السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمازيغ ليبيا: أزمة هوية

25 مارس 2012
ظهرت "أمل زهير" بحجاب راجع قليلاً إلى الخلف، كاشفاً عن خصلة من الشعر التي تمثل استفزازاً بالنسبة للمحافظين الأكبر سناً، تماماً على غرار عشقها لموسيقى الروك. وتشرح "أمل" كيف أنها تشعر كما لو كانت شخصين، إذ تقول: "إنني أتركُ نفسي في المنزل كلما خرجتُ إلى الشارع. أنا هو هذا الشيء الآخر، هذا الشخص المزعوم الذي يريدونني أن أكونه". غير أن صراع "أمل" مع هويتها يعكس عملية بحث أكبر في ليبيا في الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى الخروج من تأثير أربعة عقود من حكم القذافي، الذي لطالما قمع نظامُه القومي العربي ثقافات الأقليات. هذه الشابة البالغة من العمر 21 عاماً، هي من الأمازيغ الذين تعرف ثقافتهم القديمة حالياً انبعاثاً جديداً. لكن هذه النهضة تُبرز تطلعات متباينة في ليبيا ما بعد القذافي حيث يحلم الشباب المعولم مثل "أمل" بقدر أكبر من الاستقلالية، بينما يجد التقليديون والمحافظون دينياً الراحة في مزيد من القيود المألوفة. وفي هذا الإطار، يقول "أيوب سفيان"، وهو شاب في الثالثة والعشرين من عمره: "إننا لا نعرف من نحن"، مضيفاً: "هل أنا ليبي أم أمازيغي أم مسلم؟". جزء من المشكلة مرده إلى سياسة القذافي القمعية بخصوص الهوية. ذلك أنه كان يحظر القراءة أو الكتابة أو الغناء باللغة الأمازيغية. وكانت محاولات تنظيم مهرجانات تقابَل بالترهيب. وكان النشطاء الأمازيغ يُتهمون بالنشاط الإسلامي الحركي ويتعرضون للسجن. وكان التعذيب شائعاً. فالأمازيغ، الذين كانوا يشكلون ذات يوم نحو 5 في المئة من سكان ليبيا، لم يكن معترفاً بهم وكانوا يتعرضون للقمع ويرغَمون على النظر إلى أنفسهم كعرب. تقع زوارة على بعد 37 ميلاً من الحدود التونسية في غرب ليبيا. إنها مدينة هادئة، حيث الحياة تدور حول الميناء. طرقها تمتد من الساحة المركزية. الرجال كبار السن يعتمرون العمائم في المقاهي. ومن النادر رؤية نساء في الخارج، ذك أن الفضاء العام هو ملك للرجال. وتعليقاً على هذا الموضوع، تقول أمل: "إن معظم الناس يعتقدون أن على المرأة أن تذهب إلى المدرسة، ثم تتزوج، وتعتني بالأطفال، ثم تموت". وحكت "أمل" كيف أنها، بعد تخرجها وقبل أن تبدأ عملها كسكرتيرة، أمضت 20 يوماً دون أن تغادر منزل والديها. ذلك أنه في مدينة زوارة المحافظة إذا شوهدت امرأة خارج منزلها دون مرافق، فإن الإشاعات والأقاويل تتكاثر. وتقول أمل: "أشعر كما لو أنني في سجن"، مضيفةً: "إنني أريد شيئاً مختلفاً". العلم الليبي الجديد يزين كل الأعمدة الكهربائية أو مرسوم على الجدران، إلى جانب رسوم الجرافيتي التي تمدح ثوار ليبيا وتمجدهم. لكن هناك علماً آخر أيضاً، هو علم الأمازيغ. وهو ثلاثي الألوان: الأصفر والأخضر والأزرق يتوسطه حرف أحمر باللغة الأمازيغية. لكن إظهار الهوية هذا كان أمراً مستحيلاً بالأمس القريب. وبالنسبة ليونس شيبوب، وهو ناشط أمازيغي في الخمسين من عمره يقوم بنشر الكتب التعليمية الأمازيغية، فإن اللغة هي جوهر الهوية، إذ يقول: "إذا عرفنا لغتنا، فإننا نعرف أنفسنا"، مضيفاً: "وإذا لم نحترم لغتنا، فإننا لا نحترم هويتنا، ونصبح مواطنين من الدرجة الثانية". كان شيبوب يجلس في مقر سابق للاستخبارات العسكرية مستلقياً على كرسي يدخن سيجارة. وكان المبنى يعيش تحولا، إذ من المرتقب أن يصبح قريباً مقراً لمحطة إذاعية فتية تبث برامجها باللغة الأمازيغية. وفي هذه الأثناء، اخترق التيار السلفي مجتمع زوارة، مهددا ًربما الأفكار الأكثر اعتدالاً. وبالنسبة لوليد محمد، وهو سلفي، فإن الكتاب هو الأساس إذ يقول: "إن الناس أحرار ليفعلوا ما يشاؤون طالما أنهم لا يخرجون عن الإسلام"، مضيفاً: "دور المرأة هو الاعتناء بالمنزل، ولكن ليس من الخطأ أن تعمل طالما أن ذلك لا يؤثر على المنزل. كما أنها تستطيع التواصل مع الرجال، لكن ليس خارج ما يتطلبه عملها". وفي كلية محلية، يمشي الأولاد والبنات منفصلين عن بعضهم بعضاً أو يجلسون منفصلين في مقصف المدرسة. جو من الحذر والمراقبة يخيم على المكان. وفي هذا الصدد، يقول سلطان تويني، عميد الكلية: "هناك نوع من التوتر، وهو جزء من مشكلة أكبر: فلا أحد يفهم الآخر"، مضيفاً: "علينا أن نعترف بالتنوع في المجتمع الليبي ونشجع هذا الأمر؛ فلا أحد ينبغي أن يفرض أي أفكار على الآخرين". غير أنه بالنسبة لأمل، فإن خليط الدين والتقاليد يشكل قوة قمعية في وقت تتطلع فيه هي ومجموعة صغيرة من أصدقائها إلى أوروبا والولايات المتحدة بحثاً عن الهوية. وتذكر بعض الفتيات اللاتي بدأن يستمعن إلى موسيقى الروك الصاخبة وموسيقى "الإيمو" قبل عامين، فاتُّهمن بالسحر. وعندما مورست ضغوط لفصلهن من المدرسة، أصبحن يرتدين ثياباً أكثر حشمة وتواضعاً. وتلوم أمل التقاليد التي تنص على ألا تتزوج إلا برجل أمازيغي -يفضل أن يكون من مدينة زوارة- والتي لا تجيز لها التجول بمحاذاة شواطئ زوارة الطويلة دون مرافق من أهلها، وألا تكون ثمة جمعيات نسوية في المدينة. موقع الفيسبوك يشكل بالنسبة لها الفضاء الوحيد للتخلص من الضغوط الخانقة لبعض الوقت. وتقول إن العديد من النساء لديهن عدة حسابات في موقع فيسبوك تحت أسماء عربية مستعارة. أما حسابها الخاص، فيحمل اسم بطلة أحد أفلام هوليود الشهيرة. جلِن جونسون - زوارة، ليبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©