السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبوظبي.. ترتيب الذاكرة

أبوظبي.. ترتيب الذاكرة
9 ابريل 2014 10:54
لا يحضر التراث إلا وتحضر معه العولمة وتحدياتها، ويطل برأسه سؤال جوهري: هل يمكن في هذا العصر الحديث عن تراث محلي في عصر الكوكبة والقرية العالمية؟ بأي صيغة يمكن أن يكون التعاطي مع التراث؟ وهل تأتي الصحوة التراثية التي تشهدها الدول كرد فعل على العولمة وتهديداتها للهويات والخصوصيات الثقافية؟ ويبدو أن العولمة، من دون أن تدري، نبهت الشعوب إلى أهمية تراثها الذي تبني عليه عناصر هويتها. فهي عندما فعلت فعلها في غربنة الثقافة والشباب، أذابت أطيافاً لا بأس بها من أنماط التراث الثقافي غير المادي، وأقصتها وأجبرتها دون قصد على الانْدِراس، فكانت ردّة الفعل أن عادت الشعوب إلى تراثها تنقب في كنوزه الثاوية عما يحمي رأسها، وهويتها، من طوفان كاسح يتهدد ملامحها الحضارية وشخصيتها الثقافية. إذّاك وجدت الشعوب أن لديها ما تقوله في وجه العولمة واختلالاتها، واكتشفت أن التراث الثقافي أداة مهمة وفاعلة في تحقيق السلام والتنمية. هكذا، بعد أن كان التراث ثيمة متحفيّة، لا يصلح إلا لفرجة عاجلة، صار مصدر قوة ومشروعاً للتميز الثقافي.. وشهدت الدول ما يمكن أن أسميه “عودة روح تراثية” أو “صحوة تراثية”، ضاربة عرض الحائط بما كان يجري من مَتْحَفَةُ للتراث وإقصاء له وخجل من التعاطي معه. فالحفاظ على هذا التراث ونشره، واستكناه مغازيه وأبعاده لدى شعب أو مجتمع، نظرا لأهمية “الذاتية الثقافية” الماثلة فيه، وما لها من أثر في ازدهار المجتمعات، وحرية الشعوب، والتقائها، يعني بالتالي إمكانية بناء قُدُرات تُمَكِّنُ من الحوار بين الثقافات المختلفة؛ فالتراث الثقافي والحوار صنوان لا يفترقان. بالنسبة إلى أبوظبي، انتبهت مثل غيرها لأهمية التراث والحفاظ عليه، وكانت لديها أسباب إضافية، ربما، بسبب تحديات التركيبة السكانية وعملية التغيير السريع التي تمت في وتائر سريعة جداً أدت في بعض الأحيان إلى تراجع الكثير من ملامح الماضي، سواء المادية أو المعنوية.. فما كان منها إلا أن شمرت عن ساعد الجد، وبدأت في عمل جاد، دؤوب، متصل، وممنهج، لجمع التراث والمحافظة عليه، وبعد أن كانت الجهود في غالبيتها متواضعة، فردية، يقوم بها أناس مهمومون بالبحث التراثي وتوثيق الذاكرة، بتنا أمام ورشة علمية حقيقية تتصدى لهذا العمل، ومع نشوء العلاقة المميزة للإمارات مع منظمة اليونسكو بدا أن التراث حصل أخيراً على قبلة الحياة، وعادت إليه العافية... هنا محاولة لقراءة مشاهد هذه العافية التراثية إن جازت لي العبارة. حفظ و.. صَوْن في محاولة قراءة تجربة الإمارات عامة وأبوظبي على وجه الخصوص في مجال التراث يمكن للمرء أن يعثر على فوائد كثيرة، لا تبدأ بما يعنيه التراث من رمزية في العقل الجمعي للشعوب، ولا تنتهي بالتحديات الكبرى التي ينطوي عليها توجه من هذا النوع. والحق، أن أبوظبي لها في هذا المجال باع طويل، وجهود متميزة باعتراف الكثير من الخبراء والمعنيين وعلى رأسهم اليونسكو التي لفتت غير مرة إلى أهمية ما تقوم به الإمارات على صعيد حفظ تراثها المادي وغير المادي وصونه من عاديات الزمان. والحال، أن الحديث عن المشهد الثقافي في أبوظبي لا يستقيم دون الحديث عن التراث، فهو في بؤرة الاهتمام والعناية يحظى بالصون والتوثيق، بل يلقى عناية مركزة تجعله