السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العيسى يؤكد أهمية إحياء «الوسطية» لمواجهة التطرف الأصولي والعلماني

العيسى يؤكد أهمية إحياء «الوسطية» لمواجهة التطرف الأصولي والعلماني
16 سبتمبر 2009 02:48
عرض الدكتور أحمد بن محمد العيسى مدير جامعة اليمامة بالمملكة العربية السعودية في محاضرته بمجلس الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، امس الأول، لغياب مفهوم «الوسطية» وغياب مشروع تيارات الوسط في المجتمعات العربية في ظل بروز تيارات التطرف الأصولي الإسلامي من جهة والتطرف العلماني من جهة أخرى. وتناول الدكتور العيسى في محاضرته تحت عنوان «إحياء تراث المدرسة العقلانية الإسلامية»، حالة العالم العربي والإسلامي في ظل التجاذبات الفكرية الحادة نتيجة تراكم التمزق السياسي والتخلف الحضاري. وحضر المحاضرة بمجلس سموه الرمضاني، صاحب السمو الشيخ سعود بن راشد المعلا حاكم أم القيوين وشهدها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وقال المحاضر إن إعادة إحياء تراث المدرسة العقلانية الإسلامية يوفر الأسس التي يمكن لتيارات الوسطية والاعتدال الاستناد عليها لقيادة المرحلة القادمة في التاريخ العربي والإسلامي وميزات المدرسة العقلانية . وأوضح أن هناك أزمة حقيقة يشهدها الفكر العربي المعاصر هذه الأيام، فالعرب حتى الآن لم يستطيعوا أن يؤسسوا لثقافة متوازنة تستند على إرث حضاري وثقافي عريق له قيمه وعلاقاته ونبضه الخاص وفي نفس الوقت قادر على التعامل بكل ندية وثقة مع الثقافات الأخرى يعطي ويأخذ يعلم ويتعلم وينافس بكل شرف وينخرط مع شعوب الأرض في بناء عالم جديد يستند على أسس وقيم إنسانية عالمية لم تعد خاصة بفريق دون آخر أو ثقافة دون أخرى أو جماعة دون أخرى. وأضاف الدكتور العيسى أن قيم الحرية وحقوق الإنسان والعدل والمساواة والتعاون للحفاظ على البيئة ومحاربة الفقر والجهل والمرض والمساعدة في جهود التنمية الشاملة كل هذه القيم والمثل العليا هي نتاج التاريخ الإنساني بكافة ثقافاته وليست حكراً لثقافة دون أخرى ولا لشعب دون آخر. وأفاد المحاضر أن التعاون في المجال السياسي والعلمي والاقتصادي وفي مجال تطوير الصناعات والاختراعات كل ذلك أصبح ميداناً واسعاً وعميقاً تشترك فيه كل شعوب العالم بكل دياناتها وثقافاتها وعاداتها لا يتفوق شعب على شعب ولا ثقافة على أخرى إلا بالجهد الدؤوب والعمل المنظم بالتعليم وتسخير الإمكانات وتطوير القدرات البشرية واقتناص الفرص والمبادرة لمعالجة الأزمات والتعاطي الإيجابي مع الأحداث على الساحة الدولية. وذكر الدكتور العيسى أن هذه المعادلة السحرية ليست مفقودة على مستوى التطبيق والتنفيذ فحسب ولكنها مفقودة قبل ذلك على مستوى التنظير والبحث والدراسة والتعليم. وأكد المحاضر أن مفكرين كثيرين كتبوا عن علاقة الثقافة العربية المعاصرة بالتراث وتحدث آخرون عن علاقة الثقافة العربية المعاصرة بالعالم والثقافات الأخرى وتحدث القليل عن أهمية الاعتناء بالتراث والاستفادة من قيمه الأصيلة الحية وفي نفس الوقت الاستفادة من الثقافات الأخرى المعاصرة التي تكاد تكتسح العالم بقيمها ورموزها وعلاقاتها العامة والخاصة. ونوه مدير جامعة اليمامة إلى أنه مع الأسف فإن هذه الدعوات لم تتحول حتى الآن إلى مشروع ثقافي شامل له تأثيره المباشر في حركة الثقافة العامة السياسية والاجتماعية في العالم العربي وإن كنا لا ننكر جهودا تجري هنا وهناك ومشاريع وبدايات تحتاج إلى مدرسة فكرية تدعمها وحس أدبي وعلمي رفيع يصقلها وجهد سياسي يدفع بها إلى الأمام. ولفت إلى أنه عندما