السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الملك الكامل محمد.. شخصية متناقضة حيرت المؤرخين

10 يناير 2014 21:00
القاهرة (الاتحاد) - لم يختلف المؤرخون المعاصرون والمحدثون أيضاً على تقييم ملك مسلم بقدر ما اختلفوا حول السلطان الأيوبي الملك الكامل محمد بن العادل الأيوبي؛ ففي التاريخ يبقى الرجل الحاكم المسلم الوحيد، الذي سلم بيت المقدس دونما حرب لفردريك حاكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وهو ما اعتبره المعاصرون من الفقهاء وأمراء الأيوبيين وعامة المسلمين خيانة كبرى وعارا لا يمحوه الزمن، وعلى طرف النقيض يسجل أعداء الكامل قبل أنصاره أن الرجل كان مسلماً تقياً ورعاً ومثقفاً كبيراً أنفق مالاً جزيلاً لإنشاء المدرسة الكاملية بالقاهرة بقدر ما أغدق على العلماء والفقهاء في دولته وغمرهم برعايته وإحسانه. والكامل محمد، الذي نشأ عارفا بالأدب والشعر وسمع الحديث ورواه، ولاه أبوه العادل الديار المصرية عام 615 هـ فسعى لتوسيع ملكه واستولى على حران والرها وسروج والرقة وامتلك الديار الشامية، كما حارب الفرنجة ببسالة وصدهم عن ميناء دمياط. وقبل أن يموت بالنقرس في دمشق عام 635 هـ، كان قد عهد بالملك من بعده لابنه الصالح نجم الدين أيوب، الأمر الذي أغضب بقية أمراء الأيوبيين، وفي مقدمتهم أخوه الأشرف موسى. ولكن الخطر الأكبر على الكامل جاء من المعظم عيسى شقيقه والذي تحالف مع الخوارزميين بوسط آسيا وتعاهد معهم على حرب الملك الكامل محمد. وتصادف في هذا التوقيت قدوم فردريك الثاني للشرق للمطالبة بإرث مملكة بيت المقدس بعد وفاة زوجته إيزابيلا بنت جان دي برين الحاكم الرمزي لمملكة البيت المقدس ورغم أن البابوية في روما كانت قد أصدرت بحقه حرمانا كنسيا لتراجعه عن شن حرب ضد المسلمين لاسترداد بيت المقدس، التي سقطت بيد صلاح الدين الأيوبي عام 583 هـ، فإنه جاء بأقل من ألف جندي قاصدا الساحل الفلسطيني، وربما كان ذلك بمراسلات مع الملك الكامل محمد. وبدلاً من المواجهات العسكرية دخل الملك الكامل محمد مفاوضات سياسية مع فردريك الثاني، انتهت بعقد هدنة لمدة عشر سنوات وبمقتضى شروط هذا الاتفاق سلمت القدس لفردريك نظير تعهده بعدم التعاون مع الإمارات الصليبية بالرهان وغيرها، ثم مساندة السلطان الأيوبي ضد أعدائه حتى لو كانوا من الصليبيين. ويفسر المؤرخون هذا الاتفاق بأنه جاء وليد صفقة كان يحتاج إليها الملكان الأوروبي ليمسح عار الحرمان الكنسي باستعادة بيت المقدس لحوزة الصليبيين والأيوبي ليستعين بقوة الملك الأوروبي أمام الهجوم المرتقب من الخوارزميين. وشنت الحملات على الملكين فهاجمت الكنيسة فردريك ووصفته بالخائن لتقاعسه عن حرب المسلمين، وبالمقابل شن علماء دمشق وعلى رأسهم ابن الجوزي هجوما لاذعا من فوق المنابر على الكامل لتفريطه في بيت المقدس للصليبيين. ولكن المثير للدهشة ما نعرفه عن الطابع الشخصي لهذه المعاهدة إذ نشأت بين الرجلين علاقة إعجاب متبادل محورها رغبتهما في استقرار الأوضاع وسيادة السلام، ووقف سفك الدماء، فضلا عن أن الكامل وجد بسهولة سبيلا للتفاهم مع فردريك، الذي كان يتقن ثماني لغات من بينها اللغة العربية، كما كان على إلمام كبير بالثقافة الإسلامية بحكم نشأته في البلاط النورماندي في صقلية والذي احتفظ بعد سقوط الحكم الإسلامي بالجزيرة بكافة مظاهر حضارة الإسلام، بل وبأرباب الحرف والوظائف من المسلمين. وفي صفحات الكامل محمد أنه أول سلطان يسجل اسمه على النقود بخط النسخ لينهي بذلك هيمنة الخط الكوفي على نقوش العملات لقرابة خمسة قرون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©