الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

اكتشاف كميات هائلة من الغاز الصخري

21 مايو 2010 22:14
خلال العقد الماضي، كشفت موجة من عمليات الحفر في مناطق مختلفة بالعالم، عن كميات هائلة من الغاز الطبيعي في الصخور الصفحية. وتشير تقديرات إلى وجود 1000 تريليون قدم مكعب (28.3 تريليون متر مكعب) من الغاز الطبيعي في أميركا الشمالية وحدها ما يكفي لسد احتياجات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي لمدة 45 عاماً مقبلاً. وربما يكون في أوروبا نحو 200 تريليون قدم مكعب منه. الغاز الصخري، معروف من زمن طويل ولكن البشرية افتقرت إلى تقنية استخراجه بتكلفة منخفضة بالدرجة الكافية. واليوم عملت التقنيات الجديدة على خفض تكلفته ومهّدت السبيل إلى أن يصبح الغاز الصخري الثروة التي تغير قواعد اللعبة في العقد المقبل. وقد يشكل الغاز الصخري تغييراً جذرياً في مجال الطاقة وفي العالم للعقود المقبلة ويمنع نشوء كارتلات (اتحادات دولية ذات مصلحة مشتركة) ويغير المفاهيم الجيوسياسية ويؤخر التحول إلى الطاقة المتجددة. ولفهم ذلك ينبغي إدراك أنه حتى قبل اكتشافات الغاز الصخري كان من المحتم أن يلعب الغاز الطبيعي دوراً كبيراً في المستقبل. فمع تزايد المخاوف من التغيرات المناخية زادت الدول اعتمادها على أنواع الوقود التي لا تبعث سوى نصف ما يبعثه الفحم من ثاني اكسيد الكربون. غير أن نشوء قوة الغاز بدا أنه سيجمع منتجي الغاز في كارتل شبيه بمنظمة أوبك مثل روسيا وإيران وفنزويلا، تفرض شروطها على باقي العالم. وقد يعمل اكتشاف غاز وفير زهيد الثمن على عدم تكون مثل هذه التكتلات ما لم تقلص كارثة الحفار التي وقعت مؤخراً أنشطة النفط والغاز البحرية وترفع أسعار النفط وبالتالي أسعار أشكال الطاقة الأخرى. ولا تقتصر نتائج اكتشافات الغاز الصخري على منع تشكيل تكتلات فحسب بل إن الدول البترولية قد تفقد كثيراً من قوتها الراهنة في الشؤون العالمية حين يلجأ المستهلكون إلى وقود زهيد السعر ينتج في مناطق قريبة. كما أن ازدهار الغاز الصخري سيغير على الأرجح اقتصادات الطاقة المتجددة. وربما سيكون من العسير إقناع الناس باستخدام طاقة خضراء يلزمها دعم مالي كثيف في وقت يتوفر فيه وقود زهيد السعر بكميات كبرى أنظف كثيراً من الفحم حتى لو لم يكن الغاز أقل قبولاً من الناحية السياسية من طاقة الرياح والطاقة الشمسية. الطاقة المتجددة غير أن ذلك سيتيح زمناً أطول لتطوير أنواع بديلة من الوقود بحيث ينفق جزءا من عائدات الغاز حالياً على البحث والتطوير وتصير الطاقة المتجددة جاهزة للمنافسة دون دعم حين تتناقص إمدادات الغاز الصفحي بعد عدة عقود من الآن. بيد أن العديد من الأوساط (منها روسيا وبعض مؤسسات وول ستريت) غير مقتنعة بأنه في وسع الغاز الصخري أن يغير اللعبة إلى تلك الدرجة وهي تحتج في زعمها بنقطتين هما: إن تكلفة التنقيب عن الغاز الصخري واستخراجه باهظة، وأنه ينطوي على مخاطر بيئية. وهناك، من يرد على هذه الأوساط بحجج مضادة. فمن حيث التكلفة تم تطوير طرق جديدة في العقد الماضي تقلص تكاليف الانتاج بشكل كبير. وهناك مثال على ذلك، هو مناجم