نتأمل في تطور الفكر العربي المعاصر نجد أن العرب والمسلمين بشكل عام بعد أن حاولوا النهوض من مرحلة الانحدار الثقافي والحضاري الشامل الذي تجاوز في عمره الزمني الخمسة قرون فصلت ما بين تاريخهم الزاهر وتاريخهم المعاصر وحصل فيها انقطاع حقيقي في تراكم المعرفة والعلوم والاختراعات والتقدم الصناعي والتجاري والزراعي لم يسلكوا الطريق الصحيح للنهضة الثقافية والحضارية حتى الآن على الرغم من الموجات الفكرية المتعاقبة التي حاولوا من خلالها البحث عن الحل السحري والمعادلة المفقودة. وقال الدكتور العيسى فى محاضرته لقد جاءت إحدى الموجات الكبيرة تنادي بالنهضة على أساس القومية العربية التي تستند على وحدة العرق ووحدة اللغة ولكنها فشلت في تحقيق طموحات الشعوب العربية وذلك عندما حاولت استبعاد الدين وتنكرت للتراث بسبب اعتقاد بعض المفكرين أن الانتماء الديني يتعارض مع فكرة القومية التي يمكن أن ينضم تحت لوائها أبناء كل الأديان السماوية وغير السماوية. وأوضح أن القومية العربية فشلت في تحقيق نهضة حقيقية وتنمية جادة سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي فأدى ذلك إلى ردود فعل بسبب اليأس الذي أحاط بالعرب نتيجة النكسات السياسية والهزائم العسكرية فبرزت على السطح موجات مناهضة لفكرة القومية ومبادئها أبرزها انطلق باتجاه الدين فكانت تلك الحركات الإسلامية السياسية التي استخدمت الدين كوسيلة لكسب الأنصار فوعدت باستعادة أمجاد الأمة ومحاربة الفساد ومقاومة الطغيان. وأضاف أن تلك الحركات فشلت سريعاً وبصورة لم تكن في الحسبان حتى عند محللي الغرب السياسيين ومفكريه الأيديولوجيين، بسبب عدم امتلاكها لأدوات المعرفة بتعقيدات الحياة السياسية وتمسكها بأحلام تاريخية ونتيجة لهذا الفشل سحبت البساط من تحتها التيارات الدينية السلفية التي سعت لإعادة إحياء التراث الإسلامي الفقهي كما كان عند علماء السلف في القرون الثلاثة الأولى الهجرية. وأفاد الدكتور العيسى أن السؤال المطروح اليوم هو: هل يمكن أن نتنبأ بقيام مشروع نهضوي جديد أومدرسة فكرية مختلفة تحاول أن تستلم زمام المبادرة وتعيد للعرب والمسلمين بعضاً من اتزانهم وتحاول أن توجد لهم مكانة مختلفة وتحافظ على موقعهم بين الأمم وتفتح لهم باباً من الأمل وباباً من الثقة وباباً من الاعتراف بأخطاء الماضي وتوهمات الحاضر. وقال المحاضر إن الجواب بالمختصر المفيد هو نعم، فقد بدأنا نتلمس شيئاً من المراجعة والنقد القاسي للمسلمات الفكرية وللانحرافات المنهجية ولهذا أرى أن الوقت قد حان لقيام مدرسة فكرية جديدة لن تكون بعيدة عن الدين وإشراقاته ولن تكون متنكرة للتراث وكنوزه ولن تكون بعيدة عن الواقع ومشكلاته ولا عن المستقبل وتحدياته. ونوه إلى أنه يجب على هذه المدرسة أن تمتلك من الشجاعة والتواضع لتقول أن تاريخ العرب والمسلمين كان مثل تاريخ الشعوب الأخرى فيه من التفوق والإشراق الشيء الكثير وفيه من الإخفاق والمآسي الشي الكثير أيضاً وتملك من الشجاعة والتواضع لتعلن أن العرب والمسلمين كانوا جزءاً من منظومة الحضارة الإنسانية، ولم يكونوا كل شيء. نعم كانوا يملكون في وقت من الأوقات عناصر التفوق الحضاري والقوة العسكرية ولكنهم فقدوا مركز الصدارة لأمم أخرى اعتنت بالعلم ودور العلم وبالعقل وتنمية التفكير والتخطيط والتعليم وبدور الفرد في صناعة الحضارة. ولفت العيسى إلى أنه يجب على هذه المدرسة أن تمتلك من الشجاعة لتقول إن العالم لم يعد كما كان في الماضي وأن القفزات التي حصلت في حضارة الإنسان خلال المائة العام الماضية فاقت تطور الإنسان خلال تاريخه كله وأن دور