الحاكم.. إمام أهل الحديث في عصره

أحمد مراد (القاهرة) هو الإمام والعالم الجليل محمد بن عبد الله بن حمدون بن نعيم بن الحكم النيسابوري، الشهير بالحاكم النيسابوري، والمعروف بابن البيع. ولد الحاكم في نيسابور سنة 321 هجرية، أخذ القراءة عرضاً على أيدي أحمد بن إسماعيل الصرام بخراسان، وأبي عيسى بكار ببغداد، وأبي علي النقار بالكوفة، وتفقه على أيدي أبي سهل الصعلوكي، وبرع في فنون الحديث وأتقن الفقه الشافعي. رحل الإمام الحاكم إلى العراق سنة 341 هجرية، وحج وتجول في بلاد خراسان وما وراء النهر، وأخذ عن نحو ألفي عالم وشيخ وإمام، ومن شيوخه الدارقطني، وابن أبي الفوارس. وفي سنة 359 ولي قضاء نيسابور، ولقب بالحاكم لتوليه القضاء أكثر من مرة، ثم اعتزل منصبه ليتفرغ للعلم والتصنيف. ألف الإمام الحاكم كتباً كثيرة، كان أهمها «المستدرك على الصحيحين»، وهو الكتاب الذي جمع فيه الأحاديث التي استدركها على الصحيحين مما فاتهما على شرطه، وهو أشهر المستدركات، وقد رأى الإمام الحاكم أن أهل البدع قد أثاروا شائعة بأنه لم يصح من نصوص الحديث إلا ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وبالتالي فلا زالت بعض أصول الدين مفتقرة إلى نصوص صحيحة تثبُت بها، واتخذوا ذلك ذريعة للطعن في الدين، وهو ما جعل الإمام الحاكم يشمر عن ساعده ليؤلف كتابه «المستدرك». الترتيب الفقهي ويذكر هذا الكتاب بعض الأحاديث مرتبة على ترتيب الجوامع، أي أنه يضم أحاديث الأحكام وغيرها، ورتبه على نفس الترتيب الفقهي المعروف عموماً، ويرى أنها صحيحة على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما، ولم يخرجاها في كتابيهما، وأحاديث أخرى يرى أنها مستوفية للشروط العامة للصحة من اتصال السند وثقة الرواة وعدم الشذوذ وعدم العلة، وربما أورد في كتابه بعض الأحاديث التي لا يرى أنها صحيحة، ولكنه أوردها لبعض الاعتبارات، كالأحاديث الستة التي أوردها في البيوع وصرح بخروجها عن شرط الكتاب، واستخرج من هذا الدرب نصوصاً كثيرة، بلغت «8956»، ثم رتبها على كتب، وبدأ بـ «كتاب الإيمان»، وختمها بـ «كتاب الأهوال»، وشرع يفحصها وينقحها ويهذب مادة الكتاب، لكن المنية عاجلته بعد بلوغه قدر ربع الكتاب، فصار الكتاب لا يعبر عن النقد الحقيقي للإمام الحاكم، ومن ثم فقد اعتنى جماعة من أهل العلم بالكتاب، لاستكمال ما بدأه المؤلف. ومن مؤلفات الحاكم الأخرى: الأربعون في الحديث، الإكليل في الحديث، تراجم الشيوخ، السياق في ذيل تاريخ نيسابور، فضائل العشرة المبشرة، فوائد الشيوخ، كتاب المبتدأ من اللآلي الكبرى، المدخل إلى الصحيح، مناقب الإمام الشافعي، مناقب الصديق رضي الله عنه. وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية عن الإمام الحاكم: كان من أهل العلم والحفظ والحديث، من أهل الدين والأمانة والصيانة والضبط والتجرد والورع. وتوفي الإمام الحاكم في نيسابور سنة 405 هجرية عن 84 سنة.