السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الركود الياباني: مشردون وعاطلون ومعدمون

الركود الياباني: مشردون وعاطلون ومعدمون
5 سبتمبر 2009 02:30
بمجيء الشرطة على الساعة السابعة صباحاً، يوم الاثنين الماضي، وإخراجه من إحدى محطات القطارات بالعاصمة طوكيو حيث قضى ليلته، كان «إيساو ليتو» قد أمضى فترة ليست بالقليلة محروماً من النوم، حيث انشغل طيلة الليل بتقليب الجرائد بحثاً عن عمل. وهو على كل حال لم يغمض له جفن، فبعد وصوله حديثاً إلى العاصمة جرياً وراء عمل، تعذر الحصول عليه في بلدته، يقول: «لم أنم أو أتذوق طعاماً منذ ثلاثة أيام، فأنا وحيد، كما أني منزعج من الطريقة غير المريحة التي صرت أنام بها». وبعد هذا المشهد من المعاناة التي يجسدها الشاب الياباني، نكون قد دخلنا عالم الركود الاقتصادي، لكن على الطراز الياباني؛ فكما اكتشف «إيساو» بنفسه من خلال تجربته الخاصة، ربما لا يوجد مكان آخر في العالم الصناعي يسهل فيه الانتقال من حياة متواضعة إلى الفقر التام، كما هو عليه الحال في اليابان، حيث خسر أكثر من 460 ألف شخص وظائفهم منذ انهيار بنك «ليمان برادرز» وانطلاق الأزمة المالية العالمية، نصفهم مثل «إيساو» كانوا يعملون في إطار عقود مؤقتة لا توفر لهم تأميناً ضد البطالة، ولا أي نوع آخر من التأمين الاجتماعي. وفيما كان الآلاف منهم يعيشون في سكن الشركات، وجدوا أنفسهم بعدما فقدوا عملهم عرضة للتشرد والمبيت في الشوارع، واليوم يقضون لياليهم تحت الجسور وفي الحدائق العامة أو محطات القطارات. وإذا ما تبقى عند بعضهم قليل من المال، فهم يذهبون للمبيت في مقاهي الإنترنت التي تظل فاتحة أربع وعشرين ساعة. ورغم إخفاء المسؤولين اليابانيين الحجم الحقيقي للأزمة، يقول «شوجي سانو»، مؤسس النسخة اليابانية من مجلة «بيج إيشو» التي يوزعها المتشردون، «إنه بالنظر إلى عدد الأشخاص الذين يتوافدون على أماكن توزيع الطعام على المتشردين، فإني أجزم بأن عددهم تضاعف في طوكيو خلال العام الجاري». وفيما تحصر الإحصاءات الحكومية عدد المتشردين في حوالي 3105 متشردين يعيشون في العاصمة، تشير المجلة التي وزعت كتيبات إرشادية على المتشردين في شوارع طوكيو لمساعدتهم على إيجاد عمل أو مكان للأكل والمبيت، إلى أن عدد الذين تلقوا الكتيب يفوق 11 ألف متشرد خلال أسابيع قليلة. والحقيقة أن مشكلة المتشردين الذين يحتمون تحت أغطية بلاستيكية، أو يعيشون على ضفاف الأنهار، أو في صناديق كرتونية بالقرب من محطات القطارات... ليست سوى الجزء البارز من مشكلة عامة في بلد يتباهى بأنه موطن الطبقة الوسطى، حيث يعيش اليوم عشرون مليون شخص، أي ما يعادل سدس عدد السكان، تحت خط الفقر حسب الإحصاءات الرسمية. لكن ما يفاقم الوضع بالنسبة لليابان، كما يعبر عن ذلك «تشارلز ماكجيلتون»، الذي يدير مركزاً لتوزيع الطعام على المحتاجين في طوكيو، هو أنه عندما «يخرج الشخص من شبكة الحماية الاجتماعية، فإنه لا يمكن تخيل حجم النقص الذي سيعانيه في كل شيء». فحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، مطلع العالم الجاري، تصل نسبة الذين لا يتوفرون على تأمين ضد البطالة إلى 77 في المئة، فيما تبلغ النسبة ذاتها في الولايات المتحدة 57 في المئة. وتقليدياً ارتكز نظام الدعم الاجتماعي في اليابان على العائلة والمجتمع من جهة، وعلى الشركات التي تمنح وظائف مدى الحياة من جهة أخرى. وفيما تراجعت الروابط العائلية والمجتمعية مع التغيرات التي حصلت في اليابان، فإن الشركات استغلت أيضاً فرصة تبني قواعد السوق الحر، خلال مطلع العقد الجاري، لاعتماد التوظيف المؤقت دون دفع مخصصات التأمين الاجتماعي الخاصة بالموظفين، ناهيك عن إمكانية تسريحهم في أي وقت. وبسبب الوتيرة العالية لفقدان هؤلاء العمال الفقراء لوظائفهم، مع تراجع فرص الحصول على عمل أخرى، يجد عدد متزايد منهم نفسه في الشارع، ومن بين 5400 شخص أشارت دراسة رسمية إلى أنهم ينامون في مقاهي الإنترنت، فإن 41 في المئة منهم تحت سن الثلاثين.وليس بعيداً عن ذلك، يقول «هيروشي إيبي»، الذي يدير مركزاً لإيواء المتشردين في العاصمة طوكيو، «إن معدل أعمار الأشخاص الذين يستفيدون من المركز تراجع من 53 عاماً إلى 49 عامــاً. وفيمــا كــان أغلبهم ينتمي إلى قطــاع البناء، فإن أعداداً متزايدة اليوم تأتي من القطاع الصناعي». وفي نفس الإطار يشير «إيساو ماتسومو»، المسؤول بإحدى الوكالات الحكومية التي تهتم بالمتشردين، إلى أن «نسبة الإشغال في مراكز الإيواء ارتفعت من 70 في المئة إلى 100 في المئة. ومازالت طلبات الالتحاق تصل المراكز دون توقف». وإلى حدود الأول من سبتمبر الجاري كان على الرجال الذين يودون الالتحاق بأحد تلك المراكز الانتظار لثلاثة أشهر قبل الحصول على مكان، أما اليوم فقد طالت مدة الانتظار إلى ستة أشهر. ومع أنه يفترض بالأشخاص الذين يغادرون مراكز الإيواء البدء في البحث عن عمل، إلا أن نصفهم فقط يقومون بهذه العملية، فيما يرجع النصف الآخر إلى الشارع غالباً لأنهم لا يرون أي أمل في العثور على وظيفة. بيتر فورد - طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©