الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تُحقق رغبة رامبو بنقل رفاته إلى عدن؟

هل تُحقق رغبة رامبو بنقل رفاته إلى عدن؟
3 يناير 2008 00:21
في كتاب ''رامبو الشاعر والإنسان''، الذي صدرت ترجمته العربية عن المركز الفرنسي في عدن، هناك إشارة مهمة من المؤلف بيير بتفير إلى ''أن رغبة رامبو لم تكن في أن يدفن في مقبرة شارلفيل، ولكن في إحدى مقابر هرر أو عدن''، ويدعم هذه الإشارة بقول لأخت رامبو ''ايزابيل'' التي رافقته آخر أيام حياته في أحد مستشفيات مرسيليا: ''لو كان الأمر بيده لود أن يدفن في عدن ذلك أن المقبرة تقع على ساحل البحر، ليس بعيداً عن مكاتبه· وبالتأكيد كنت سأرسل الجثمان إلى هناك لو أنه أكد ذلك· لكنه تخلى عن الفكرة فقط بسبب المعارضة التي كنت سألاقيها''· وهناك رسالة بعثتها ايزابيل إلى أمها قبل أسبوع من وفاة رامبو في 11 نوفمبر 1891 تشير فيها إلى أنها قد أعطته وعداً في موضوع دفنه: ''فوق كل شيء جعلني أعده بعدم تركه قبل أن يموت، وأن أشرف على تنفيذ رغباته الأخيرة خصوصاً ما يتعلق بدفنه''، مما يؤكد، إلى جانب قولها السابق، إن رغبة رامبو كانت هي أن يدفن في عدن، إلاّ أنه وبسبب التعنت الواضح لوالدته السيدة رامبو، حسب تعبير بيير بتفير، قد تم دفنه في مقبرة العائلة بشارلفيل· ويبدو، على الرغم من أهمية الوثائق التي يرجع إليها هذا الباحث وغيره من كتاّب سيرة رامبو، أن ليس هناك بين المعجبين والمهتمين بشعر وسيرة هذا الشاعر من أثار هذه المسألة، وطالب بإعادة الاعتبار لرغبة رامبو من خلال نقل رفاته من شارلفيل في فرنسا إلى عدن في اليمن· ولكن السؤال المهم، قبل كل ذلك، هو: هل ستوافق فرنسا على نقل رفات شاعرها الذي أصبح أحد رموزها الثقافية، بل والسياحية، إلى مدينة عدن لمجرد القول إن رامبو كان يرغب في ذلك؟ رامبو التاجر مع ذلك، تثير علاقة رامبو بعدن الكثير من التساؤلات، فهو وإن فضّل أن يدفن فيها إلا أنه كان لا يكن لها سوى الكره· فحياته في هذه المدينة منذ 1880 وحتى ،1891 والتي تخللها الكثير من الأسفار التجارية إلى سواحل البحر الأحمر ومدن إفريقية كثيرة، كانت مختلفة عن مثيلتها الأولى، فهو إذ تنكّر لكتابته الشعرية وأعتبرها تجربة سخيفة ومقرفة وتافهة، فإنه لم يُعرف في هذه المناطق إلاّ بصفته تاجراً، جاء بهدف تحقيق الثروة وبأي وسيلة كانت· ونجد في رسائل رامبو من عدن، ترجمها إلى العربية الشاعر شربل داغر في كتاب بعنوان ''العابر الهائل بنعال من ريح''، كما نجد في كتاب بيير بتفير الذي ترجمه حسين مجيد، أن رامبو وصف عدن بأنها ''صخرة بشعة''، وكان يقول إنه يسكن ''الحفرة البشعة بعدن''، أو ''الثقب الشنيع بعدن''، وأعتبر نفسه في هذه المدينة ''مثل الأسير''· وكتب في هذه الرسائل: ''أكد وأتعب مثل الحمار في بلد لا أعرف له غير الكره القاطع في نفسي''، وهو ''مكان لا يقيم فيه أحد إلاّ مضطراً''· ولا يتردد رامبو حين يراهم في عدن عام 1885 يصلحون نظام الدفاعات تحسباً للحروب، أن يعبر عن مشاعره الفيّاضة بالكره: ''يسعدني أن أرى هذا المكان مطحوناً تماماً· ولكن في الوقت الذي لا أكون