الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تأهيل أطفال «متلازمة داون» بالإمارات يجسد رؤية إنسانية متحضرة

تأهيل أطفال «متلازمة داون» بالإمارات يجسد رؤية إنسانية متحضرة
22 مارس 2013 21:09
صادف يوم أمس الأول 21 مارس اليوم العالمي لمتلازمة داون، حيث أقرت الأمم المتحدة هذا التاريخ قبل سبع سنوات لتعريف العالم بـتلك المتلازمة، وبهدف تعزيز الوعي المجتمعي بين شعوب العالم كافة به، نظراً لتمثيله النسخ الثلاث من «كروموسوم 21» التي تعتبر الصفة الفريدة التي تميز معظم ذوي متلازمة داون. ويعرف أن «متلازمة داون»، سميت بهذا الاسم نسبة إلى الطبيب البريطاني «لانغدون داون» الذي اكتشفها، وكشف عن مجموعة من السمات والصفات والمظاهر الخلقية والإكلينيكية، التي تشترك فيها مجموعة من المواليد، وتصاحبهم مدى الحياة، ويعتبر أحد أكثر الأمراض الوراثية انتشاراً، ويصيب واحداً من بين كل 800 مولود، حيث تزداد هذه النسبة مع تقدم عمر الأم الحامل، وبحسب التقديرات العالمية المعتمدة لمنظمة الصحة العالمية «اليونيسيف». خورشيد حرفوش (أبوظبي) - في إطار الاحتفال باليوم العالمي لمتلازمة داون، أصدر المركز العربي للدراسات الجينية في جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية، تقريراً عن المرض في الدول العربية، في إطار دعم الجائزة لفعاليات هذا اليوم، ويستند التقرير إلى المعلومات المستقاة من قاعدة بيانات الاضطرابات الوراثية الصادرة عن المركز، والتي يجري تحديثها بصفة دورية، وفقاً لنتائج أحدث البحوث العلمية في هذا المجال. ويشير التقرير إلى أن أكثر من 95% من إجمالي الحالات المصابة يكون بسبب وجود كروموسوم «رقم 21» زائد في خلايا المريض عن العدد الطبيعي، فنجد أن خلية المريض تحتوي على 47 كروموسوماً بدلاً من 46 كروموسوماً، ويحدث الخلل في توزيع الكروموسومات ما بين الخلايا المنقسمة أثناء إنتاج البويضة والنطفة أو لدى انقسام البويضة الملقحة. علامات وملامح يمكن تمييز ذوي متلازمة داون بسهولة نسبياً، بسبب ملامحهم الجسدية، والتي يكون أكثرها وضوحاً في ملامح العينين، حيث تكونان بعيدتين عن بعضهما بشكل أكبر من الطبيعي، إلى جانب وجود طيات في الزوايا الداخلية للعيون، أما عن جسر الأنف فيكون مسطحاً. وتصاحب تلك الملامح الجسدية للمريض حالات من الإعاقة الفكرية، التي تتفاوت في شدتها من شخص لآخر، إلى جانب التأخر في النمو، وارتخاء المفاصل، وعدم اكتمال نمو الأعضاء، مع احتمالات الإصابة بالعديد من المشكلات الصحية الأخرى، مثل عيوب القلب الخلقية، وابيضاض الدم الحاد، وتردي المناعة الخلوية. لكن كيف تتحقق التربية الخاصة لطفل متلازمة داون؟. الدكتور أيمن رمضان زهران، أستاذ التربية الخاصة المساعد بكلية التربية جامعة الملك عبد العزيز يقول في هذا الصدد: «يختلف أطفال متلازمة داون اختلافاً ملحوظاً عن الأطفال الطبيعيين في طبيعة نموهم الحسي والانفعالي، حيث إنهم يعانون تأخراً عاماً في جميع القدرات العقلية والحسية والحركية واللغوية، وهذا الاختلاف يحتم على الأسرة المبادرة، والسعي للحصول على خدمة التدخل المبكر، واختيار طرق التدريس الخاصة بهم، والتي تساهم في دفع وتحفيز قدراتهم، وتنمية مهاراتهم، ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع، لا عالة على أسرهم وذويهم». دور الأسرة يؤكد الدكتور زهران أهمية دور الأسرة، وتأثيرها الكبير في رعاية الأطفال المصابين، ويقول: «تتفاوت الأسر في توفير هذه الرعاية، فمنها من لا يتفهم وضع طفل متلازمة داون واحتياجاته وسماته، وبهذا التصرف