الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوطنية الفلسطينية

9 سبتمبر 2009 00:14
تعود جذور الوطنية الفلسطينية إلى بدايات القرن العشرين، عندما أُعتبرت وبشكل واسع شكلا من أشكال القومية العربية. انضم الفلسطينيون الذين كانوا يترنحون من 400 سنة من الحكم العثماني الرجعي، إلى ركب الهدف العربي في التحرر من العثمانيين وتخلفهم. لذا لم يكن من غير الشائع خلال الحرب العالمية الأولى أن يتحالف القوميون العرب مع البريطانيين الذين كانوا يحاربون العثمانيين. كانوا وقتها يؤمنون في الوعود التي قطعتها الاتصالات المتبادلة بين مكماهون والشريف حسين حول دعم الاستقلال العربي إذا تمت هزيمة العثمانيين. إلا أن البريطانيين قطعوا وعداً سرياً بديلا كذلك للجالية اليهودية، سُمّي فيما بعد بوعد بلفور، يساند إنشاء دولة يهودية في فلسطين. لم يفعل اكتشاف هذه الوعود المتناقضة، مضافاً إليها اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916، والتي قسّمت الشرق الأوسط إلى مناطق تأثير بين فرنسا وبريطانيا العظمى، سوى القليل لتثبيط القومية العربية. لم يكن التركيز على القومية العربية واضحاً في أي مكان مثلما كان في فلسطين. وقد كان شعار «فلسطين عربية» هو الشعار الذي تكرّر بصورة أوسع وهتف به القوميون العرب في كافة أرجاء المنطقة. في ثلاثينيات القرن العشرين، عبّر العرب المقيمون في فلسطين عن قوميتهم من خلال معارضة الهجرة اليهودية وبيع الأراضي العربية إلى الوكالة اليهودية (التي كان مبدأها الذي لا تراجُع عنه الحصول على أراضٍ في فلسطين لليهود). لذا أصبحت القومية الفلسطينية تناصر الفلاحين وتعارض أصحاب الأراضي، وتم استبدال الطربوش، وهو غطاء رأس أصحاب الأراضي بكوفية الفلاحين. وفي العام 1948، أتت النكبة الفلسطينية بمجموعة جديدة من الصور. أصبحت خيمة اللاجئ، وبعدها المفتاح الذي يرمز إلى حق العودة، أبرز رموز القومية الفلسطينية، إلا أنه بسبب توجه الفلسطينيين نحو العالم العربي لإيجاد خلاصهم، بقيت القومية العربية أقوى بين الفلسطينيين من مجرّد شكل محلي من القومية الفلسطينية، وقد تغير ذلك كله بعد عام 1967. أدخلت خسارة بقية فلسطين والظهور السريع لمنظمة التحرير الفلسطينية وكفاحها المسلح قومية محدودة أكثر رفضت تصوير الفلسطينيين بالضحية لصالح كبرياء الفدائيين واعتزازهم. حصل الكفاح المسلح على دفعة قوية بعد معركة في قرية الكرامة الأردنية على الضفة الشرقية من نهر الأردن، حين دَحَر الجنود الأردنيون ومقاتلو «فتح» تغلغلا إسرائيلياً. رغم أن الكفاح المسلّح في سبعينيات القرن الماضي كان سبب وجود منظمة التحرير الفلسطينية، واجهت القومية الفلسطينية داخل المناطق المحتلة تحدياً أساسياً أكبر. ساعدت محاولات الإسرائيليين إنكار وجود القومية الفلسطينية، وأشهرها ما عبرت عنه رئيسة الوزراء السابقة جولدامئير التي تساءلت حول وجود الفلسطينيين كمجموعة قومية، على ظهور حملة على مستوى الجذور لإعادة إحياء الرموز الوطنية وإعطائها صوتاً يعبر عنها من خلال الموسيقى والفنون المرئية والمسرح. وفي ثمانينيات القرن الماضي جرى التعبير عن القومية الفلسطينية عبر حركات على مستوى الجذور واتحادات الطلبة والمجالس البلدية الوطنية واللجان الطبية إضافة إلى الكليات والجامعات الخاصة. رفضت هذه المجموعات التي كانت مسؤولة عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وشجعت في الوقت نفسه منظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف بإسرائيل ضمن حل الدولتين. ساعد فشل الانتفاضة في تحقيق الدولة المرجوّة على ظهور قطاع في المجتمع الفلسطيني، الذي دعمته إسرائيل في البداية بسبب طرحه المعادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان ينادي بالعقيدة الإسلامية الدينية بدلا من طراز القومية الفلسطينية العلمانية الذي تدعو إليه المنظمة. شهد القرن الحادي والعشرون تراجعاً رئيسياً في القومية العربية، وأصيبت الحركات العربية الرئيسية بالخزي أو ثبت عدم فعاليتها. ويجري حالياً استبدال العروبة بتوجّه أكثر فردية تضع كل دولة نفسها فيه أولا. يشعر الكثير من العرب أن تراجع القومية العربية مفيد من حيث أنه حَجّم توقعات الوطنية الفلسطينية وفرض على القادة الفلسطينيين التفاوض حسب مواقف أكثر اعتدالا. من ناحية أخرى أضرّت خسارة القومية العربية بالتطلعات الفلسطينية لدرجة أنها تركتها مكشوفة أمام الهجمات الإسرائيلية وغياب أي دعم عالمي جاد. لم يعد المجتمع الدولي في نظر هذه المجموعة معرضاً لردع السلطة العسكرية أو الاقتصادية القومية العربية، الأمر الذي وفر للقادة العالميين خيار تقديم دعم شفوي فقط للقضية الفلسطينية وعملية سلام بدلا من التوصل إلى سلام حقيقي. داود كتّاب صحفي فلسطيني وأستاذ سابق بجامعة برنستون ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©