فيه''· ويضيف: ''أتمنى ألا أبدد إقامتي في هذا المكان القذر''· لكن رامبو يجد معاملة ناس المدينة له على نحو مختلف، على الرغم من حدوث بعض المشاجرات والخلافات، فيقول في رسالة إلى أمه عام 1890: ''لا يمكن لأحد في عدن أن يحكي عني بالسوء، بل على العكس من ذلك الجميع يذكرني بالخير في هذا البلد منذ عشر سنوات''· وفي رسالة سابقة من عدن يقول: ''أصبحت معروفاً وحيث أستطيع دائماً العثور على عمل، أمّا في فرنسا فسأكون غريباً ولن أوفق بشيء أبداً''· بلدان شيطانية إذا كان رامبو قد فضّل البقاء في عدن على الذهاب إلى فرنسا، فإن مفاضلته هذه لا تخرج عن دائرة الكره، ففي رسالة أخرى أرسلها إلى أهله في شارلفيل بفرنسا يصف عدن بأنها ''المكان الأكثر ضجراً في العالم''، لكنه سرعان ما يستدرك: ''بعد المكان الذي تسكنون فيه، طبعاً''· وكان يقول لأهله إن العودة إليهم تعني أن يقبر نفسه؛ لهذا يلاحظ أن كراهية رامبو لعدن لا تختلف عن كراهيته لمثيلاتها من المدن والموانئ والبلدان التي عاش فيها، ووصفها بأنها ''بلدان شيطانية''، كما وصف ناسها بالمتوحشين والأغبياء والبدائيين والهمج· ونجده يكتب في 30 ديسمبر 1884عن النشاط الاستعماري لفرنسا، الذي لم يكن ضده تماماً، في رسالة إلى أهله: ''لا أعتقد بوجود أمة لها سياسة استعمارية سخيفة كالأمة الفرنسية''، أمّا الإدارة البريطانية لعدن فلا ''تهتم بشيء غير إذاعة الأكاذيب''· وسيلة للعيش يبرر رامبو مجيئه إلى هذه البلدان والمناطق بكلام يختلف عن الكثير من الشطحات التي يطلقها بعض الكُتّاب: ''أنا ما أتيت طبعاً إلى هنا بحثاً عن السعادة· أنا لا أستطيع مع ذلك مغادرة هذه المناطق، بعد أن صرت معروفاً فيها، وبعد أن وجدت فيها وسيلة للعيش، بينما لن أجد في أمكنة أخرى غير الموت جوعاً، فقط لا غير''· رامبو في سطور هو جان آرثر رامبو ( 20 أكتوبر 1854 ـ 10 نوفمبر 1891) شاعر فرنسي أثرت أعماله على الفن السريالي· ولد رامبو في شارلفيل بفرنسا في عام ·1854 بدأ بكتابة الشعر بسن السادسة عشرة، وتميزت كتاباته الأولى بطابع العنف· اتبع مبدأً جمالياً يقول إن على الشاعر أن يكون رائياً، ويتخلص من القيود والضوابط الشخصية، وبالتالي يصبح الشاعر أداة لصوت الأبدية· دعاه بول فرلين للمجيء إلى باريس· لعل أبرز قصائده ''قارب السكارى'' (عام 1871) التي تحتوي براعة في اختيار الألفاظ والصور الفنية والاستعارات· بين عامي 1872 و1874 كتب ''الاشراقات'' (بالفرنسية: جمَّ ةٌٌٍِّىَفُّىََُّ)، وهي مجموعة من القصائد النثرية حاول فيها عدم التمييز بين الواقع والهلوسة· في عام 1873 كتب قصيدة أخرى وهي ''فصل في الجحيم'' استبدل فيها المقاطع النثرية بكلمات مميزة، وكانت آخر أعماله الشعرية بعد أن بلغ من العمر 19 عاماً· في يوليو 1873 وفي حالة من السكر أطلق بول فرلين على رامبو رصاصتين، مما تسبب في إصابته بجروح في المعصم· بعد اعتزاله الأدب، قرر رامبو في عام 1875 السفر إلى إثيوبيا والعمل كتاجر· توفي في مارسيليا بفرنسا في العام 1891 بعد أن بترت ساقه·
المصدر: صنعاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©