الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استقلال «غرامين»

26 مارس 2011 22:58
اسأل أي أميركي ماذا يعرف عن بنجلادش، وسوف تسمع على الأرجح أمرين: أنها مكان متخلّف مصاب بلعنة الفيضانات والقحط والعدد الزائد من السكان والفقر، أو كونها المكان المحظوظ حيث حصل الإبداع الاجتماعي الذي يدعمه المانحون والحكومة والفقراء أنفسهم على انتباه العالم، جسّدته ثورة محمد يونس في التمويل متناهي الصغر، فقد مكّن مصرفه "غرامين" ثمانية ملايين امرأة فقيرة في بنجلادش من اقتراض مبالغ صغيرة للعمل وإنقاذ عائلاتهن من الفقر المدقع. ولسوء الحظ فإن مجلس مصرف بنجلادش المركزي، الذي ينظم عمل مصرف غرامين، أعطى تعليماته لمجلس غرامين أن يعمل على إقصاء محمد يونس، مؤسس المصرف، وبشكل فوري عن إدارة المصرف. وتم استئناف هذا الحكم الذي يتدخل في إدارة المصرف، وسوف ينظره القضاء قريباً. وعملت منظمات المجتمع المدني العالمي مؤخراً على رفع صوتها حول الموضوع، وقد يتمكن هؤلاء الذين يهتمون بإدامة هذه الحركة من دفع الحكومة البنجالية لتغيير موقفها. لقد فاز يونس والمصرف الذي أوجده بجائزة نوبل للسلام عام 2006، حيث ألهم أعداداً كبيرة من الناس لتبني هذا النموذج في دول أخرى، بما فيها الولايات المتحدة. ويملك عملاء غرامين، وهن نساء بدأن بلا شيء، 75 في المئة من أسهم المصرف و96,5 في المئة من أرباحه المدفوعة، ما يشكل مثالاً بارزاً على نجاح المؤسسات الخاصة. وقد تم تبنّي أسلوب عمل المصرف في كافة أنحاء العالم، ويثبت أكثر من 125 مليون مقترض اليوم أن الأفقر من بيننا لا يستحقون الائتمان فحسب بل هم قادرون على القيام بأعمال مبدعة غير اعتيادية. شكّل الأمر الصادر عن مصرف بنجلادش المركزي جهداً مفاجئاً ومثيراً للاستغراب يهدف إلى قلب قرار اتخذه قبل عقد من الزمان مجلس غرامين (المكون من تسع نساء هن عميلات ومساهمات، إضافة إلى ثلاثة ممثلين عن الحكومة) بالموافقة على استثناء شرط التقاعد العادي بحيث يستمر يونس (70 عاماً) بالخدمة كمدير تنفيذي لغرامين. ويناقض هذا التدخل إصرار الحكومة بأن تعمل المصارف كمؤسسات خاصة مستقلة، إضافة إلى تعاميها منذ عشر سنوات عن قيادة يونس رغم تجاوزه سن التقاعد الاعتيادي وهو 60 سنة. ويستفيد العالم كله من مصرف غرامين الذي أصبح يشكل أيقونة عالمية. ويمكن القول إن 125 مليون مقترض متناهي الصغر في العالم يدينون بوصولهم للخدمات المالية إلى النموذج الذي وضعه غرامين، والذي ساعد على تنشيط حركة الإقراض المتناهي الصغر عالمياً. وعندما أعطي يونس جائزة نوبل، صرّحت لجنة الجائرة بأنه "لا يمكن تحقيق السلام الدائم ما لم تجد مجموعات سكانية كبيرة أساليب تمكنها من الانعتاق من الفقر. والتمويل المتناهي الصغر هو واحد من هذه الأساليب، إذ يخدم التنمية من الأسفل، ويدفع الديمقراطية وحقوق الإنسان". عبقرية مصرف غرامين تكمن في التزامه التام بالمقترضين منه، ولا أحد غيرهم. لذلك، لا يمكن للتدخل الحكومي إلا أن يضرب بالالتزام المتبادل بين المقترضين والبنك، الذي أثبت جدارته العالية من خلال نسب التسديد غير الاعتيادية لقروضه، وملكية عملائه لأرباح البنك وإيداعهم فيه حوالي 800 مليون دولار (ثلثي مجموع مصرف غرامين)، وإدارتهم الناجحة جداً لمجلس إدارته. لقد أثبتت بنجلادش حتى الآن حكماً جيداً بشكل مثير للإعجاب في حماية استقلالية مصارفها، وسيكون من غير المفهوم أن تنتهك تلك السياسة الآن فيما يتعلق بأكثر البنوك استقلالية. وقد كتب يونس: "من سخريات القدر أن حركة الائتمان المتناهي الصغر، هي في جوهرها تتعلق بمساعدة كل شخص على تحقيق إمكاناته كاملة. ليس الأمر عن رأس المال النقدي، وإنما عن رأس المال البشري. الأموال مجرد أداة تطلق أحلام البشرية، وتساعد حتى الأكثر فقراً والأقل حظاً على تحقيق الكرامة والاحترام والمعنى في حياتهم". لنناشد حكومة بنجلادش أن تستمر في احترام استقلالية مصرف غرامين، لعل ذلك يؤدي إلى إعادة استقلال مصرف غرامين وقيادة يونس المميزة. إليوت دالي كاتب أميركي ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©