الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الغيتا.. أنشودة الخلود» دعوة لارتقاء الإنسان بعيداً عن التعصب والطمع

«الغيتا.. أنشودة الخلود» دعوة لارتقاء الإنسان بعيداً عن التعصب والطمع
13 سبتمبر 2009 00:17
يستمد كتاب «الغيتا: أنشودة الخلود» لمؤلفه د. داموادر ثاكور؛ أهميته من كونه واحدا من أهم كنوز الشرق الأدبية بما يحتويه من نظرات ثاقبة وتعاليم غاية في الجمال والإبداع، فضلا عن أنه أحد البراهين الهامة على ما يزخر به عالمنا الشرقي من تراث الحكمة القديمة، ومن الآثار الروحية الداعية إلى ارتقاء الإنسان وتنظيم سلوكه بعيدا عن التعصب والطمع والغضب وما يلحقه هذا الثالوث البغيض بالإنسانية من تدمير أخلاقي. خرافة الموضوعية يشير ثامور إلى سعيه لمناقشة «الغيتا» ليست كما هي، وانما كما فهمها هو، انطلاقا من اعتقاده بأن الموضوعية الصرفة خرافة، وأننا نستطيع أن نناقش شيئا ما كما فهمناه نحن، وبناء على ما لدينا من مرجعيات وخبرات ومعارف. وتبعا لرؤيته يؤكد الكاتب «إنها -أي الغيتا- كانت مصدر إلهام واستنارة لعدد كبير من الشخصيات البارزة في العالم، وكانت لهم عونا في فترات المحن العصيبة، وأمدتهم بقسط وافر من القوة الأخلاقية والفكرية وحفزتهم على الارتقاء والسمو عن الصغائر وسفاسف الأمور، ومثلت منهاجا لكثير من البشر في انحاء العالم، واستفادوا منها في حياتهم الخاصة والعامة». ورغم صعوبة تقسيم البشر أي أصناف حصرية إلا أن الكاتب حاول تصنيف المعجبين في «الغيتا» إلى ست فئات: الأولى: (الدعاة الدينيين والنساك والرهبان والحكماء والصوفيين وذوي الرؤى). ومن النماذج المتميزة لأصحاب هذه الفئة «سيرى يورو بيندو» وقد أثنى على «الغيتا» لما تتسم به من شمول الرؤية فقال: «إنها تصور تصويرا كليا، من دون أن تقطع أو تبني أسوارا أو أسيجة تضيق بها رؤيتنا». أنموذج عظيم انتقل الكاتب إلى الفئة الثانية: (الدبلوماسيون ورجال الدولة، عندما ترجمت الغيتا ونُقلت إلى الغرب أثارت فتنة وهياجا بين المثقفين والدبلوماسيين البريطانيين، ولكن أفضل مثال للدبلوماسيين الذين تأثروا بأفكارها هو «وارن هاسيتجز» أول حاكم عام للهند الذي قال عنها: «إنني لا أتردد في أن أعلن أنها أنموذج عظيم للأصالة، وسمو المفاهيم، والرشد والبيان الذي لا يضاهى». الفئة الثالثة: (الفلاسفة والأكاديميون، ومنهم رازا كريشنان) الذي وصف «الغيتا» بأنها أعظم عمل مؤثر في الفكر الهندي.. كما أطرى على ما فيها من نظرة تحررية وسعة أفق، قائلا: «إن مؤلفها إنسان عميق الثقافة، واسع الأفق أكثر من كونه انتقاديا، إنه غير مكترث بتبني مذهب نبوئي، ولا يخاطب طائفة، ولا يؤسس مدرسة، بل يفتح الطريق لكل ريح هابّة». فضلا عن أن المؤرخ وول ديورانت قال عنها: إنها أسمى القصائد الفلسفية في عالم الأدب. الفئة الرابعة: (الأدباء والفنانون، ومنهم أمرسون، وألدوس هكسلي، وثيوريو) وهذا الأخير كان مبهورا بها لدرجة أنه ذهب إلى إعلان «أن الأدب العالمي المعاصر يبدو سقيما مبتذلا مقارنة بالجيتا». فلسفة اليوقا الفئة الخامسة: (العلماء، و في مقدمتهم العالم النووي الهندي «إي. بي. جي» عبدالكلام) الذي جعلت أبحاثه من الهند قوة نووية. ويشغل منصب رئيس الهند، ويعتبر من أشد المعجبين بالجيتا. الفئة السادسة: (صناع العالم المعاصر، وعلى رأسهم غاندي) ويعد لدى الملايين في أنحاء العالم رجل الألفية الماضية، وقد أطرى على الكتاب قائلا «حين تعتريني الشكوك، حين تحدق الخيبة في وجهي ولا أعود أرى بصيصا من نور، فإني ألجأ إلى الجيتا». وفي رأي غاندي بحسبما يقول الكاتب، أن التسع عشرة مقطوعة الأخيرة في الفصل الحادي عشر من الجيتا «تحتوي على جوهر القانون الإلهي، وهي تجسد أسمى المعرفة، والمبادئ المعلنة فيها ستظل راسخة لا تقبل التغير». ويضيف الكاتب، فضلا عن كل ما سبق، فإن الجيتا «تجيب على كثير من المسائل الميافيزيقية