الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

13 قرناً من التدوين وتطوير الحرف ومدارسـه في «معــرض القــرآن الكريــم» بدبـي

13 قرناً من التدوين وتطوير الحرف ومدارسـه في «معــرض القــرآن الكريــم» بدبـي
9 سبتمبر 2009 23:29
كان تدوين القرآن عملا ثقافياً كبيراً بكل معنى الكلمة، إذ رغم أنه نشأ أساساً لجمع النص القرآني من صدور الحفّاظ ومن المدونات المتفرقة لسورة هنا وآية هناك، ورغم أن الهدف الأول منه كان ذا بعد ديني بحت يتعلق بحماية النص المقدس من التحريف، إلا أن هذ العمل تضمن الكثير من الأبعاد الثقافية التي انبثقت عنه، وأبرز هذه الأبعاد بروز الاهتمام بالخط العربي، ثم تطور الاهتمام به حتى أصبح هذا الخط فناً على درجة عالية من الأهمية على غير صعيد. يمكن التوقف عند واحد من الأسئلة التي تربط بين التدوين بوصفه قام بوظيفة دينية جليلة، وبين فرصة المدونين والنساخين للتحول إلى فنانين يحسنون ويطورون الخط العربي بأساليب وتنويعات وصلت به ليكون من أرقى الفنون الإسلامية وأعرقها. وبقدر ما أفاد الخطاطون العرب من مشروع التدوين هذا، فقد كان للتدوين وتطوير الخط دور في حماية القرآن ولفت أنظار الشعوب الإسلامية، من غير العرب، إلى النص القرآني من جانب، وإلى جماليات الخط والحرف العربيين من جانب آخر. ومن هنا كانت مشاركة الخطاطين المسلمين من غير العرب في تطوير هذا الخط. فكان الخط واحداً من عناصر توحيد المسلمين والفن الإسلامي في الأقطار المتباعدة. رحلة طويلة قطعها فن الخط العربي مع القرآن ومع غيره من النصوص، الأحاديث والمأثورات والشعر، فقدمها في صور تنطوي على الكثير من الجماليات بدءا من محطة النقط والتشكيل وصولا إلى توظيف كل أشكال الزخرفة الهندسية والنباتية وغيرها من طيور وكائنات، فصار في الإمكان تقديم هذا الفن بوصفه أحد فروع الفن التشكيلي بالنسبة إلى البعض، وبوصفه فنا مستقلا عند آخرين. مجموعة فرجام الفنية هذا التاريخ من فن الخط العربي في ارتباطه مع المصاحف يمكن مشاهدته في «معرض القرآن الكريم» من مجموعة فرجام الفنية المقام في مركز دبي المالي العالمي في دبي حتى نهاية رمضان الجاري. ففي هذا المعرض يستطيع المشاهد مطالعة مراحل ومحطات من هذا التاريخ، والتطورات الهائلة التي شهدها على صعيد تطوير استخدامات الحرف العربي في امتداداته وانحناءاته، أو على مستوى التلوين والزخرفة، أو حتى لتطوير حروف جديدة فارسية وهندية ومغربية وسودانية وتركية. في هذا المعرض لا تقتصر الأهمية على عدد النسخ القرآنية المعروضة فقط، وهي تقارب مائة وثلاثين نسخة، ولا على تاريخ نسخها الذي يمتد بين القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين، بل تتجاوز ذلك إلى تعدد أساليب النسخ والتخطيط والتذويق والزخرفة، والتفاصيل التي تنطوي عليها، والأحجام المتفاوتة لها، وتعدد الدول التي تم جمعها منها، من بلاد ما بين الرافدين وإيران وسمرقند والأندلس وسوريا ومصر والهند وتركيا وكشمير وسواها. هذا التنوع يتركز أساسا في شمول أنواع الخطوط كافة تقريبا، هذه الأنواع التي تبدأ بالحجازي والكوفي والنسخ وتتطور إلى الثلث والمحقق والريحاني، وزمنيا بدأت قبل ظهور أساتذة الخط العربي من أمثال ابن مقلة (القرن الرابع الهجري) الذي عرف باسم مهندس الخط العربي، وقبل بدء الاهتمام بالزخرفة القرآنية التي أسست لانفصال فن الزخرفة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بفن التذهيب والتزيين والاهتمام بشؤون التجليد الذي كان فنا رائجا خارج العالم الإسلامي آنذاك واستفاد منه العرب والمسلمون. أول ما يواجه زائر المعرض نسخة لمصحف من بلاد الرافدين بالخط الكوفي تعود للقرن الثالث الهجري، لكن جزءا من هذه النسخة يبدو باهتا لمرور الزمن ربما، ورغم ما يتميز به الخط الكوفي من جمال خاص فإن الخط فيها يبدو صعب القراءة، لذلك كان على منظمي المعرض وضع نص الآية بجوار النسخة القديمة. والأمر نفسه نراه مع صحائف منتزعة من نسخة للقرآن من بلاد الرافدين أيضا تعود للقرن الرابع الهجري. ومن فترة متقدمة ربما من القرن الرابع الهجري نعثر على نسخة مخطوطة على الرق بالخط الكوفي قادمة من بلاد