الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا العلمانية...مكتب ديني في وزارة الخارجية

فرنسا العلمانية...مكتب ديني في وزارة الخارجية
12 سبتمبر 2009 00:26
أشار تحليل صادر عن مكتب الشؤون الدينية الذي أنشئ حديثاً بوزارة الخارجية الفرنسية، إلى أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أحدث تأثيراً سياسياً واضحاً على الجهود الرامية إلى رأب الصدع بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم الإسلامي. فليس في وسع أي رئيس فرنسي إلقاء خطاب كهذا، على حد قول جوزيف ميلا، رئيس المكتب الديني الذي أنشئ حديثاً بمقر الخارجية الفرنسية. ويستطرد المتحدث في القول: فقد بدا ذلك الخطاب غريباً من وجهة النظر الفرنسية، التي لا تتوقع من رئيسها الحالي نيكولا ساركوزي أو غيره أن يخاطب الأمة الإسلامية أو اليهودية. ولكن من الجانب الآخر، أثار ذلك الخطاب فضولنا وحماسنا للاستماع إلى المزيد من الأفكار الأميركية ذات الصلة بتحسين العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي. والمعروف عن فرنسا اتجاهاتها العلمانية العامة التي لا تخفى. وتنطبق هذه الحقيقة على بعثاتها الدبلوماسية الخارجية التي تحظى بسمعة طيبة عالمياً. بيد أن الخارجية الفرنسية افتتحت خلال موسم الصيف الحالي مكتباً متخصصاً للشؤون الدينية أضيف إلى أعباء ومسؤوليات طاقم تخطيط السياسات الخارجية. وتشير هذه الخطوة إلى اعتراف واضح بأنه لم يعد ممكناً تجاهل دور الدين في السياسات العامة لأي دولة من الدول في عالمنا الحديث. تنطبق هذه الحقيقة بشكل خاص على فرنسا التي أصبحت الديانة الثانية فيها هي الإسلام، بينما بدأت تنمو في مجتمعها كذلك تعاليم الديانة البوذية. ووفقاً للتحليل الفرنسي المذكور، المتعلق بمساعي إدماج الدين في التخطيط الاستراتيجي للدول، ورد أن قضايا الدين والهوية سرعان ما سدت الفراغ الذي أحدثه انهيار الأيديولوجيات المتصارعة طوال سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي. وجاء في التحليل أيضاً أن الدين كثيراً ما يحل محل الأيديولوجيا والمواقف السياسية. وعلى فرنسا أن تتخطى تلك السياسات القديمة التي لم تكن في سياساتها الخاصة بالدين خاصة في المجال الدبلوماسي، حدود ابتعاث سفير واحد لها إلى الفاتيكان. في تصريح له لصحيفة «لوموند» الفرنسية قال برنارد كوشنير وزير الخارجية الفرنسي: لقد أدمجنا السياسات الديموغرافية والبيئية وسياسات مكافحة الأوبئة في تخطيطنا الاستراتيجي..فما الذي يمنع إدماجنا للأديان أيضاً؟ فما من حرب من الحروب التي أعلمها وقرأت عنها، خلت من بعد ديني بدرجة أو أخرى. هنا يضرب السيد جوزيف ميلا عدداً من الأمثلة على أهمية إدماج الدين في التخطيط الاستراتيجي للسياسات الفرنسية بقوله: إن دبلوماسيينا بحاجة لمعرفة ما يجري حولهم في مجال الأديان وتأثيرها على الدول: فهناك تنام ملحوظ للمسيحية الإنجيلية في إفريقيا، وهناك القضايا التي يثيرها علم الأخلاق البيولوجية مثل الاستنساخ والهندسة الوراثية وغيرها. وهناك أيضاً الحوار العام الدائر عن قوانين الشريعة والحقوق العامة في مؤتمر ديربان الثاني الذي عقد في جنيف في ربيع العام الحالي، مع العلم أن محاوره تناولت ظاهرة اللاتسامح. ومن القضايا المثيرة للاهتمام كذلك النزاعات الدائرة بين البوذيين والهندوس في سريلانكا. أما في روسيا، فقد بدأت البطريكية الأرثوذكسية الحديث عن تحويل البلاد إلى دولة تدين بالمذهب الإنجيلي. وكان علينا سابقاً التعامل مع قضايا عديدة مثل الرسوم الكرتونية التي بثتها الصحف الدنماركية. وتساءل السيد «ميلا» الذي ينحدر من أصول رومانية كاثوليكية لبنانية: هل لنا أن نذهب إلى جميع هذه المنابر المهمة ونكتفي بالقول: إن فرنسا دولة علمانية لا علاقة لها بالحديث عن الأديان؟ يذكر أن برنارد كوشنير كان قد شارك في التصدي للعديد من الأزمات قبل توليه منصب وزير الخارجية، مثل حروب إقليم كوسوفو، والأزمتين السريلانكية واللبنانية، مع ملاحظة أن لكافة هذه الأزمات جذوراً إثنية دينية ألهبت نيران الكراهية والعنف بين مجتمعات الدول المذكورة. ومن رأي «فرانسوا هايزبرج» -الذي يعمل مستشاراً خاصاً بمؤسسة البحوث الاستراتيجية في باريس- أن للدين أثراً ملحوظاً في رسم الصورة الفعلية التي يبدو عليها العالم اليوم. وعلى حد تعبيره: فهناك أفراد وقادة من أمثال الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ونظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد، يأخذون أمر عقيدتهم الدينية مأخذ الجد. ومن واجبنا التعامل مع هذا الواقع، مع ضرورة إدراك أن دول العالم جميعاً ليست صورة طبق الأصل لما هو عليه الحال من علمانية أوروبا الغربية. ثم يعود السيد «ميلا» للتعليق مرة أخرى على خطاب القاهرة الذي ألقاه أوباما بقوله إنه خطاب ذو مضمون سياسي- ديني. فقد ذهب فيه أوباما بعيداً لملامسة الفهم الإسلامي للعالم، مع إبداء الكثير من الاحترام للإسلام والمسلمين. ولم يكن ذلك الخطاب يعبر عن سياسة معينة، بقدر ما هو تمهيد لرسم سياسات أميركية جديدة إزاء العالم الإسلامي. وأخيراً أوضح «ميلا» قائلاً إن مكتب الشؤون الدينية الجديد الذي ألحق بأعمال وزارة الخارجية الفرنسية، لن تكون مهمته التبشير بالأديان، إنما يضطلع بدراستها وتقديم المشورة بشأن التخطيط الديني في فرنسا، فضلاً عن قيامه بمهام التدريب الدبلوماسي. وعن هذه المهمة الأخيرة أوضح المتحدث أن الهدف هو ليس تدريب الدبلوماسيين كي يتحولوا إلى مبشرين دينيين، إنما يتطلب عملهم الدبلوماسي إلمامهم بإجابات عن الأسئلة التي يطرحها عليهم واقع البلدان التي يتواصلون معها ويسعون إلى تحسين العلاقات معها. روبرت ماركواند- باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©