يحرم الطفل من ممارسة حياته الطبيعية وسط المحيط الأسري بين إخوته وأقرانه، فينعكس هذا التصرف بشكل سلبي على حياة الطفل التربوية والنفسية، بينما يحيا طفل متلازمة داون حياة صحية في الأسر المتفهمة له بشكل خاص ولبقية إخوانه بشكل عام. وهذه الأسر تهتم بتوفير المناخ الطبيعي المملوء بالحب والتعاطف والتسامح، ويؤثر هذا المناخ على الأبناء إيجابياً، مما يسهل على طفل «داون» أن يظهر بعض سماته كالمودة والتسامح». نقلة نوعية تشير سونيا الهاشمي، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لمتلازمة داون، إلى أن الدولة حققت، وبفضل قيادتها الرشيدة، نقلة نوعية في مفهوم وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال سن التشريعات القانونية الكفيلة تأمين اندماجهم بالمجتمع، وتوفير الحماية القانونية والتشريعية لهذه الفئات، ومنحهم حق الدمج العام سواء أكاديمياً أو وظيفياً أو مجتمعياً. فقد صدر في هذا الصدد مرسوم رئيس الدولة في القانون رقم «29» لعام 2006، والقانون رقم 14 لعام 2009، والذي يعطي الحق للأشخاص ذوي الإعاقة العقلية بالدمج في المدارس، وهو الأمر الذي يجب على جميع المؤسسات الانطلاق من خلاله، مشيداً بمشروع المعلم المساعد، والذي نفذته الجمعية، والذي يدعم جهود الدولة في دمج هذه الفئات بالمدارس، وتغيير النظرة السلبية لهم، وقد ركز الملتقى السابع للجمعية لهذا العام على مقصد التحصين الأمني لذوي متلازمة داون، من خلال إدراك مسؤولية أولية الرقابة في تحقيق هذا المقصد قانونياً ونفسياً وشرعياً سواء داخل الأسرة أو في الأماكن العامة. وتهدف عملية الدمج إلى توفير فرص متنوعة ومتعددة لتلك الفئة للتفاعل مع أقرانهم العاديين في مواقف طبيعية، مما يؤدي إلى إكسابهم مهارات اجتماعية أساسية، كما يهدف إلى تحسين مستوى التوافق النفسي والاجتماعي لهم، مثل تحسين مفهوم الذات، وتقدير الذات، وتقليل نسبة المشكلات السلوكية، وتنمية القدرات والمهارات الحسية والحركية، من خلال حصص الأنشطة، وتعديل الاتجاهات السلبية عند الأطفال العاديين لتلك الفئة، ومساندة الأهل وإرشادهم لأساليب تعاملهم الصحيح مع أبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة». الرعاية المبكرة يؤكد حسن بركات، اختصاصي التقييم في مركز الخليج للتوحد في أبوظبي، أهمية الرعاية المبكرة لأطفال متلازمة داون، فما بين الشهر الثامن إلى نهاية السنة الأولى من العمر يكون لديهم قدرة جيدة على التعبير، لذلك من الضروري إيجاد طريقة مؤقتة للتخاطب حتى تنمو مراكز التواصل والتحدث في المراكز العصبية في المخ، ومن ثم تزداد مهارات وقدرات الطفل في التواصل والتخاطب مع الغير، للتقليل من تأثير هذه المعاناة على الطفل في المستقبل، ومع أن التخاطب والتحدث عن طريق النطق من أصعب الطرق في التواصل لدى أطفال متلازمة داون إلا أن 95% من هؤلاء الأطفال يستخدمون المحادثة عن طريق النطق في المقام الأول للتواصل مع الغير. لذا، فإن أطفال متلازمة داون يدربون على التواصل مع الغير، في المقام الأول، عن طريق النطق، وهذا لا يمنع من استخدام أساليب مؤقتة في التخاطب، كالتخاطب الكامل عن طريق استعمال الإشارة والنطق معاً أو التواصل باستعمال لوحات التخاطب أو التواصل باستعمال الكمبيوتر أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى، إلى أن يصل الطفل إلى مرحلة التخاطب بالنطق. كما أن التدريب في هذه المرحلة يشمل تنمية مهارات التخاطب العملية، والتي يستخدمها الطفل خلال اليوم، كطلب الأشياء أو الرغبة في عمل شيء ما، وطريقة إعطاء التحية