض والأسود) للجلسة الافتتاحية التي ألقى فيها سموه كلمة ترحيبية. ومن أهم نتائج ذلك المؤتمر حسب التحقيق الصحفي الذي وضعته. نجاح المؤتمر في تأكيد وحدة الأعضاء أمام الشركات العاملة في موضوع رفع أسعار البترول لمجابهة الخسائر التي نجمت من انخفاض قيمة الدولار الأميركي والذي تحسب به أسعار البترول كذلك في موضوع المشاركة. وكان هذان الموضوعان حديث الإعلام الدولي والعربي حيث شكلا أهم جوانب المعركة التي دارت بين الدول المنتجة وشركات البترول العاملة فيها، والتي كانت تتحكم وحدها بتحديد الأسعار المعلنة للبترول وتسيطر منفردة على مقدرات الصناعة البترولية. ورغم أن معظم الدول العربية المصدرة للبترول كانت أعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للبترول إلا أن أبوظبي احتضنت بعد انتهاء ذلك الاجتماع الوزاري اجتماعا آخر لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك، وذلك في التاسع من ديسمبر 1971. وكانت أهمية ذلك الاجتماع الذي ضم وزراء كل من أبوظبي والسعودية والكويت والجزائر وليبيا، ودبي والبحرين وقطر تتركز في ذلك الوقت على الخلاف الذي دار بين الدول الأعضاء حول مسألة انضمام العراق للمنظمة، وكان الاجتماع الوزاري السابع للمنظمة قد عقد في يونيو 1971 ولم يجد بدا بعد احتدام الخلاف من تأجيل الاجتماع حتى السابع من أكتوبر 1971، وفي السابع من أكتوبر عاد المؤتمر إلى الاجتماع ثم إلى التأجيل مرة أخرى إلى التاسع من ديسمبر 1971 ليعاد طرح الموضوع في اجتماع أبوظبي. مازلت أذكر ذلك الاجتماع المغلق الذي عقده مجلس وزراء الأوبك في التاسعة من صباح ذلك اليوم التاسع من ديسمبر 1971. كانت تكهنات الصحفيين في ذلك اليوم بأن يخرج الوزراء ليعلنوا نهاية المنظمة نظرا لشدة الخلاف الذي دار حول انضمام العراق وهي من الدول العربية الرئيسية المنتجة للبترول وهي في الوقت نفسه عضو في منظمة الأوبك وكان ذلك الخلاف دليلا واضحا على أن المواقف الرسمية لوزراء البترول العرب لا تنفصل عن المواقف السياسية لدولهم وحكوماتهم. وقد انتظرنا بفارغ الصبر ليخرج قرار الموافقة على الانضمام أو إعلان انهيار المنظمة. وبعد أكثر من ساعتين، خرج معالي الدكتور مانع العتيبة والابتسامة العريضة على وجهه. ولكن تلك الابتسامة زادت الأمر غموضا، هل اتفق الوزاء أم مازالوا مختلفين؟ وماداموا مازالوا مختلفين فلماذا لم يعلن عن انهيار المنظمة. ولم يضف الدكتور مانع إلى ابتسامته أية كلمة أو تصريح يشرح الوضع، ولم يساعد أي من الوزراء العرب على معرفة ما تم في ذلك الاجتماع المغلق. ولكن وبعد أن ذهب الوزراء وأعضاء الوفود إلى قصر الخبيرة ليعقدوا اجتماعهم العادي غير المغلق واجتمعوا لمدة لا تزيد على ساعة، صدر البيان الصحفي الذي تم فيه الإعلان عن موافقة الجميع على تعديل أحكام المادة السابعة من اتفاقية إنشاء المنظمة وهي المادة الخاصة بقبول الأعضاء الجدد فيها. وكان ذلك يعني في الواقع انتهاء الخلاف والموافقة ضمنيا على انضمام العراق إلى الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك. تعلمت من الحدثين الكثير، وأضفت إلى معلوماتي الشيء الكثير أيضا ولا شك أن مرافقتي فيما بعد لمعالي الدكتور مانع العتيبة في جميع الاجتماعات التي حضرها للأوبك والأوابك جعلتني أدخل إلى أعماق المواقف السياسية والاقتصادية لجميع الدول البترولية. وهكذا قدر لي أن أعرف ما لا يمكن أن يتاح لأي صحفي أو إعلامي، وهذه المعرفة كانت في الواقع وراء نجاح برنامجي «الذهب الأسود» والذي استمر من عام 1971 وحتى عام 1991.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©