العرب والمسلمين في هذه القفزة كان ضئيلاً ومتواضعاً ولكن المدرسة يجب أن تعترف بأن الوقت لم يزل متاحاً لكل حضارة بأن تسهم في مزيد من التقدم متى امتلكت زمام العلم وطوعت العقل نحو مزيد من التفكير والبحث والعلم والمشاركة ومتى كانت قادرة على التعلم أكثر من قدرتها على الادعاء بامتلاك أسباب النهضة وهي بعيدة كل البعد عن ذلك. وأشار المحاضر إلى أنه يمكن تعريف المدرسة العقلانية الجديدة بأنها مدرسة فكرية تسعى إلى نهضة عربية شاملة تستند على دور العقل المبدع والخلاق في خلق فرص المستقبل وتحقيق التنمية بكافة أبعادها مستمداً قوته من إيمانه بالله ومستلهماً طاقاته من المبادئ الإسلامية الروحانية والأخلاقية العظيمة معتزاً بتراث الأمة وقيمها وتقاليدها منطلقاً ومستفيداً من إنجازات البشرية والأمم الأخرى باحثاً عن العلم والمعرفة والحكمة أينما كانت منفتحاً على علوم وثقافات الدنيا بوعي وثقة ومساهماً في تطور البشرية، فكما يحق له أن يأخذ، فمتوقع منه أن يعطي ويساهم. وأوضح أن الملاحظة الثانية تتمثل فى أن مفهوم الوسطية الذي كثيراً ما يطرح في الساحة الفكرية العربية كمخرج عندما تشتد الأزمات وترتفع حرارة الجدال لا يزال مفهوماً ضبابياً غير واضح المعالم. فالآية الكريمة «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس»، لا تدل بحال من الأحوال على أن الفكر السوي هو وسط بين نقيضين، فقد فسر العلماء مفهوم الوسط هنا فقالوا «خيار الأمم» وأجود الأمم ومنهم من قال الوسط، هو العدل.. وعموماً لو صح القول في وسطية الإسلام بين الديانات الأخرى لكان ذلك مناسباً في باب العقيدة ولكن في باب الفكر فإن الوسطية قد تتحول إلى مشروع توفيقي بين تيارات فكرية متناقضة ولا يصح أن يُبنى عليها مشروع نهضوي حقيقي. فنقول هنا إن مفهوم العقلانية الإسلامية ينبغي أن يكون مشروعاً مستقلاً له فلسفته الخاصة وبناؤه الفكري ولا ينبغي أن يتحول إلى مشروع توفيقي بين التيارات الدينية الأصولية والتيارات العلمانية في العالم العربي. وأضاف أن الملاحظة الثالثة هى إن المدرسة العقلانية الجديدة في أن الوقت الذي تستند فيه إلى إرث فكري أصيل في نصوص ديننا وفي انتاج علماء المسلمين ومفكريهم إلا أنها تعترف بأن العلوم الحديثة التي تأسس معظمها في الغرب قد تجاوزت كثيراً النتائج التي توصل لها علماؤنا السابقون سواء أكان ذلك في علوم التاريخ والاجتماع أو في العلوم الإنسانية الأخرى كالفلسفة والآداب، إضافة – بالطبع - إلى العلوم الطبيعة من علوم الكيمياء والفيزياء والرياضيات والطب والفلك، ولهذا فإن ما ننشده اليوم هو تأكيد أن الدين والقيم والتقاليد العربية تحث على استخدام العقل والتفكير المنطقي والتحليل الفلسفي ونوه المحاضر إلى أن الملاحظة الرابعه تتمثل فى أن إعادة تأسيس قدرات العقل المسلم يجب أن تبدأ من مراحل الطفولة ومراحل التعليم الأساسي. فالتعليم الذي يعتمد على الحفظ والتلقين وتقديس الماضي لن ينتج عقولاً واعية مدركة وممتلكة لأدوات التفكير والتحليل والبحث وحل المشكلات منوها إلى أهمية تخليص العلوم الإنسانية المعاصرة من المسلمات الفكرية التي بنيت على ما توصل إليه علماء ومفكرون عاشوا في عصر المخطوطات وصعوبة الاتصال وشظف العيش وانعدام التقنية ومن ثم حشرها في عقول الصغار الذين يتعاملون اليوم مع التقنيات الحديثة ومع وسائل الاتصال الفائقة السرعة، ويعيشون في عالم شديد التعقيد انهارت فيه الحواجز والحدود الجغرافية والسياسية والاقتصادية وتعددت فيه الثقافات ، وتداخلت فيه المصالح.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©