والسلام، وإضافة إلى الكلمات والجمل الشائعة المستخدمة، وكذلك أن اللعب مع الرفاق يزيد من قدرته على المحادثة والتواصل مع الآخرين، وينمي الحضور السمعي. وكذلك الكمبيوتر وبرامجه خاصة الألعاب المناسبة لحالة الطفل، وتوجد ألعاب شهيرة للتعامل مع تلك الحالات، كما يمكن أداء أدوار مشتركة من الحياة العملية في البيت، عن طريق أداء مشاهد تمثلية بين الطفل وأمه أو الطفل وصديقه، مع عكس الأدوار، وكل هذه المشاهد الخيالية تنمي قدرات الطفل التعبيرية. ويكمل بركات: «إن مهارة التواصل والمحادثة تنمو بشكل سريع خلال سنوات الدراسة الابتدائيّة، لذلك فمن الممكن أن يتعاون اختصاصي النطق والمحادثة مع مدرس الفصل، فتصبح المواد المقررة في الفصل هي التي يركز عليها في تنمية مهارة التواصل والتحدث، ويمكن أن يركّز علاج اللّغة التعبيرية على طرح مواضيع أعمق من ناحية المفردات المتشابه والمختلفة من ناحية الشكل والنحو، كما يمكن تطوير لغة الاستيعاب لتشمل زيادة طول الكلمة المستعملة في التحدث». التأهيل من جانب موازٍ، يوضح الدكتور وائل مسعود، أستاذ التربية الخاصة المساعد بجامعة الملك سعود، أن التأهيل من المنظور الشمولي يعني تدعيم وتنمية وتطوير قدرات الأطفال المعوقين كي يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم في تلبية احتياجاتهم الخاصة وأداء وظيفة أو دور يتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم المتبقية وإدماجهم في المجتمع. فلكل طفل كيانه وتركيبته الخاصة، والتي تختلف بين طفل وآخر، وتنطبق هذه الخصوصية على جميع الأطفال، بمن فيهم الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة وجميع المعوقين بشكل عام، ولكن هناك خواص ونقاطاً يتفق فيها معظم الأطفال ولا تختلف بين طفل وآخر، ومع أن هناك مشكلات مشتركة وعامة في التخاطب والتحدث لدى الأطفال، إلا أن أطفال متلازمة داون ليس لديهم مشكلة خاصة بهم من هذه الناحية، فما يعانونه من ناحية التخاطب يعتبر من الأمور الشائعة لدى كثير من الأطفال بشكل عام. فقدرة أطفال متلازمة داون على فهم ما يقال أعلى من قدراتهم على التحدث والتعبير عن أنفسهم أو ما يريدون قوله، لذلك فمن الأمور المشهورة بين الأطباء أن لغة التعبير في معظم الأحيان أصعب من لغة الفهم لدى الكثير من أطفال ذوي الحاجات الخاصة». ويضيف مسعود: «إذا نظرنا إلى لغة التعبير لوجدنا أن أطفال متلازمة داون يسهل عليهم اكتساب مفردات جديدة أكثر من استطاعتهم ربط هذه المفردات والكلمات لتكوين جملة صحيحة من ناحية القواعد، فقد يعاني بعضهم من صعوبة ترتيب الكلمات في الجملة الواحدة وبشكل صحيح أو لديهم صعوبة في إخراج الكلمة أو النطق بالكلمة بشكل واضح أو عدم ووضوح النطق، فبعض أطفال متلازمة داون لديه القدرة للتحدث مع الغير باستخدام جمل قصيرة ومحدودة المفردات، وقد يستطيع غيرهم ممن لديه متلازمة داون الحديث واستخدام جمل طويلة، وبها مفردات متعددة، فهناك تفاوت في مقدرات أطفال متلازمة داون، ومع ذلك فما يعانيه أطفال متلازمة داون من صعوبات في التخاطب والتحدث يعانيه الكثير من أطفال ذوي الحاجات الخاصة، وهذا يعني أن المتخصصين في مجال علاج النطق يستطيعون استعمال خبراتهم وقدراتهم في علاج مشكلات التخاطب في الأمراض الأخرى وتنفيذها لمساعدة أطفال متلازمة داون». جهد مشترك يشير محمد وجدي، اختصاصي التخاطب في مؤسسة زايد العليا الإنسانية لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى مفهوم التأهيل باعتباره جهداً مشتركاً بين مجموعة من الاختصاصات لتحقيق الأهداف والوصول