يتربع على سدّة الفعل الثقافي لأكثر من جهة ومؤسسة.. ولا غرو في ذلك ولا عجب، فقد انطلقت أبوظبي في مشروعها الثقافي من ركيزتين أساسيتين: الأولى الحفاظ على الذاكرة والتمسك بالهوية والثاني الانفتاح على العالم وثقافاته والتعاطي معه بروح خلاقة، تعرف أين تكمن الفائدة وأين ينبغي إعمال النظر. وفي كل مرة يتم تناول تجربة الإمارات التحديثية، والتنموية، تجري الإشارة إلى هذا المزج الواعي بين الأصالة والمعاصرة.. بين الماضي والحاضر.. ليكونا العربة التي ستأخذ المدينة إلى المستقبل. تتبنى هيئة أبوظبي للثقافة والتراث رؤية شاملة لصون التراث المادي وغير المادي على حدّ سواء، وتبذل جهوداً مقدرة على صعيد التراث غير المادي لجمعه وتوثيقه وإصدار البحوث والدراسات المنهجية المعمقة حوله. بهذا المعنى لم يعد التراث مجرد جرّة هنا أو حرفة يدوية سجينة الفهم السطحي أو “خروفة” تحكى وينتهي أمرها.. كما أنه ليس نظرة ماضوية تستحضر مشهداً من الماضي لتضعه لفترة وجيزة في الحاضر ثم ينتهي به الأمر.. هذا النوع من العلاقة مع التراث لا ينتمي إلا للتاريخ.. في حين أن تفعيل التراث وبث روح الحياة فيه، وإدخاله الى العصر شيء آخر.. هنا يمكن الحديث عن تطويره، اقتراح أشكال جديدة للتعاطي معه، تكييفه والإضافة عليه ليناسب العصر، إدماجه في الاقتصاد الوطني وإبرازه كمفردة من مفردات هوية حيّة، متنامية، قادرة على أن تمارس حضورها في العملية التنموية بشكل عام... هنا محاولة لقراءة المشهد التراثي في تجلياته المختلفة. يقول الدكتور ناصر علي الحميري (مدير إدارة التراث المعنوي - هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة) في تصريح لـ “الاتحاد الثقافي”: “إن المشهد الثقافي في إمارة أبوظبي حمل وبحق في العقود الأخيرة كل المعاني المتجددة لمفهوم الثقافة، التي تعكس التطورات المتسارعة التي تشهدها الإمارة في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والعمرانية، والفكرية، والفنية، وغيرها. وذلك انطلاقا من الحقائق التي ترى أن ازدهار النشاط الثقافي وتنوعه في مجتمع ما، مظهر من مظاهر التطورات الحضارية التي يمر بها، وأن الثقافة بمفهومها الواسع ما هي إلا مرآة تعكس واقع هذه الأنشطة وتجلياتها ومستوياتها. حيث أضحت المؤسسات الثقافية - وفي مقدمتها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة - ممثلة في هذا المجال بالقطاع الثقافي - في علاقة تفاعلية بناءة مع مسيرة النمو والتطور الحضاري الذي تشهده إمارة أبوظبي، وما يمكن أن تمتلكه من أدوات الفعل والتأثير على مجمل التحولات الحضارية، والانتقال بالثقافة من وظيفة الرصد والانعكاس إلى موقع الصانع والمحرض لمجمل التحولات الحضارية”.؟ ويضيف الدكتور الحميري: “من هنا – وتحت مظلة القطاع الثقافي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة – تقوم إدارة التراث المعنوي منذ تأسيسها عام 2006م بدور ريادي في حفظ وصون التراث الوطني غير المادي لإمارة أبوظبي، انطلاقاً من إدراكها لأهمية هذا التراث في تشكيل الوعي الوطني بتاريخ الدولة ودورها الحضاري على مر العصور، وأثر هذا الوعي في تنمية شعور الولاء والانتماء للوطن، وقيادته لدى جيل الحاضر والمستقبل، وبالتالي تعزيز وترسيخ أسس الهوية الوطنية وتدعيمها في نفوسهم كقيمة وطنية”. وحول رؤية إدارة التراث المعنوي بخصوص التراث تابع قائلاً: “لقد حرصت الإدارة على تبني رؤية محددة شكلت مرجعية لكل ما تتبناه من مبادرات ومشاريع حديثة ومستكملة من بينها: ? حصر عناصر التراث الثقافي غير المادي في إمارة أبوظبي، وتوثيقها بوسائط أرشيفية حديثة في قوائم حصر مستوفية للمعايير الدولية التي تتبناها منظمة اليونسكو، والدول المتطورة في هذا المجال، وبخاصة التعريف بالعنصر، وخصائصه الأساسية، وتاريخه، وتوزيعه الجغرافي، وممارسيه من فئات المجتمع، وأساليب إحيائه، والجهات الحكومية والمجتمعية المعنية بذلك. ? بناء شراكة حقيقية مع منظمة اليونسكو، باعتبارها الراعي الأول في العالم لثقافات وتراث الشعوب، والمنصة الفاعلة للتعريف بهذه الثقافات والتراث، وإبراز أهمية التنوع الثقافي في إغناء المشهد الحضاري للإنسانية، وذلك بانضمام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2005م لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي للبشرية في المنظمة، وتبني خطة متكاملة لتسجيل العديد من عناصر التراث الثقافي في اليونسكو من خلال ملفات ترشيح وطنية أو مشتركة مع دول خليجية وعربية وعالمية، وقد أثمرت جهود الإدارة في هذا المضمار بتسجيل عناصر تراثية خالدة في التراث الإماراتي هي: الصقارة، والسدو، والتغرودة، وترشيح عناصر أخرى للتسجيل مثل: العيالة، والقهوة، والمجالس، والحربية، بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، ودولة قطر، بما يكسب هذه الملفات أبعاداً وطنية، وإقليمية، وعربية، ودولية، تعزز تاريخها المشترك ووحدتها الجغرافية ، وعادات وتقاليد شعوبها. ? إعطاء المصادر البشرية دوراً مهماً ومكملاً للمصادر الأخرى المكتوبة في تسجيل التاريخ الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، باعتبار الرواة من كبار السن كنوزاً بشرية يعتد بهم في تدوين الأحداث التاريخية، وتوثيق الممارسات الشعبية للعادات والتقاليد، وفنون الأداء، وفنون القول، وغيرها من مكونات التراث الشعبي، وقد تطلب هذا المشروع حصر كبار السن في الإمارة، وتحديد توزعهم الجغرافي، وإعداد الباحثين على أسس البحث الميداني، وإعداد البحوث والتقارير ذات الصلة. ? حصر الحرف والصناعات التقليدية التي عرفها مجتمع الإمارات ومارسها العديد من أبنائه في فترات سابقة ومعاصرة، وذلك ضمن مشروع متكامل للحفاظ عليها، وصونها، وتطويرها بما يلبي العديد من الاحتياجات المعاصرة، ويبرز دورها في المشهد الثقافي والتراثي والاقتصادي الوطني، وقد استدعى هذا المشروع العمل على حصر الحرفيين والحرفيات في الإمارة، واختيار عدد منهم كنواة تدريبية لطلبة المدارس والجامعات والمعاهد وغيرهم، على ممارسة هذه الحرف وإحيائها، وتتضمن مبادرة الإدارة لهذا المشروع هذا العام إقامة مهرجان خاص بهذه الحرف يشارك به أربابها وممارسوها، ودورات ومشاغل تدريبية، وأسواق لعرض منتجاتها في القرى التراثية، والمطارات، والمنافذ الحدودية البرية والبحرية، والفنادق، ومراكز التسوق. وختم الدكتور الحميري بالقول: “ولعل كل جهد يتوجه نحو المحافظة على التراث، وتعزيز حضوره في المشهد الثقافي لدولة الإمارات العربية المتحدة، جهد في مكانه الصحيح لما يمكن أن يترتب عليه من سمو أعلى للوطن، ومكانة أمثل بين الأمم”. توثيق الوطن في مألوفيات شؤون التاريخ وشجونه، تحضر الذاكرة بوصفها شيئاً مضى وانقضى، تستحضر في مناسبة ما للفخر تارة، ولتعزية الذات