ما بين الرافدين، ويمكن قراءة بعض سطورها. ذروة الزخارف الهندسية وتحدث في المعرض فجوة زمنية تمتد بين القرنين الرابع والسابع الهجريين، لنجد أنفسنا أمام نقلة من هيمنة الخط الكوفي إلى بروز خطوط أخرى، ولكن معظم النسخ المعروضة تعود للقرنين الثامن والتاسع الهجريين، حيث تكاثرت الزخارف وبدأت تبرز الشمس في بعض صفحات المصحف تعبيرا عن دلالات روحية، وأكثر الخطوط استعمالا هي النسخ والثلث والريحاني. من أبرز ما يميز مصاحف هذه المرحلة (من السابع إلى العاشر الهجري) أن الزخارف الهندسية وصلت ذروتها، كما برز استخدام اللونين الأزرق السماوي والذهبي. وظهرت تأثيرات متداخلة من الفن الصيني والمملوكي والمغولي بعد اعتناق المغول الإسلام. كما برز استخدام الأغلفة المنقوشة بالذهب. ومن نماذج هذه المرحلة نقف على عدد من المصاحف من أبرزها صفحتان من القرآن بخطي الثلث والنسخ تعودان إلى عهد السلالة التيمورية أو آسيا الوسطى في القرن التاسع الهجري، حيث استخدم خط الثلث في أعلى الصفحة وأسفلها، في حين استخدم النسخ في متن النص.وهناك صفحات منه قادمة من إيران في عهد سلالة الخانيين في القرن الثامن الهجري، وبخط المحقق مع ترجمة بين السطور إلى اللغة الفارسية وزخارف بين الأسطر أيضا. ومن القرن التاسع الهجري أيضا نجد نسخة بخط المحقق تعود إلى سمرقند من عهد الحاكم بيسنقر. ومع نسخة أندلسية من القرآن نعود للخط الكوفي وزخارفه في صورته المتطورة، وربما الأكثر وضوحا، وحيث اللون الأحمر القاني هو لون الحبر المستخدم فيها، بريشة عريضة وسطور متداخلة جعلت منها لوحة فنية، وهذه النسخة تعود لما بين القرنين السابع والثامن الهجريين. ومن سورية أو مصر؟؟ في العهد المملوكي أي في القرن الثامن الهجري تأتينا نسخة من سورة المؤمنين بخط المحقق، وهو خط بسيط مزين بحركات التشكيل ومحاط بالزخارف البسيطة أيضا. وفي نموذج متميز لخط النسخ ثمة نسخ من المصحف الإيراني تعود للقرن التاسع الهجري، وهي تتكون من مجموعة زخارف بأشكال دائرية وشبه دائرية مركبة فوق بعضها، حيث يحتوي الشكل الدائري في المنتصف على النص العربي، فيما يخصص ما فوق الدائرة وما تحتها من شبه الدائرة للترجمة الفارسية للنص. المدارس غير العربية وفي المحطة الأخيرة لرحلة قطار الخط العربي والمصحف، الممتدة بين القرنين العاشر والثالث عشر الهجريين، كما يعرضها معرضنا هذا، وهي رحلة تتوقف ولا تتواصل لتواكب التطورات التي حدثت منذ ذلك الحين حتى اليوم، سنعرض نماذج جديدة لنسخ من المصحف في تلك المرحلة، حيث برزت ثلاث مدارس أساسية في نسخ القرآن قبل ظهور الطباعة هي: الصفوية الإيرانية، العثمانية التركية، والهندية المغولية. مع التأكيد على أن الطباعة لم تستطع أن تخفي أعمال الخطاطين/ الفنانين الذين لم يكفوا عن تطوير هذ الفن وتحسين أدواته والارتقاء بجمالياته. قبل عرض النماذج المطلوبة نقدم أهم خصائص فن الخط العربي في هذه المرحلة، حيث تبرز في هذا المعرض نماذج متطورة عن سابقاتها، حيث بدأ الخطاطون بتقديم نسخ القرآن بخط النسخ المعروف بخط ياقوت المستعصمي، كما أضاف الفنانون العثمانيون مجموعة من الألوان والأزهار لتطوير تصاميم خاصة بهم. ثم جاء تأثر الهنود بالمدرسة الصفوية، كما بدأت تظهر في كشمير الأشكال العمودية والمورقة. من نماذج هذه المرحلة مصاحف بخطوط كثيرة، منها واحدة إيرانية من العهد التيموري في القرن العاشر بخط يدعى «نسخ تدوين دوست»، تتكثف فيها الزخارف والألوان بينما النص أكثر نعومة. ومن العهد الصفوي نجد نسخة بخط «النستعليق» (مركب من النسخ والتعليق) وتتميز نسخة بالخط الريحاني من العهد الصفوي، حيث الزهور تغطي مساحة كبيرة من الصفحة، ويسطع الأزرق الكحلي الغامق، وسوى ذلك الكثير من النسخ القادمة من الهند وتركيا وغيرهما. هذه محطات من رحلة طويلة جمعت المقدس والفن، فأسهم كل منهما في نشر الآخر، وأفاد الفن بصورة خاصة من المقدس في تطوير أدواته، فكانت لدينا هذه الفنون مجتمعة من خط وتذهيب وتجليد وتطورت وأثرت في غيرها من الفنون كل ذلك بفضل القرآن الكريم أساس الحضارة الإسلامية فكرا وعلما وفنا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©