هاينزفيل لصخور الغاز التي تمتد من تكساس إلى لويزيانا التي تشهد انخفاضاً في التكلفة من 5 دولارات إلى 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (بي تي يو). بل ينتظر أن تقل التكلفة عن ذلك على اعتبار أن كبريات شركات النفط بدأت تشترك في هذا النشاط وربما تنجح في خلال السنوات الخمس المقبلة في تقليص تلك التكلفة إلى دولارين اثنين لكل وحدة حرارية. أما بشأن المخاطر البيئية يزعم حماة البيئة أن عمليات الحفر لاستخراج الغاز الصخري تنطوي على مخاطر على المياه الجوفية رغم وجود مناجمه بصفة عامة أسفل طبقات المياه الجوفية بآلاف الأقدام. وهم يدعون أنه إذا انهار غطاء البئر فإن سوائل الحفر ستتسرب إلى الطبقات الصخرية المائية. وهم يغالون في تلك المخاطر. لأنه في حالة عمليات الحفر البرية التي توجد فيها معظم ترسبات الغاز الحجري ظلت غطاءات المناجم سليمة لعقود. غير أنه يمكن أن يحدث تلوث للمياه إذا تم التخلص من سوائل الحفر بطرق غير صحيحة. ولذلك لابد للجهات المراقبة أن تشدد ضوابطها ضماناً للسلامة. صحيح أن المزيد من القوانين سيزيد التكاليف إلا أنه نظراً لوفرة الإمدادات في وسع المنتجين أن يتحملوا ذلك. بل إن بعض المنتجين قد تحول فعلاً إلى استخدام سوائل حفر غير سامة حتى تحول دون فرض أي قيود عليهم. كما أن المشككين تجاهلوا نقطتين مهمتين، فهم يتجاهلون أن احتياطيات مصادر الطاقة الجديدة وانتاجها ستزيد مع الوقت ولن تنقص. كما أنهم يتجاهلون السرعة التي يمكن بها تغيير الرأي العام. وقد سبق حدوث ذلك حين تسارع انتشار محطات الغاز الطبيعي المسال خلال السنوات القليلة الماضية. لا تكتلات جديدة يكمن أحد أهم آثار ازدهار الغاز الحجري في إتاحة إمدادات وقود قريبة للغرب والصين الأمر الذي يمنع تشكيل تكتلات غاز طبيعي (كارتل) محتملة. يذكر أنه قبل اكتشاف الغاز الصخري كان من المتوقع تناقص كبير في إنتاج أميركا وكندا وبحر الشمال. وكان هذا يعني تنامي الاعتماد على الواردات الخارجية في وقت تعاظمت فيه أهمية الغاز كمصدر للطاقة. والأخطر من ذلك أن معظم تلك الإمدادات واقعة في مناطق غير مستقرة. هناك دولتان على وجه الخصوص تسيطران إلى حد كبير على إمدادات الغاز هما روسيا وإيران. وقبل اكتشاف الغاز الصخري كان متوقعاً أن تشكل هاتان الدولتان أكثر احتياطيات الغاز المعروفة في العالم. ولم تخف روسيا، رغبتها في رفع مكانتها وفي تشكيل كتلة تضم دولاً منتجة للغاز على غرار أوبك. وبدا هذا وكأنه تمهيد لإعادة مشاكل النفط التي أقلقت العالم في السنين الأربعين الفائتة. أما الآن، فإن الغاز الصخري سيذكي المنافسة بين شركات الطاقة والدول المصدرة الأمر الذي سيساعد بدوره على الاستقرار الاقتصادي في الدول الصناعية وتقزيم الدول المصدرة التي تسعى إلى فرض سيطرتها. إذ أن منافسة السوق تعد أفضل ترياق لنفوذ التكتلات. ولقياس التغير المقبل يمكننا أن نتذكر الغاز الطبيعي المسال الذي تحول إلى سائل بحيث يمكن نقله في سفن ضخمة مثل النفط. وهي أسهل طريقة لنقل الغاز الطبيعي لمسافات طويلة. قبل اكتشافات الغاز الصخري توقع الخبراء أن يشكل الغاز الطبيعي المسال نصف