الجريحة تارة أخرى، أو ضرباً على وتر الحماسة تارة ثالثة، وفي أحسن الأحوال يكون هذا الاستحضار على سبيل استعراض التجربة وقراءتها قراءة تاريخية... لكن حال الإمارات والإماراتيين مع الذاكرة شيء آخر... ها هنا تتحول الذاكرة إلى معيش يومي وراهن، إلى بحث عن هوية ما، عن زمن ما، عن حقائق وأناس وحيوات وسمات وحكايا ليست غابرة، إلى وطن يحتمى به... وكأني بالذاكرة هي الوطن الذي يصعب التخلي عنه أو نسيانه. من هنا، ربما، تأتي أهمية المشروع التوثيقي سرد “ذاكرة الوطن” الذي يعكف الأرشيف الوطني من خلاله على توثيق الوطن، وهو مشروع صميمي، نوعي، لكونه يتحلى بمنهجية علمية وينطلق من وعي أكاديمي من ناحية، وإنما لأنه، من ناحية ثانية، لا يكتفي بتكريس حضور الذاكرة التاريخية وحسب بل يوثق هذه المرة لجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والرعاية الصحية والتعليم المبكر والتدريب المهني والمصارف وقطاع الأعمال ويومياتها وكل ما يتعلق بثقافتها، وهي الحلقة التي ظلت تعتبر “كعب إخيل” أو الحلقة الأضعف في حركة توثيق الذاكرة الإماراتية التي يقل شهودها يوماً بعد يوم، يرحلون بلا عودة، مشكلين في رحيلهم فقداً حقيقياً لتلك الجذور الرواسخ التي منحت للحياة – ذات يوم – نكهتها الخاصة. تلك القامات التي عاشت وشهدت ورأت كيف بنيت هذه الدولة صرحاً صرحاً، واحتفظت عبر ذواكرها بشكل الحياة وطبائع الناس والتغيرات التي طرأت هنا أو هناك وكل ما جرى خلال التجربة الإماراتية التي شقت طريقها إلى التحديث والعصرنة بوتائر عالية يعترف كل من عايشها أو كان على مقربة منها، أنها كانت شديدة السرعة بحيث يصعب الإحاطة بكل تفاصيلها، ما يجعل هذه التجربة أيضاً وأيضاً احتمالاً قابلاً للقول وإعادة القول، وما يجعل من هؤلاء الشهود الباقين على قيد الوفاء للوطن والذاكرة ثروة ينبغي الاستفادة منها قبل أن تذهب هي الأخرى فتغدو على قيد النسيان أو الفقدان. وعلاوة على ما يملكه الأرشيف من الكنوز المكتوبة والوثائق المخطوطة، فإنه بمشروع التاريخ الشفاهي الذي أطلقه في 2008 م، بتوجيهات ورعاية من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، رئيس مجلس إدارة الأرشيف الوطني، وتشرف عليه الباحثة والكاتبة الإماراتية الدكتورة عائشة بالخير مديرة إدارة البحوث والخدمات المعرفية، يضع يده على روح الإمارات، وجَناها التراثي، ويقدم نموذجاً واضحاً لمشروع ثقافي يحفر بعمق في تلافيف المجتمع المحلي، ويسبر أغواره.. فالمشروع يتحلى بمنهجية علمية مدروسة، وينطلق من وعي أكاديمي وتدريب علمي تحصل عليه الفريق العامل في الميدان وفق أحدث السبل والمناهج العلمية الحديثة في جمع الوقائع التاريخية التي لم تسجلها الأقلام، فهي ما زالت تحتفظ بخصوصيتها وهي متاحة للأبحاث العلمية الجادة، وكل ذلك بغية تحقيق استراتيجية بعيدة المدى تنزل الذاكرة في المنزلة التي تستحقها، باعتبارها واحداً من ملامح الهوية. ويحقق المشروع مع مشروعات توثيقية أخرى يوماً بعد يوم، حضوراً واضحاً على صعيد التواصل مع المجتمع ومؤسساته التربوية والتعليمية من جهة، وعلى صعيد الرواة أنفسهم من جهة ثانية، حيث وصل عدد المقابلات التي أنجزت قرابة 700 مقابلة تضم كل شيء عن حياة الراوية وشخصيته والأحداث التي عاصرها، وفق ما قالت الدكتورة عائشة بالخير لـ “الاتحاد الثقافي”. وأوضحت الدكتورة عائشة بالخير، أن مشروع