الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيخ زادة أبرز رواد التصوير الواقعي في الدولة الصفوية

شيخ زادة أبرز رواد التصوير الواقعي في الدولة الصفوية
14 سبتمبر 2009 23:59
ما نعرفه عن حياة هذا المصور ليس سوى قليل من المعلومات التي لا تتناسب ندرتها مع شهرته وغزارة الإنتاج الفني الذي ينسب إليه. والثابت في سيرته أنه تتلمذ على يدي المصور الكبير كمال الدين بهزاد حيث عمل تحت إشرافه في مكتبة القصر الملكي بتبريز العاصمة الأولى للدولة الصفوية في عهد الشاه إسماعيل وأوائل فترة حكم ابنه الشاه طهماسب• ومن الأعمال الكثيرة التي ساهم فيها المصور شيخ زاده، مخطوط من ديوان الشاعر الفارسي على شيرنوائي وهو محفوظ في المكتبة الأهلية بباريس ومؤرخ بسنة 931هـ ـ 1526 م وينسب إليه إنجاز أربع صور من هذا المخطوط منها صورة تمثل معركة حربية بين الإسكندر المقدوني ودارا ملك الفرس وأخرى تمثل الإسكندر يصطاد البط بسهامه من قارب في البحر وثالثة لبهرام كور وهو يجلس على سجادة مع إحدى زوجاته وتبدو في الصورة الأخيرة مسحة واضحة من أسلوب كمال الدين بهزاد أستاذ شيخ زاده حيث تبدو وكأنها لوحة من الفسيفساء بما تحويه من تفاصيل دقيقة رسمت بعناية ودقة. وجعل المصور موضوعه الرئيسي بوسط المنظر أو في محور التصويرة حيث يجلس بهرام كور وأمامه زوجته في وداعة ورقة تتناسب وروح الزخرفة التي تتناول كل قطع الأثاث والجدران بينما يشد الانتباه منظر الملك الساساني بعمامته المتعددة الطيات التي تخرج منها عصا طويلة جريا على عادة ملوك وأمراء الصفويين أنذاك• تصوير الحروب من روح القصر المترفة الناعمة انتقل مصورنا إلى لوحة أخرى مثل فيها المواجهة الحاسمة بين دارا ملك الفرس والاسكندر الأكبر والتي انتهت بهزيمة الأول ومقتله على يد أحد اتباعه طلبا لرضا المقدوني ذي القرنين. وقد اختار شيخ زاده أن يصور واقعة انهزام الإيرانيين أمام جنود الإسكندر الأكبر الذي رسمه في الركن الأيمن الاعلى لصوره وقد امتطى صهوة جواده المميز بسرج يشبه قطعة الشطرنج وعبر عن اطمئنان الإسكندر لحتمية انتصاره في المعركة بتلك الإطلالة الهادئة للإسكندر والتي لا تحمل أي قدر من الانزعاج أو التأثر بوقائع الحرب وقد صور المقدوني معتمراً عمامة ذات طيات تنتهي بعصا سوداء وكأنه أمير صفوي ونرى في تلك الصورة التي اتسعت فيها المقدمة على حساب الخلفية ميل شيخ زادة إلى المزاوجة بين تقاليد المدرسة التيمورية في التصوير ممثلة في اختيار التصميم الدائري للتعبير عن الصراع بين المتحاربين في أسفل التصويرة وواقعيته الشديدة في الإشارة إلى تعقب قوات الإسكندر لجحافل دارا عن طريق تكرار جميل لتصميم يمتد بمناظر المطاردة من أقصى يمين الصورة إلى نهايتها اليسرى. ومع تنويع أوضاع القتال لم يهمل شيخ زادة بميله الواضح نحو الواقعية أن يغاير في حركات الخيول وكذا في ألوانها، حتى ليمكن القول إنه مثل تقريبا كل ما نعرفه من ألوان الخيول من اللون الأبيض مروراً بدرجات اللونين البني والرمادي وانتهاء بالخيل الأدهم الشديد السواد وفي هذه الصورة أيضا يبدو شيخ زادة أكثر وفاء لأسلوب استاذه بهزاد ولاسيما في تعبيره الدقيق الممتلئ بالحيوية عن رسوم الخيل، وفي إطلاق العنان لخياله في تمثيل الحركات المختلفة للمتحاربين والجمع بين هؤلاء بما يخدم الغرض التوضيحي. وأيضا في استخدامه منظور عين الطائر حتى باتت المعركة وكأنها تصور من أعلى، وأتاح له ذلك تمثيل عدد كبير من المتحاربين ورصهم دون أن يحجب أحدهم رؤية الآخر وفق قواعد المنظور. ومع استخدام منظور عين الطائر بدت الصورة مسطحة وبعيدة عن العمق وساعد على زيادة الإحساس بهذا التسطح أن شيخ زاده لم يقسم الصور بتوازن بين المقدمة لاستيعاب أكبر قدر من التفاصيل، فلا يكتفي بسهل الفرات الذي تدور عليه المعركة وقد عبر عنه باللون الأزرق الباهت وإنما يتبعه أيضا بصخور أو بهضبة صخرية مرتفعة بينما تبدو الخلفية باللون الذهبي خلف هذه الصخور وبالجملة فإن تصويرة شيخ زادة تبدو بألوانها الهادئة كلوحات فسيفسائية أحكم مصورنا صياغة كل منها ثم قام بجمعها معا في خطتين مختلفتين دائرية وعرضية وكان ذلك بحد ذاته ابتكارا وجرأة لم يسبق إليهما غيره من المصورين. تمثيل الحركة من ذات هذا المخطوط لأشعار مير علي شيرنوائي نرى واحدة من أشهر أعمال شيخ زادة وهي الصورة التي تمثل الإسكندر الأكبر يصطاد البط بسهامه من قارب في البحر. ويظهر المقدوني هنا في هيئة أمير صفوي بعمامته المميزة وقد جلس في قارب كبير أسود يحتل وسط المنظر على عرشه مما يشير إلى أنها مركبة ملكية ينتهي طرفها بهيئة تنين باللون الذهبي. وقد وفق المصور في التعبير عن قيام الإسكندر بإطلاق النشاب تجاه الطائر وعن الالتفاف لاتباعه في المركب إعجاباً بمهارته في الرمي ويتصدر الصورة قاربان آخران مليئان بالجنود والاتباع والبحارة ظهرت على ملامحهم أيضا الدهشة التي عبر عنها بقيام بعضهم بوضع أصبعة في فمه وهي المأثورات الشائعة في فن التصوير الإسلامي. وتصوير شيخ زادة لهذين القاربين يمثل موضوعا مستقلا بذاته، إذ نراه أولا يحرص على التمييز بين نوعين كانا شائعين من المراكب، أحدهما وهو الأكبر بلونه الأسود له شراع والثاني الأصغر حجما يسير بمجاديف طوال وهو ينوع بلا تكلف في حركات المستقلين للمركبين وأيضا في ملابسهم وأغطية رؤوسهم وألوان بشرتهم ولعله برسمه لأحد الزنوج في القارب ذي الشراع يذكرنا بمهارة كمال الدين بهزاد في رسم الزنوج وحرصه على تمثيلهم في أعماله. وقمة نجاح شيخ زادة في التعبير عن الحركة تمثيله لذلك النوتي الذي تسلق في حركة بهلوانية رشيقة ساري المركب ومن الملاحظ أنه لجأ إلى استخدام اللون البني للتعبير عن مياه البحر وكأن وقائع الصيد تجري أثناء الليل بينما جرى تصوير القوارب ومن بها في جو يشع بالضوء الملائم للنهار. ولم يخالف شيخ زادة تقاليد التصوير الفارسي في عدم الاعتداد بالظل والنور وتمثيل الموضوعات كما لو كانت تجري في وضح النهار، والاكتفاء بالإشارة إلى الليل أما برسم النجوم والقمر أو باستخدام الألوان الداكنة للتعبير عن المجاري المائية واللافت تلك الاستعارة الذكية لعنصر السحاب الصيني «تشي» التي قطعت بلونها الذهبي الامتداد الكئيب للون البحر ومنحت الصورة قدرا كبيرا من الروح الزخرفية التي كادت تغيب عن جوها العام.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©