تجارة الغاز العالمية بحلول عام 2025 بزيادة من 5 في المئة في تسعينيات القرن الماضي. ومع ازدهار الغاز الصخري فإن تلك الحصة لن تبلغ إلا الثلث غالباً. وفي الولايات المتحدة، يستطيع المراقب بسهولة إن يرى تأثير الغاز الصخري وعمليات الحفر في المياه العميقة. إذ أن موانئ استيراد الغاز الطبيعي المسال تكاد تكون خاوية، وتنحسر احتمالات اعتماد أميركا على الواردات الخارجية منه. وتعاظم انتاج الغاز الصخري في أميركا يعني أن حمولات الغاز الطبيعي المسال من قطر وغيرها ستتوجه إلى مشترين أوروبيين، الأمر الذي يقلص اعتمادهم على روسيا. ولذا اضطرت روسيا إلى قبول أسعار أدنى كثيراً من زبائن كانوا مجبرين من قبل على قبول الأسعار المفروضة وخفضت الأسعار لأوكرانيا مثلاً بنسبة 30 في المئة. نفوذ المنتجين لن يقتصر أثر الغاز الصخري على منع تكتلات الغاز الطبيعي فحسب بل إنه من المرجح أن يحجم دور بعض الدول وربما يأتي ببعض الأطراف إلى المعسكر الغربي. في الماضي حين نما نفوذ دول منتجة للطاقة مثل روسيا وفنزويلا وإيران أصبحت أقدر على مقاومة تدخل الغرب في شؤونها مصدرة ايديولوجياتها وأجنداتها الاستراتيجية من خلال عقد اتفاقيات مرتبطة بالطاقة والتهديد بإيقافها. وفي عامي 2006 و2007 أدت الخلافات مع أوكرانيا إلى أن روسيا أوقفت صادراتها تاركة عملاء في كييف وأوروبا الغربية بلا وقود تقريباً في شتاء قارص، وهو الأمر الذي أجبر أوكرانيا على التخلي عن الغرب والتوجه نحو التحالف مع موسكو. وبدا الأمر آنذاك وكأن الولايات المتحدة وأوروبا ستشهدان أفول نفوذهما العالمي تملقاً لموردي الطاقة إليهما. غير إن الغاز الصخري ينتظر أن يضعف دبلوماسية الدول البترولية. وسيكون في مقدور الدول المستهلكة في أوروبا وآسيا الاستعانة بشركات النفط الأميركية الكبرى والحصول على غاز طبيعي زهيد السعر وتستغني عن الإمدادات الروسية والفنزويلية. يذكر أن أوروبا تحصل على 25 في المئة من إمداداتها من الغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب من روسيا مع اعتماد بعض المستهلكين عليها اعتماداً شبه كلي. وفي أعقاب استخدام روسيا للقوة ضد أوكرانيا لجأت أوروبا إلى تنويع وارداتها. ومن شأن الغاز الصخري أن يجعل ذلك أسهل وأقل تكلفة. ويُعتقد أن مناجم غاز صخري تنتشر في دول مثل بولندا ورومانيا والسويد والنمسا وألمانيا وأوكرانيا. وبمجرد ما يأتي غاز أوروبا الصخري لن تستطيع روسيا استخدام صادرات الطاقة كرافعة سياسية. وبالمثل سيشكل ذلك ضغطاً على إيران التي تخضع حالياً لعقوبات غربية. كما أن تطورات الغاز الصخري قد تعني تغيرات كبرى للصين، إذ إن الحاجة إلى واردات الطاقة دفعت الصين إلى دول غير مستقرة مثل إيران والسودان وبورما الأمر الذي يصعب على الغرب صياغة سياسات عالمية تعالج المشاكل التي تثيرها تلك الدول. ولكن مع توافر الغاز الصخري في الصين سيكون في مقدور الصين الاستغناء عن استيراد الغاز والابتعاد عن النقاط الساخنة التي تنتجه. وهو الأمر الذي سيزيد الثقة بين الولايات المتحدة والصين. عن «وول ستريت جورنال»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©