التاريخ الشفاهي “يعنى بذاكرة الوطن، ويتتبعها في مصادرها الأساسية وهم الرواة، من كبار السن، لكنه في الوقت نفسه يهتم بالشباب بشكل خاص، في محاولة لحثهم واستثارة شغفهم لجمع التراث والعناية به”. وأضافت: يقوم المشروع على ثلاثة محاور هي: توثيق شخصيات الرواة، ذاكرتهم، مروياتهم، تعاقبهم من جيل إلى جيل، وما يختزنونه من موروث شعبي مهم، فهؤلاء هم شهود الوطن، ومن خلالهم نحصل على مادة دسمة جداً ترفدنا بكل معطيات الماضي. ونحن ننظر إليهم باعتبارهم كنوزا بشرية وهم البوتقة الوحيدة التي احتوت ذاكرة الوطن، واحتفظت بتفاصيل لا ترصدها الوثائق. وتنقسم مقابلة الراوي إلى ثلاث مراحل: أولها منذ الولادة وحتى العاشرة من العمر (مرحلة الطفولة)، والثانية من الحادية عشرة ولغاية العشرين من العمر (الدراسة والفرجان والأغاني ومظاهر التواصل الاجتماعي المختلفة مع العائلة والأصدقاء والأقارب)، والثالثة من العشرين إلى ما فوق (الحياة العملية والخبرات الحياتية في المجالات المختلفة). ويتضمن الملف النموذجي للراوي تسجيلاً صوتياً، وتسجيل فيديو، وبطاقة شخصية وصوراً وكل ما يمكن الحصول عليه من أوراق أو وثائق بيع وشراء ومقتنيات شخصية تفيد في الربط بينه وبين رواة آخرين، وتعين الباحث على الربط بين المعلومات المتناثرة هنا وهناك، والمقارنة بين أقوال أشخاص مختلفين حول حدث بعينه.. وتتيح قاعدة البيانات هذه للباحثين إمكانيات بحثية كبيرة، بسبب دقة التصنيف المتبعة، والحرص على وضع هوامش في الأسفل لكل ما يحتاج إلى هوامش، بالإضافة إلى وجود النص بالمحكية الإماراتية والعربية الفصحى مع الحرص على التعريف بالمسميات والأدوات والأماكن والأحداث المهمة التي ترد في حديث الراوي. ولا يقتصر برنامج التاريخ الشفاهي على المواطنين، بل يعنى بكل شخص كان له دور في بناء دولة الإمارات سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي. أما المحور الثاني فهو الوثائق، وهي عبارة عن وثائق ومعاهدات وأوراق رسمية أبرمت في الماضي بين إمارات الساحل المتصالح والدول الأخرى، ونرصد من خلالها تاريخ المرتحلين، والأسفار وملامح الحياة السياسية والاقتصادية وغير ذلك، مما يمكن للباحث أن يستشفه حول الحياة الاجتماعية ومجرياتها ومظاهرها. ويختص المحور الثالث بحياة وشخصية الشيخ زايد “رحمه الله” وقيام الاتحاد، وكل ما رافق ذلك من أحداث يرويها الشهود الذين عاصروا تلك الفترة. والحقيقة أن أرشفة كل ما يتعلق بالشيخ زايد وتأسيس الاتحاد يصب في سعي القيادة لترتيب هذه المنظومة، وتوثيقها. وتضيف الدكتورة بالخير: “أدرس فلسفة الشيخ زايد فهي نبراس أنار شتى مجالات البحث، وترك لنا ما ننهل منه عند دراسة تخطيط المدن، وتوطين البدو، تعليم المرأة وتمكينها، ومبادئه في بناء الدولة، وغير ذلك مما يعكس حكمته ونظرته الثاقبة. لقد كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله” شخصية فذة، حكيمة، تتحلى ببعد كارزمي يحظى باحترام الجميع.. كان إنساناً يحاكي الآدمية وليس الإنسانية فقط.. وبنى دولة عصرية تأخذ بشروط التقدم العلمي من دون أن تهمل ظل الماضي أو تغفل البعد الإنساني فلا نستغرب إن كان آباؤنا سعداء، ونحن في ظل قيادة أبناء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله” الذين يسيرون على نهجه من أسعد شعوب العالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©