التي تتعلق بالحياة والموت، كما تجيب على الكثير من المسائل المتعلقة بالحياة السليمة. وتربطها صلة فكرية عقائدية بـ«الأوبانيشاد» وبفلسفة اليوقا، ولذا يمكن أن تفهم وتقدّر بشكل أفضل من خلال صلتها بهذين النظامين الفلسفيين الضاربين بعمق في الفلسفة الهندية». أرجوانا وكريشنا ينتقل الكاتب إلى الحديث عن السمو اللغوي الذي كتبت به «الغيتا» كما يبحث في الكيفية التي تم بها اختيار اسمها لهذا العمل الأدبي الضخم الذي يستند في قيامه على شخصيتين: «أرجوانا» و«كريشنا» الأول يقوم بدور المتلقي للمعارف التي يخبرها عنها كريشنا الذي تصوره الجيتا معبودا أو رمزا للخلود، وقوة أزلية أبدية لا نهاية لها ضمنها. وأثناء محاوراتهما تظهر قدرة فائقة في استخدام جماليات اللغة، كما نستشف معرفة تحليلية عميقة بتقنيات اللغة. وكان «كريشنا» يهدف من وراء ذلك إلى أن يتيح «لأرجونا» حكمة الهند الكلية المقطرة بإيجاز شديد. ومن خلال البحث في الاسم خلص الكاتب إلى أن التكثيف اللغوي الحادث في «الغيتا» نفسها انسحب على اختيار هذا الاسم عنوانا لها، كما توصل إلى سؤالين سعى إلى الإجابة عنها وهما: 1- كلمة «غيتا» لها صلة بالغناء والموسيقى، فهل للموسيقى أن توازي أو تلازم ما تود «الغيتا» أن تفصح عنه؟ إن كان هناك أي توازن ملفت، فهل فهم ذلك التوازي يساعدنا في فهم «الجيتا» بصورة أفضل؟ 2- إن كانت كلمة «غيتا» قد قصد بها أن تحمل مغزى ما بشكل موجز، فما هو بالتحديد ذلك المغزى؟ رحلة الحياة في سياق إجابة الكاتب على هذين السؤالين توصل إلى أن رسالة «الغيتا» قد عرضت بأسلوب شاعري إلى حد كبير بعيدة كل البعد عن أسلوب المناقشة التحليلية وبرزت فيها جماليات اللغة في بنيانها الكلي، وهو ما يظهر بشكل جليّ في مجموعات الصور المستخدمة فيها، الشيء الذي دعاه إلى مناقشة الأخيلة الأساسية المستحدثة في القصيدة لافتا إلى أن «الحقيقة التي غابت عن أذهان كل العلماء والباحثين الذين كتبوا عن الغيتا هي أنها - مثل كثير من النصوص الفلسفية والأدبية الأخرى المشهورة في العالم أجمع - تعرض الحياة باعتبارها رحلة». ويوضح أن الحياة كما تصورها «الغيتا» رحلة لا تنتهي من الكينونة إلى الصيرورة، ومن الوجود إلى زيادته وتعزيزه وتساميه. ويضيف: «وصف الحياة باعتبارها رحلة ليست تعبيرا مجازيا واضحا بل إنها وصفت في صورة شبكة من الأخيلة المترابطة المتكررة باستمرار وبعض تلك الصور البلاغية تمثل تصميما يعكس فكرة الرحلة واضحة جلية». شمولية الرؤية إن صورة الحياة في «الغيتا» كرحلة تجسد أكثر من خلال صورة «العربة الحربية» وهنا يؤكد المؤلف على وجهة النظر القائلة بأن «العربية الحربية التي جلس عليها كل من أرجوانا وكريشنا في معركة المهابهاراتا، ينبغي أن تفهم على أنها تصوير مجازي ورمز، وهي جميعا تمثل المجموعة الأولى للصور في الغيتا». ثم يلفت إلى أن «المجموعة الثانية من الصور المستخدمة فيها مستمدة من التراث الزراعي في الهند القديمة، وتشمل على تصوير الفلاح، وتصوير المزرعة، تصوير الشجرة، وكذلك صور، والورقة، الزهرة، البذرة، الثمرة، وأن الصورة الرئيسة لهذه المجموعة هي صورة الثمرة لأنها تكررت أكثر من أي صورة أخرى كما ظهرت في معظم فصول الغيتا». ويعرج الكاتب إلى العلاقة بين «الغيتا» والتطور الحالي في علم الفيزياء، وكذا علاقتها بعلم الكون، وعلم الطب، وعلم البيئة المعاصر، موضحا أن شمولية الرؤية التي قامت عليها أدت إلى قيام علاقة قوية بينها وبين تلك العلوم». وبالقراءة المتأنية لباقي صفحات الكتاب نستكشف مع الكاتب أن «الغيتا» تقدم الحياة باعتبارها رحلة لا تنتهي من الكينونة إلى الصيرورة، رحلة لا يوجد فيها متسع للسلبية والتراخي والألم والبطالة، وذلك في سياق لغوي رفيع جعل من كتاب الجيتا أحد الكتب الخالدة في تاريخ الأدب والفكر العالميين.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©