بالفرد المعوق إلى أقصى ما تسمح به قدراته وإمكاناته، من خلال مجموعة من برامج التدخل المبكر، وبرنامج التربية الخاصة والتأهيل التربوي، وبرنامج التأهيل المهني، وبرنامج التأهيل الطبي، وبرنامج التأهيل النفسي والاجتماعي، حيث تسعى هذه البرامج التأهيلية إلى استغلال وتطوير قدرات وإمكانات الفرد المعوق وتوظيفها إلى أقصى حد ممكن للوصول إلى درجة من الاستقلال الوظيفي والاجتماعي والاقتصادي، ومساعدة الفرد المعوق وأسرته على التكيف مع حالة العجز ومواجهة الآثار السلبية النفسية والاجتماعية والوظيفية والمهنية الناجمة عنها، وإدماج الفرد المعوق في الحياة العامة للمجتمع، وتمكينه من أن يؤدي دوراً يتناسب مع قدراته وإمكاناته، وكل خطوة من خطوات التأهيل يجب أن تقوم على أسس وقواعد تشخيصية وتفسيرات دقيقة لما هو متوافر من معلومات حول الفرد المعوق وقدراته وإمكاناته وطبيعة احتياجاته التربوية الخاصة، والبرامج التربوية الملائمة لتلبية تلك الاحتياجات، فالتخطيط لبرنامج التأهيل التربوي يجب أن يقوم على أساس ما يتوافر لدى الفرد المعوق من قدرات وليس على أساس العجز الذي يعانيه، وهنا يجدر القول إن كل شخص مهما كانت إعاقته ومهما كانت شدتها لابد أن تتوافر لديه قدرات يجب العمل على تطويرها وتنميتها وتوظيفها». السمات يشير الدكتور أيمن زهران إلى السمات الصحية لأطفال داون، ويقول: «إن المشكلة الرئيسة لهؤلاء الأطفال هي التأخر العقلي، وتختلف درجته من طفل لآخر، وبطْء النمو، وتأخر النشاط الحركي، وأحياناً يكون لهذا الطفل تشوهات خلقية في القلب، أما السمات العقلية، فإن ذكاء المصابين بمتلازمة داون يتراوح ما بين 35 - 75 «التخلف العقلي البسيط»، وأحياناً إلى 80، وهذا يرجع إلى طبيعة الأسرة ومدى الاهتمام التربوي والنفسي والاجتماعي بالطفل، وإلى دور المؤسسات المجتمعية تجاه هؤلاء الأطفال، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن النشاطات والتفاعلات العقلية للبعض منهم لا تتجاوز الحد الأدنى المتعارف عليه بالنسبة للطفل العادي، وإن بعضهم الآخر يعاني تخلفاً بسيطاً أو متوسطاً وإن القلة القليلة فقط تعاني التخلف العقلي إلى درجة كبيرة، وهذا يعني أن الطفل المصاب بمتلازمة داون قادر على التعلم، ومن أهم المظاهر الاجتماعية لدى طفل «داون» القصور في الكفاية الاجتماعية، والعجز عن التكيف مع البيئة التي يعيش فيها، ويلاحظ على هذا الطفل ميله إلى مشاركة الأصغر منه سناً في أنشطتهم وألعابهم أو مخالطة من هم أكبر منه سناً، وأحياناً يظهر على فئة منهم العزلة والانسحاب من الجماعة، وتزداد هذه المظاهر سوءاً بسبب الاتجاهات السلبية للآخرين نحوهم، كما يلاحظ أن ردود أفعال هؤلاء الأطفال تكون أضعف من المعتاد وليس من السهل جذب انتباههم واستثارتهم. أرقام وإحصاءات تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أنه يوجد ما يقارب 350.000 حالة متلازمة داون في البلدان العربية، وأنه بالرغم من أن 75% من الأجنة التي لديها متلازمة داون «متلازمة كروموسوم 21 الثلاثي» تنتهي بإجهاض تلقائي من دون أي تدخل طبي، إلا أنه يولد طفل لديه متلازمة داون لكل 800 ولادة لأطفال أحياء. كما أن 80% من الأطفال الذين لديهم متلازمة داون يولدون لأمهات أعمارهن لا تتجاوز 35 سنة، مع أن احتمال ولادة طفل متلازمة داون يزداد بزيادة عمر المرأة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن معظم المواليد - كانوا سليمين أو غير سليمين - يولدون لأمهات أعمارهن أقل من 35 سنة!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©