الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استكشافات الفن الوسيط

استكشافات الفن الوسيط
22 مارس 2012
معرفتنا بالأشياء من حولنا وانتقالها عبر أجيال وأزمنة، فيما يشبه الحكمة الثابتة أو الشكل المقنن أو الكبسولات التي عرفت بأنها مثل مضاد لأي علة أو مرض، هو ما يجعلنا أحيانا محدودي الخيال وغير قادرين على تأمل المزيد مما هو حولنا برؤى تشبهنا وتشف عنّا وتتطور معنا وبنا.. والفنان السعودي إبراهيم أبو مسمار يقدم في عمله الأخير “بيوت العصافير” سؤالا ضمنيا مُهما يمكن من خلالهِ أن نقرأ أفكاره عن الوجود والحياة إذ يقدمها بصياغة جديدة وبعد تأمل عميق: كيف نحطم شجرة من أجل أن نبني بها مجموعة من الأكواخ الصغيرة للعصافير؟ وهو سؤال الفكرة التي تتمدد ليمكن أن تشمل نواحي كثيرة من الحياة، وهو أيضا سؤال الأولويات في زمن لم تعد فيه الغايات تعتمل مع وسائلها ولا حتى فيما يخص أنها تبررها. مجموعة من الأكواخ مصنوعة من خامات مختلفة بعيدا عن الأخشاب، بل وربما كانت جدواها أفضل وفاعليتها أكثر حيوية من أخشاب الأشجار، ويمكن أن تكون أجمل وأكثر ديمومة، ومؤدية للغرض على أي حال، وهو عمل يتجه إلى صناعة الفكرة أولا ً أكثر من الجمالية، كما يمثل ذلك جيلا جديدا على اختلاف أدواتهم التعبيرية، وهو ما يجعل المتلقي يقرأ هذه الأعمال من شقها الموضوعي وبوصفها فكرة قابلة للنقاش والاختلاف والحوار، ولا يشترط على المتلقي أن يحمل ادواته النقدية الصارمة والجمالية لاستجلاء عوالم قد لا يتقن الشعور بها والتعبير عنها، سواء بذلك المتلقي المختص أو الناقد المتمرس. كما إنها لغة وسيطة للأفكار عبر بوابة الفن، هذه اللغة التي فرضت كونيتها وحققتها بجدارة ليبرهن الفنان اليوم على قدرته على الغوص عبر هذا الوسيط إلى همومه الجديدة مع الحفاظ على القيمة الفنية العالية والحديثة. من في العالم لن يشغله أمر كهذا؟ لنقل من لن تدهشه الفكرة ويحدق كثيرا قبل أن يهز رأسه بالموافقة أو عدمها، ومن لن يتخيل منظر شجرة فارعة أو كوخا شاهده ولو كان للبريد أو لاحتواء خراطيم إطفاء النيران على جوانب سلالم البيت؟ على جانب آخر كان الفن متفاعلا طيلة هذه الأزمنة الحديثة مع المتغير بوصفه كونيا وعالميا ويمكن الإجماع المفصلي عليه لنشاهد لوحات أو أعمالا مختلفة صورت 11 أيلول أو الطفل الفلسطيني محمد الدرة على سبيل المثال، أو تلك الأعمال التي تصور الاستهلاك البشري ضمن قضاياه السياسية والاجتماعية والدينية، وكيف كانت اللغة جمعية بلا فواصل وواحدة في كل الاتجاهات. إنه الفن المحمل بفكرة تسبق توقع الذهن بكونه عملا فنيا ويسبق ما نتصوره عن الفن وتأطيره ضمن سياقات فنية مطلقة، يسبق كل هذا باشتغاله على الفكرة وعلى فهم لحظة المتغير والمستجد في عالمنا، وعلى انبثاق السؤال الجديد الذي قد يتفرع منه أن الفن ليس مجرد موضة علينا جميعا أن نتبعها لمجرد أن هناك أشباها عديدين لها وأدوات تتشابه بقدر ماهو تصور الفنان واقترابه من واقعه وفهمه للحظة التحول. وعلى سبيل المثال هل كان لهذا العمل أن يلاقي رواجا واستحسانا في أزمنة سابقة كان للفن اشتغاله المحدد وتعريفه الدائري الذي يعود لنفس النقطة ويعبر عن احتياجه فقط؟ ربما نعم لكن الأقرب حسب سياق المتغير أنه يحتسب كاقتراح اقتصادي وجدوى بيئية أكثر من لفت الانتباه للجانب المفاهيمي الفني، ولن ينظر لعمل كهذا على أي أسس جمالية أو وسيطة كما ذكرنا، نظرا لأن الأدوات مختلفة، والمفاهيم والتصورات الجديدة لم يعد الفنان قادرا على تجاهلها خصوصا وهي تعبر تماما عن احتياجه عبر اللغة الفنية الجديدة الجمالية وتشبه أي قصة حقيقية تحولت إلى فلم وتعبر كذلك عن هذا الاضطراب الذي يعيشه الفنان في عالم مليء ومعقد، لذا يبحث عن الحلول ويقدم شكلا يتوازى مع المعطى المتقدم في كل المجالات وهذا هو الحال الطبيعي. هذا العمل وغيره من أعمال أبو مسمار الجديدة علامة فارقة في تاريخه الفني، ومنعطف جديد يقدم من خلاله رؤيته الجديدة، وهو ما سنلاحظه في أعمال أخرى مثل الحاجز أو المدخنة وغيرهما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©