الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تشكيلي جزائري يرسم 64 لوحة مفعمة بمشاعر اليتم

تشكيلي جزائري يرسم 64 لوحة مفعمة بمشاعر اليتم
24 مارس 2013 21:53
حسين محمد (الجزائر) - احتضن «قصر الثقافة» بالجزائر العاصمة، مؤخرا، معرضاً للتشكيلي أحمد بوزيان. وضم المعرض 64 لوحة مختلفة الأحجام والمواضيع، متباينة الأشكال، رسمها على مدار 22 سنة، وجاءت محملة بمشاعر اليتم واللوعة إذ استشهدت أمه على يد قوات الاحتلال الفرنسي، فظهرت اللوحات وقد غلب عليه اللون الأحمر واللمسة الحزينة. تأثيرُ الطفولة عرضُ اللوحات لم يأت بشكل عشوائي، فقد حرص بوزيان على تقسيم المعرض إلى أجنحة صغيرة يعرض في كل منها لوحاتٍ معينة متسقة الألوان، فخصص جناحاً للوحات يغلب عليها اللونان الأحمر والوردي وآخر للوحات يطغى عليها البنفسجي وقسم ثالث للون الأزرق القاتم، ويبدو أن لطفولة الفنان أثراً بالغاً في هذه الألوان التي ترمز إلى الثورة والتمرد والحزن والأسى، فقد ذاق اليتمَ وهو صغير بعد أن فقد أمّه على يد الجنود الفرنسيين إثر الثورة التحريرية الجزائرية، والتي شهدت مشاركة مئات المجاهدات الجزائريات اللواتي قدَّمن أمثلة بطولية رائعة في التضحية من أجل استقلال الجزائر، أثرن بها إعجاب العالم أجمع. وكان لاستشهاد والدته وهو في سنٍّ مبكرة أثرٌ عميق لا يُمحى من ذاكرته، ما انعكس على الكثير من أعماله التشكيلية التي يحرص فيها على تقديم لواعج قلبه ومكنونات نفسه في مشاهد تجريدية جميلة تجعل الزائر يقف أمامها لحظات طويلة متأملاً مستقرئاً تفاصيل خطوطها وأشكالها التعبيرية الرمزية التي يعتمد الفنانُ في صياغة جزئياتها على تقنيات متعددة وبخاصة الرسم بالحبر على الورق والزيت على القماش، والاكريليك. وعن اختياراته للألوان والمواضيع، قال بوزيان «هذه اللوحات نابعة من إلهام يعود إلى فترة الطفولة؛ لقد استشهدت أمي عام 1961 على يد الجنود الفرنسيين وكان عمري حينها لا يتعدى الثامنة، ما خلّف في نفسي جرحاً عميقاً وألماً لا تمحوه الأيام، ولذا جاءت أغلب لوحاتي للتعبير عن الثورة والألم والحزن». أول معرض أنجز بوزيان، وهو فنانٌ عِصامي من ولاية تلمسان يناهز عمرُه الستين سنة، هذه اللوحات بين عام 1991 وعام 2013، أي طيلة 22 سنة، تطوّر خلالها بخطى ثابتة وكبُر حتى أصبح الآن يقيم معارضَ فردية بعد أن كان يكتفي بالمشاركة بلوحات قليلة في معارض جماعية لا يكاد يظهر فيها مع كبار الفنانين التشكيليين؛ هؤلاء الذين لم يجد بوزيان حرجاً في تقليدهم في سنوات بدايته الأولى، لاسيما وأنه فنانٌ عِصامي لم يدرس الفنون التشكيلية وتقنياتها وأسرارَها في أية مدرسة للفنون الجميلة، وبمرور الوقت، نضُج وكوّن نظرة كافية عن الفن التشكيلي، وأصبحت له لوحاتُه وإبداعاته الخاصة التي سرعان ما تطوّرت ليقيم أوّلَ معارضه الفردية في تلمسان في عام 1994، ويجد لنفسه مكانة بين التشكيليين المحترفين. والمتمعِّن في لوحات بوزيان لا يكاد يعرف اللوحة الجديدة من القديمة، فهي كلها متألقة بألوانها الساطعة، وقد تعمّد أن يتركها دون إشارة إلى تاريخ إنجازها، والأكثر من ذلك، جاءت جلّ اللوحات دون عناوين، خلافاً للعادة، وبرّر بوزيان ذلك، بأنه «خيارٌ نابع من إرادة تحريك خيال الزائر»، وإعمال عقله والغوص في خطوط اللوحة وأجسامها المبهمة محاولاً منحها قراءته الخاصة، والتي ستختلف بالضرورة من زائر إلى آخر، وهذه «الحرية في التفسير» والقراءة والتأويل المفتوح، يعتبرها الفنان «جوهرية»، وهو في الواقع أمرٌ غير مألوف في الجزائر حيث تعوّد الفنانون على منح عناوين للوحاتهم لتمييزها عن بعضها البعض، ولمساعدة الزائر على معرفة موضوعها على الأقل، إلا أن بوزيان يعتبر ترك اللوحات دون عناوين «أحد مبادئ الفن المعاصر». حضور نوعي الجمهور الزائر للمعرض كان قليلاً، واقتصر على بعض طلبة مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، والذين يغتنمون عادة ً فرص معارض التشكيليين المحترفين للاطلاع على آخر إنتاجاتهم وتنمية معارفهم في هذا الميدان، يقول الطالب سعيد باشير بمدرسة الفنون الجميلة «مثل هذه اللوحات مفتوحة على كل القراءات والتأويلات، وتعتمد القراءة الذاتية لكل زائر، فقد أعطيها تفسيراً، ويمنحها طالبٌ أو حتى فنان آخر قراءة مغايرة تماماً، هذه هي خاصية التجريدية والرمزية، إنها تشبه لوحات «الروائز»، التي يقدّمها علماء النفس لزائريهم، ويطلبون منهم تفسير ما يرون داخلها، ومن خلال التفسير الذاتي لكل شخص يقرأون مفاتيح شخصيته؛ كميوله ورغباته وانفعالاته ومخاوفه وهواجسه وأسباب قلقه وتوجّسه وغيرها من المشاعر الإنسانية المتصارعة والمتلاطمة داخل النفس».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©